تحقيقات وتقارير

وجدت رواجاً في الآونة الأخيرة معسكرات الطلاب المغلقة… بين التلقين وتركيز المعارف

بدا الموظف الحكومي عثمان متبرماً من طلب ابنته ذات الستة عشر ربيعاً، التي أخبرته عن نيتها الدخول في معسكر مقفول بالمدرسة الثانوية الحكومية بأمدرمان لمراجعة الدروس، وزاد تبرمه أكثر حينما أبلغته أن المقابل نظير هذه الخدمة يصل إلى 300 جنيه، فقال لها غاضباً “نحن زمان نجحنا بدون معسكرات ودروس خصوصية”، فامتصت ابنته الطالبة التي كانت تتأهب للجلوس لامتحانات الشهادة غضب والدها بحديث ضاحك حينما قالت له “يا ابوي الزمن اختلف.. وانتو قريتو في ظروف كويسة ولقيتو اهتمام الدولة”، فلم يجد الأب الغاضب غير أن يبتسم، وفي ذات الوقت وافق على منحها المبلغ، رغم أنه بدا غير مقتنع بالفكرة كما قال لابنته.

ظاهرة في ازدياد

ظاهرة المعسكرات المقفولة بالمدارس للتلاميذ والطلاب الجالسين لامتحانات شهادتي الأساس والثانوي، تمددت بصورة كبيرة، وهو ما جعل البحث عن أسباب ذلك أمرًا ضرورياً.

يقول الأستاذ حسن المعلم بمدرسة خاصة بالخرطوم إن الفكرة بدأت في فترة التسعينات في شكل دروس خصوصية لأساتذة متميزين أجادوا فنون التلقين ورفع كفاءة الطلاب في حل الامتحانات، واشتهر بفضل ذلك أساتذة معينون الشيء الذي رفع التركيز على شعبيتهم، بل أن منهم من شجعه ذلك على إنشاء مدارس خاصة، وبعد ذلك تحولت الدروس الخصوصية الى معسكرات في المدارس بما فيها الحكومية، وذلك خلال العقد الأخير، وتسمى بمعسكرات التركيز، وذلك لارتفاع حدة المنافسة بين المدارس ولرفع مستوى الطلاب الذين أكد اختلافهم عن طلاب الماضي، وقال إن المدارس الخاصة تهتم بالمعسكرات لأنها تهدف إلى تحقيق أعلى نسبة نجاح لأن هذا يفتح لها أبواب الإقبال عليها في العام التالي، بل إن من تلك المدارس ما أبدعت في استثمار نجاحاتهم إعلامياً بنشر صور وبوسترات للطلبة المتفوقين بقاعة استقبال المدرسة، وآخرون فضلوا أن تكون شامخة بالطريق المؤدي للمدرسة، إن ذلك بدون شك له فوائده في تحقيق النجاح والتفوق الذي يفرح كل طالب وطالبة، ويزرع السرور والسعادة في رحاب أسر الناجحين والمتفوقين، وفي سبيل تحقيق كل ذلك تجد كثيراً من الأسر قد بذلت من أجل ذلك من طاقتها وإمكاناتها المادية ما يفوق قدارتها، فالنجاح قد يسكن آلام المعاناة بما دخلوا فيه من التزامات تفوق قدراتهم، والتعليم يستحق كل ذلك وأكثر، ولكن دائماً بعد كلمة (لكن هذه) قد ندخل في استدراكات أخرى مغايرة وما ندخله هنا في مجال آخر هو ضرورة التفات علماء التربية والتعليم وإستراتيجياته إلى أن ذلك كله هل سيصب في الأهداف العليا في رفع كفاءة الطالب والأجيال المستهدفة ببلوغ الهدف المنشود لإنسان الغد في الجوانب الكمية والكيفية، أم إن الهدف مادي بحت؟

