تحقيقات وتقارير

منع أكياس البلاستيك.. تساؤلات تؤرق المضاجع.. أضرار صحية واقتصادية

أكياس البلاستك أكثر الأنواع المستخدمة، دون غيرها عن بقية الأنواع لسهولة تداولها في حمل المنتجات الغذائية وغيرها حتى باتت جزءاً مهماً في حياتنا اليومية، ورغم أنها أفرزت مشكلات صحية وبيئية جمة بسبب سوء استخدامها بجانب صعوبة التخلص من مخلفاتها الأمر الذي يجعلها عبئاً كبيراً على البيئة والكائنات الحية.
إلى ذلك قررت ولاية الخرطوم منع استخدام أكياس البلاستك ابتداءً من (30) يناير الجاري، وقد سبقتها في تنفيذ القرار ولايتا الجزيرة والقضارف، فهل القرار مدروس وفي وقته؟ وما هي البدائل التي طرحتها الولاية ولاسيما أن هناك من يعتمدها مصدر رزق ويقتاتون منها، وما مدى ضررها؟

ولأن أكياس البلاستك تؤثر في الإنسان والحيوان والبيئة تأثيراً مباشراً يؤكد د. عبدالعظيم المهل الأستاذ بقسم الاقتصاد جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، ضرورة إيقاف استخدامها، حفاظاً على البيئة وصحة الإنسان والحيوان. وقال: “رغم ذلك لابد من طرح البديل”. وتساءل ما هو البديل؟ وهل سنرجع للقفة مرة أخرى أم سنستخدم أكياس الأسمنت الملوثة. وتابع: “لابد من دراسة الموضوع من كافة جوانبه قبل إصدار القرار النهائي”، لافتاً إلى ضرورة النظر إلى الجانب العملي عند وضع البدائل إذ لا يمكن حمل اللبن أو الزيت في الأكياس الورقية أو الدمورية. وتعد أكياس البلاستك عملية لسهولة حملها وكثرة استخداماتها. ونبَّه إلى ضرورة تقييم تجربة القضارف التي منعت استخدام أكياس البلاستك ما إذا كانت سالبة أو إيجابية.
القرار بحسب د. العظيم سيؤثر سلباً على أصحاب المصانع والعاملين فيها، بالإضافة إلى تجار الجملة والقطاعي والسريحة الذين يعتمدون بشكل أساسي على بيع تلك الأكياس كمصدر رزق أساسي لهم، بالإضافة إلى المستورد منها، وبإيقاف تلك المصانع دون إيجاد حلول لها بتحويل نشاطها لصناعة محددة بديلة تعرض العاملين للتشريد وستتوقف العديد من المصانع بالعاصمة والولايات، وهذا مهدد اقتصادي كبير لآلاف الأسر.

ضعف الإنتاج الزراعي
لفت مدير إدارة حماية البيئة السابق بوزارة البيئة علي محمد الأمين إلى الأضرار التي يتعرض لها الإنسان والحيوان والبيئة من أكياس البلاستيك التي ترمى وبطريقة عشوائية في أي مكان، مؤكداً إتلافها للتربة. وقال: تعد الأكياس البلاستيكية مهدداً خطيراً للتربة ولاسيما أنها تقلل من خصوبتها عبر المادة غير المتحللة التي تحملها الأكياس، وبالتالي تضعف الإنتاج الزراعي، فضلاً عن أنها تقود إلى انخفاض إتاج القطيع من الألبان واللحوم، ولاسيما بعد تحلل المادة الضارة وانتقالها إلى الحليب ومن ثم الإنسان لتصيبه بأمراض السرطان، كما أن تراكم الأكياس في الجهاز الهضمي للحيوان يؤدي إلى وفاته.
ونبَّه علي إلى المخاطر الجمة الناتجة عن حرقها على صحة الإنسان، وطالب المواطنين بعدم حرقها في الطرقات أو داخل المنزل، لأن استنشاق ذلك الدخان الناتج من عملية الحرق يسبب الكثير من الأمراض الفتاكة، موضحاً سعي الوزارة الجاد في منعها، لكن حتى لا يتضرر من يعتمدون عليها في أكل عيشهم ويفوق عددهم (4000) أسرة، تحاول إيجاد حلول بديلة تقلل من الضرر. وقال: “إن المسؤولية تضامنية بين المواطن والجهات المسؤولة، وننصح تجنبها قدر الإمكان”.

