كثيرون اعتبروها مدخلاً للتعايش زيارة وزير الإرشاد للكنائس.. جدل فقهي
في عادة سنوية، زار وفد حكومي عدداً من الكنائس لتقديم التهاني للمسيحين بأعياد المسيح التي صادفت يوم الأحد المنصرم. وأخذت زيارة العام الحالي زخماً إضافياً باعتبار أنّ الوفد الزائر للكنيستين الكاثولوكية والأسقفية، مثّل طيفاً من قادة وزارة الإرشاد والأوقاف برئاسة الوزير، د. عمار ميرغني.
ولأنّ الشئ بالشئ يذكر، فقد درجت الطوائف المسيحية على تنظيم حفل إفطار سنوي، خلال شهر رمضان الفضيل، لقيادات الدولة والمجتمع من المسلمين، ويؤمه عادة الرئيس عمر البشير.
حديث الوزير
يقول د. عمار إنّ وفده سعى لتقديم رقاع التهنئة للمسيحيين في السودان وفي كل أنحاء العالم بحلول أعياد الميلاد المجيدة، بما يعزز النموذج السوداني المتفرد في التعايش الديني، والتواصل مع الأديان كافة ، مطالباً بالمحافظة على الإرث التليد والنمط الزاهي من التعايش السلمي والمعاملة الفاضلة التي تسود بين السودانيين، وطالب الوزير من السودانيين مسلمهم ومسيحيهم بأن يكون همّهم الأوّل هو الوطن.
بيد أنّ زيارة هذا العام، أثارت جدلاً بين علماء الدين، لا سيّما وأنّ أطرافها قيادات في وزارة الإرشاد، فمنهم من ارتأى في الزيارة سماحة هي من الدين، ومن رفضها باعتبارها سلوك معارض للدين، وفي كل تستخدم الأدلة العقلية والنقلية.
الإباحة
مع الفريق المؤيّد لتهنئة المسيحيين بأعيادهم، الدكتور محمد المجذوب أستاذ الفقه الإسلامي بجامعة النيلين الذي قال لـ(الصيحة): إن تهنئة المسيحيين وزيارتهم من الناحية الأصولية ليس فيه مانع وإن القرآن لم يمنع ذلك بأي من نصوصه، وإن الأصل في الأشياء الإباحة. ويستدل محمد المجذوب بالعهدة العمرية في عهد سيدنا عمر بن الخطاب ليدحض بها مخالفيه وزيادة لاستدلاله يشير إلى ما جاء به القرآن أن: “وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” ، ويضيف المجذوب: إن القرآن ينادي للتدافع مع غير المسلمين بالحجة، وإن الرسول كان يتحالف معهم، مستدلاً بوثيقة المدينة. ويذهب المجذوب إلى رواية تاريخية بالجدال الذي أقره القرآن بالحسنى، وإنّ من الناحية الأصولية لا بأس من مباركة الأعياد لهم وزيارتهم، ويختم المجذوب بأنّه لا يرى غضاضة في ما ذهب إليه وزير الإرشاد والأوقاف بزيارة المسيحيين في كنائسهم.
فيما قالت الدكتورة هاجر أبو القاسم أستاذة التاريخ الإسلامي لـ(الصيحة) إن ما تمّ في زيارة وزير الإرشاد والأوقاف لا يخرج عن كونه دعوة للتسامح والاعتراف بالآخر، وأضافت: إن زيارة وزير الإرشاد والأوقاف طبيعية في وقت يتهم العالم الإسلام بالتطرف والإرهاب، خاصة في أوروبا، وأضافت: إن الناس يحتاجون إلى تقريب المسيحيين واحترام الآخر، ليحترم الآخر معتقداتنا وقيمنا، مشيرة إلى أن العالم لا يحتاج إلى تحجر بقدر ما يحتاج إلى مرونة، وإن من مبادئ الدين التسامح.
رفض قاطع
تيار الرفض لتهنئة المسيحين بأعيادهم ينسدل فيه المنسق العام لتيار الأمة الواحدة د. محمد علي الجزولي الذي يبتدره في حديثه لـ(الصيحة) بتساؤلات ترفض مبدأ التهنئة من أساسها، حيث تساءل هل من الممكن القول إنه يجوز تهنئة الزاني بأن نقول له: زناً مبروكاً، وقس على ذلك شخص سرق أو سطا هل من الممكن أن نقول له كل سرقة وأنت طيب. وأشار الجزولي إلى أن كل من يملك خيط رفيعاً من التدين أو من يملك شيئاً من العقل والفقه سيقول لك: إن التهنئة لا تجوز، ويضيف الجزولي بأن الذين يهنئون النصارى في عيد الميلاد بماذا يحتفلون؟ وقطع الجزولي بأن التهنئة لا تجوز بسبب أنها متعلقة بما يخالف العقيدة الإسلامية الداعية للتوحيد، وإن الاحتفال هو احتفال بميلاد التثليث، ورفض الجزولي الحديث عن من يفعل ذلك ويدافع بأنّه لا يقصد سوى التسامح مشيراً بالقطع لرفض المسلك.
وذهب الداعية الإسلامي أبوبكر آداب في ذات سلك الرفض للتهنئة والزيارة، وقال لـ(الصيحة): إن التهنئة بعيد الكريسماس أو غيره من أعياد المسيحيين الدينية حرام بالاتفاق، مستدلاً بما نقل عن ابن القيم في كتابه أحكام أهل الذمة، مشيراً إلى أن التهنئة بالعيد أو بصومهم بقول الناس تهنأ بهذا العيد أو غيره إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، و ذهب أبوبكر لتشبيه التهنئة من المسلم للمسيحي بالسجود للصليب كما أفتى ابن القيم بذلك.
الصيحة