تفوق ونجاح

وللاستيثاق عن فائدة المعسكرات من عدمها، تجولت الصيحة في عدد من المدارس الخاصة والحكومية، وكانت البداية بمدرسة (ن) الثانوية الخاصة بنات بالخرطوم، وابتدرت مديرتها الأستاذة (س .أ) حديثها مشيرة إلى أنها تخرجت بدرجة امتياز من جامعة الخرطوم كلية القانون، وكشفت عن تأسيسها مدرسة ثانوية دخلت عامها الحادي عشر، وأضافت: خلال هذه الفترة والتجربة أستطيع التأكيد على أن مستوى الكثير من الطالبات في المواد الأساسية متدنٍّ، ولكن بفضل المعسكرات والدروس التركيزية حققت لهن نجاحا باهراً، فيدخلن الجامعات بدرجات ومستويات عالية، وتؤكد على أهمية المعسكرات التي ترى أن الطلاب دون الخضوع لها لن يحققوا نتائج جيدة، وتشير إلى أنها تركز على اللغتين العربية والإنجليزية بصورة مشددة، وأنها تعزز مستوياتهن بدروس خصوصية جماعية تقام داخل المدرسة وأكثرها في اللغة الإنجليزية، وقالت إن المعسكرات لدى بعض المعلمين والتربويين القدامى تشبه المنشطات التي يتلقاها الطالب من أجل التركيز ليحقق مستوى أكاديمياً جيداً، مؤكدة أنها مع اقتراب امتحانات الشهادة السودانية في كل عام تفتح أبواب المدرسة للمعسكرات المقفولة التي تبدأ من الساعة 7 صباحاً وحتى 10 مساء، علاوة على ذلك يتم تعيين ترحيل مسائي لتوصيل الطالبات ليلاً بعد موافقة أولياء الأمور، مشيرة إلى أنها استطاعت تخريج 11 دفعة بنسب عالية رسمت الفرحة والبهجة على وجوه الأمهات وأولياء الأمور.

وجود رقابة

بينما قال أستاذ “ح .ع” وكيل مدرسة خاصة ومدرس التاريخ إن المعسكرات النهائية تزيد من استيعاب الطالبات وتركيزهن على المادة، مثلها مثل الدروس الخصوصية التي يتم تلقينها للطالبة في المنزل بمفردها، ولكن فكرة المعسكرات تكمن في الحماسة الجماعية بوجود رقابة على ذلك من المعلمين.

الراحة الكافية

وحدثني أستاذ الرياضيات “ج . م” وقال إن المعسكرات بحد ذاتها فكرة ناجحة، ولكن الأرق الذي تسببه للطالب أو الطالبة قد يقلل من قوة التركيز لديهم، خصوصاً المعسكر الذي يطول زمنه بحيث تكون الراحة لمدة بسيطة تقارب النصف ساعة أو أكثر، وهي لا تساعد على تثبيت المعلومة لدى التلاميذ، مشيراً إلى أن المعسكر المقفول يومياً قد يولد الملل للطلاب من الدراسة اليومية المطولة وبشكل مستمر.

رفع معنويات

وبدورها تقول المشرفة “هنادي عيد” إن المعسكر اليومي في المدرسة يشجع الطالبات على الدراسة وينمي بداخلهن حب المنافسة العلمية، وأضافت: بعض التلميذات يفضلن النوم واللعب بالهواتف النقالة منذ انتهاء اليوم الدراسي مما يسبب لهن الكسل، مؤكدة أن المعسكر يحفز ويزيد من الرغبة في الدراسة وتشجيعهن على المذاكرة الجماعية والشرح العام وتبادل المعلومات بينهن أو المذاكرة الفردية ويرفع من تركيز الطالبات على المواد وفهمها، والمعسكر المقفول مع وجود الرقابة يجبر التلاميذ على الحضور والاستفادة، ولكن بعضهن من يلفقن الأكاذيب ويتسكعن خارج المدرسة بـ”الكافتيريات ومحلات الآيس كريم” بحجة المعسكرات المدرسية والرقابة ليست فقط على المدرسة والمدرسين بل هي واجبة أيضاً على أولياء الأمور في المنزل منذ خروج الطالب أو الطالبة على المدرسة يومياً، وتضيف أستاذة هنادي: حضور أمهات الطالبات المستمر للمدرسة ومراجعة درجاتهن ومتابعة تقديراتهن شيء أساسي.

