رد الجميل .. لأوباما!
بعد عشرين عاماً نجحت محاولات الحكومة في بدء تفكيك سلسلة الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها، والتي أدت الى إدراجها في قائمة الدول الراعية للإرهاب، الرئيس الأمريكي لا شك يختتم رئاسته بأهم قرار تصدره الإدارة الأمريكية خاص بالأوضاع في السودان، وتأتي أهمية القرار في أنه جاء في نهاية ولاية الرئيس أوباما وهي فترة تسليم وتسلم، ولم تعهد الادارات السابقة في فترة انتقال مهام الرئاسة مثل هذه القرارات، هذا القرار يوضح بجلاء أن الاهتمام الأمريكي بالسودان في أحسن أحواله وأن الرؤية الأمريكية للتعامل مع النظام تتجه نحو الهبوط الناعم ( Smooth Landing )، بشروط مزدوجة التأثير في الوضع الداخلي والاقليمي والدولي، ولا شك أن القرارات الحكومية بالابتعاد عن المحور الايراني والتوافق مع التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية كان من الناحية الأخرى دافعاً لدول الخليج في تقديم الحكومة السودانية بطريقة جديدة ، رغم ان بعض ذيول الحقبة الايرانية لم تتم تصفيتها بشكل تام.
لجنة حكومية تفاوضت سراً وعقدت (23) اجتماعاً ولقاءاً، جرى خلالها تفاوض مع (C.I.A) ووزارة الدفاع و (أوفاك)، و جهات أخرى لم يحددها الإعلان الحكومي، أشتمل الحوار على (5) مسارات تتعلق بتحقيق وفق لاطلاق النار في السودان (1)، وفتح مسارات الاغاثة لمناطق النزاع (2) والمساعدة للوصول لاستقرار في دولة جنوب السودان (3) مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية (4) ومكافحة جيش الرب (5)
القرار بالطبع لم يتطرق علناً لملف الحريات وحقوق الانسان في السودان، ولكنه قطعاً كان أحد المحاور الأساسية في المفاوضات السرية، وبالرغم من أن القرار لم يحدد أي موقفً من قرارات الكونغرس الخاصة بسلام دارفور أو اعتبار السودان دولة راعية للارهاب، إلا أن مضمون القرار الأمريكي يتضمن ذلك بتحديد فقرة عن مكافحة الإرهاب، وبهذا يصبح مفهوماً أن فترة (180) يوم تم تحديدها أولاً، لأن هذا اجراء متبع في القرارات الامريكية، وثانياً لأن القرار سيخضع للاستجواب في الكونغرس، إضافة الى أن قرارات ضم السودان لقائمة الدول الراعية للإرهاب وقانون سلام دارفور اعتمدها الكونغرس وبالتالي فلا يمكن رفعها بقرار من الإدارة، هذه القرارات خاضعة لسلطة الكونقرس.
( 23 ) اجتماعاً سرياً لا يمكن وصفها والحديث عنها في ساعتين هي وقت المؤتمر الصحفي، الذي أقامته لجنة (الخمسة)، وبالطبع فان الاتفاقات السرية لا يعلن عنها، وما يخشى منه أن تكون الحكومة قدمت تنازلات وقبلت اشتراطات ذات طبيعة استراتيجية، وكان يتوجب على الحكومة إعلان كل التفاصيل والتفاسير، وأن تعلن خطتها واستعدادها للاستجابة للشروط المعلنة، ماهو مؤكد أن الحكومة لم ولن تستطع خداع الإدارة الأمريكية وهي ستعمل جاهدة لتنفيذ الشروط الواجبة بموجب هذا القرار.
لا يراودني شك في أن الحكومة وقعت اتفاقاً سرياً ربما بضمانة الوسطاء (السعودية والأمارات) … وبغض الطرف عن حقيقة المكاسب التي حققتها الحكومة أو التنازلات التي تعهدت بها، فهي مطالبة برد الجميل للرئيس الأمريكي أوباما وعدم احراج حزبه الذي دعم هذه القرارات، وذلك بتنفيذ تعهداتها وأن تزيد عليها بأن تسارع الى وقف إطلاق النار وفتح مسارات الاغاثة، فوراً و دون انتظار جولات التفاوض مع الحركة الشعبية و حركات دارفور تحت رعاية الاتحاد الأفريقي..
على كل حال، فإن كانت الحكومة قد قدمت تنازلات لأمريكا، أو لم تقدمها، فإن الشعب السوداني أحق بمثل هذه (التنازلات)، وهي حقوق دستورية تتمثل في اشاعة الحريات العامة والحريات الصحفية، الحكومة مطالبة بإعلان استعدادها لحل النزاعات المسلحة وحل الأزمة السياسية، بالانخراط في مفاوضات جادة للوصول الى سلام دائم مع كل الفرقاء، الحكومة مطالبة بأن تعلن التزامها بالسعي للوصول الى سلام شامل و دائم في كل بقاع السودان، و التواضع و التوافق مع الفرقاء على صيانة حقوق الإنسان وفق دستور و فترة انتقالية لتأسيس مشروع الدولة الوطنية وبدء مرحلة جديدة، الحكومة تخسر أن فهمت إن القرار يدعم استمرارها في السلطة بالكيفية التي كانت، و تخطئ إن فهمت إن القرار قابل للتجزئة، الأخ أوباما إن شاء الله يوم شكرك ما يجي.
ماوراء الخبر – محمد وداعة
صحيفة الجريدة
وما يخشى منه أن تكون الحكومة قدمت تنازلات وقبلت اشتراطات ذات طبيعة استراتيجية، وكان يتوجب على الحكومة إعلان كل التفاصيل والتفاسير …..