حقيقة مجهولة
حذر استشاري الأورام بمستشفى الذرة د. كمال حمد من خطورة وضع الأغذية الساخنة داخل أكياس البلاستك المعتاد استخدامها في المحال التجارية. وقال: “تتفاعل المواد التي تحتويها الأكياس مع المواد الغذائية الساخنة فتفرز عنها مواد مسرطنة ما أدى إلى ارتفاع نسبة الإصابات في البلاد”. وأضاف: “هذه حقيقة يجهلها كثير من الناس، ومن الأفضل استخدامها لحمل مواد جافة أو باردة، وبذلك لا تسبب ضرر يذكر”.

تعديل سلوك
بالنسبة لأستاذ هندسة السلامة والصحة والبيئة بقسم الهندسة الكيميائية جامعة الخرطوم د. كمال الطيب البلاستك في حد ذاته لا يمثل خطراً على الإنسان، وإنما الخطر في الإنسان نفسه. وشرح ذلك قائلاً: “يشكل البلاستك بأنواعه السبعة خطر على صحة الإنسان عند استخدامه في حمل المواد الغذائية الساخنة التي تتفاعل مع المواد المضافة كاللون والمواد المستخدمة لليونة البلاستك وسماكته”. وأضاف: “ما دون ذلك هو آمن ولا يشكل أي خطورة”.

واستنكر د. كمال القرار باعتبار أن هناك بدائل أخرى يمكنها حل الأزمة دون إيقاف استخدام أكياس البلاستك، لافتاً إلى نشر ثقافة الاستخدام. وقال: “في تلك الأمور لابد من إجراء عمليات تثقيفية للمجتمع ترفع من درجة وعيهم وتمكنهم التفرقة بين الجيد والسيء، وكيفية حماية أنفسهم من التهلكة التي يذهبون إليها بإرادة محضة، بدلاً من المنع الذي يولد سلوكيات سالبة في المجتمع”، مشيراً إلى الذين يعتمد رزقهم على تلك الصناعة، مؤكداً ضرورة تعديل السلوك في المكافحة بديلاً لسياسة المنع، التي يجب أن يسبقها بدائل صديقة للتربة والبيئة كالكناف والورق يصاحبها تحفيز.

بديل حامي
عد رئيس جمعية حماية المستهلك نصر الدين شلقامي قرار حظر أكياس البلاستيك غير مدروس. وحذَّر من خطورة القرار على صحة الإنسان في ظل انعدام البديل الحامي. وقال: “نحن في حماية المستهلك شاركنا في لجنة قبل عامين أعدت لهذا الغرض ضمت خبراء بجانب الوالي، وأوصت بإيقاف الأكياس ذات السمك الرفيع فقط، وترك الباقي لحين إيجاد بديل آخر.
ولفت د. نصر الدين إلى ضرورة إخضاع الموضوع إلى دراسات وإيجاد بديل بأداء الأمر، ثم تأتي القرارات لاحقاً. وقال: “يمكن أن يكون الورق البديل المطروح، لكنه غالٍ وأنتم تعملون في سوقه وتعلمون ذلك، ما يجعل الأمر أكثر تعقيداً عندما يلجأ المواطنين إلى بدائل أخرى ربما أكثر ضرراً من أكياس البلاستيك”. وأضاف: “ولاية الجزيرة التي نفذت القرار خير دليل لذلك الأمر، فقد اعتمد مواطنوها على لف مشترواتهم في ورق جرائد، وهي مليئة بالأحبار والرصاص، وتعد خطراً على صحة الإنسان، وكذلك أكياس الأسمنت التي تحمل غباراً، لذلك إيجاد البدائل أهم من منع أكياس البلاستك.

مؤكداً أن الأكياس في حد ذاتها لا تمثل خطراً على الإنسان، وإنما السلوك والتعامل مع الأكياس هو السبب الرئيس في تحويلها من إيجابي إلى سلبي. وتساءل لماذا نتركها تصل البقرة حتى تأكلها؟ ولماذا نضع عليها المواد الساخنة حتى تتفاعل معها؟، كلها سلوكيات نقوم بها نحن إذا أوقفناها أوقفنا الضرر، غير أن القصة ليست قصة قرارات، القصة تحتاج لدراسات متأنية.

الخرطوم – زهرة عكاشة – نسيبة محجوب
صحيفة اليوم التالي