رسم الفرحة

وتحدثت لي ولي أمر الطالبة “سلافة” وأبدت الموافقة على حديث السابقين، وزادت بأن المعسكرات هي مكملة للدراسة وللطالب ومفعولها يمكن أن يكون أفضل من الدراسة العامة لأن المعسكرات يتشدد فيها المعلمون في الشرح والتركيز اللغوي، مضيفة أن وراء كل تعب وأرق نجاح وفرحة ترتسم على وجوه الطالبات قبل الأسر، وأضافت: أنا مؤيدة للمعسكرات المغلقة لحث الطالب على المذاكرة والمراجعة بوجود رقابة على ذلك، أما في المنزل فقد أكون مشغولة “ضيوف أو ما شابه ذلك”، فلا أستطيع مراقبة أبنائي.

الأرق يسبب التشويش

أما الطالبة “إسلام مصطفى”، فقد أكدت أنها ضد المعسكرات المغلقة وأضافت: في بعض الأحيان ينقلب المعسكر إلى مسرح للضحك واللعب والغناء بحجة الراحة بين المذاكرة الطويلة، وبهذا نفقد السيطرة على المعلومات التي حاولنا ترسيخها بمجرد أول فضفضة مزاح عابر بين الطالبات، وأضافت إسلام أنها تجدول وقتها في المنزل على الدراسة وتخصص أوقاتاً للراحة لمدة ربع ساعة وبعدها تواصل ما كانت عليه، وتعتقد أن الدراسة العامة في حد ذاتها أرق بدني وذهني، وعندما تكون مصاحبة لمعسكر مغلق لفترات متواصلة من دون راحة، فذلك قد يسبب التشويش الذهني للطالبات.

استذكار السابق

بينما قالت الطالبة “رؤى عثمان” إن إيجابية المعسكرات المقفولة تتيح للطالبة استرجاع الدروس السابقة التي غابت عنها، وتدفع الطالبات معنوياً من خلال الاستذكار في الشرح الجماعي والدروس الخصوصية التي تدرس في المعسكر، مؤكدة أنها حاولت عدة مرات أن تذاكر وتخصص جدولاً للمذاكرة والمراجعة في المنزل، ولكن العامل النفسي له أثر في ذلك، والحماسة الجماعية مع الطالبات تزيد من الاستيعاب الذهني.

تحفيز الطالبات

وأثناء تجوالي اقتحمت مدرسة “د” الحكومية بنات وأبدت مديرة المدرسة أستاذة “ن . م” تأييدها للمعسكرات المدرسية المغلقة، التي تعتبر من أهم الأدوات التعليمية المحفزة للطالب أو الطالبة خصوصاً الفصول الكبرى للشهادة السودانية، وأضافت: المعسكر يزيد من درجات تركيز الطلاب ذلك بفضل المعلمين ذوي الكفاءة العالية، والمعسكرات المغلقة شبيهة بالمنشطات المدرسية لأن الطالب مع كثرة الدروس وتراكمها عليه قد ينسى بعض المقررات التي درست، والمعسكر يصنع فرصة الاستذكار لديه، وأردفت الأستاذة “ن” أنها بدأت بالمعسكرات المقفولة في المدرسة بعد موافقة أولياء الأمور والمعلمين على ذلك خصوصاً لطلاب الصف الثامن، وتشدد التركيز عليهم في المعسكرات، فأصبحت هنالك منافسات بين المدارس وبين الطالبات على النجاح والنسب العالية، مشيرة إلى أن المعسكر فعلا متعب ومرهق، ولكن ليست هنالك “حلاوة من غير تعب”، بينما قالت ” ف .ع ” مدرسة اللغة العربية إن المعسكر والمدرسة يشكلان نجاحاً واحداً، ولكن النجاح لا يتوقف على المعسكر أو المدرسة أو كفاءة المعلم، بل إن الطالب يلعب أهم دور في المعسكر، والتعب الذي ينتج عن المعسكر تظهر ثمرته في النتيجة.

الصيحة