عثمان ميرغني

بدأ العد التنازلي.. من اليوم!


حديث المدينة الثلاثاء 17 يناير 2017

كلما قرأت بياناً لأحد الأحزاب يطالب الحكومة بـ (إطلاق الحريات).. تخيلت إعلاناً في إحدى الصحف.. صفحة كاملة ملونة بالسعر الجديد.. عنوانه (عطاء.. مطلوب مقاولين لبناء منصة إطلاق الحريات).. تماماً مثل (منصة إطلاق المركبات الفضائية) في قاعدة “كيب كانافيرال” الأمريكية.
يا ساستنا الأفاضل.. الحريات لا تُطلق، بل تمارس؛ لأنها الأصل في الدستور، والقانون، والدين، والعُرف، والتقاليد، وبالإنسانية- أيضاً- ماذا تنتظر الأحزاب؟، خطابا رسميا من وزير العدل (نرجو إخطاركم أن الحريات أُطلقت.. هلموا لممارسة حرياتكم)..!، إذا الحال كذلك فسوف يصلكم مثل هذا الخطاب (يوم القيامة العَصُر)!.

الآن- بحمد الله- أغمدت أمريكا سيف الحظر، وعقوباتها الأحادية.. ومنحت الحكومة مدرج إقلاع طوله ستة أشهر.. يبدأ الحساب فيه من صباح هذا اليوم.. العد التنازلي من الرقم (180).. خلال هذه الفترة التجريبية الحكومة السودانية مطالبة بالإيفاء- إضافة إلى الشروط المعروفة- بمطلوبات حقوق الإنسان، بما فيها الحريات السياسية، والتعبير.. لا يمكن قياس التزام الحكومة إلا إذا مارست الأحزاب حريتها، وحقوقها الأساسية كاملة الدسم.. لكن إذا أدمنت الأحزاب نشر البيانات الجوفاء التي تكتب على كوب شاي (بالنعناع) لتطالب فيها الحكومة بـ (إطلاق الحريات).. فإن الحكومة لن تجهد نفسها لبناء (منصة إطلاق حريات)!، الأحزاب مكبلة في ضميرها وعقلها.. ويظل الحال على ما هو عليه.. وعلى المتضرر ضرب رأسه بأقرب حائط مبكى.
أنصح الأحزاب منذ اليوم الأول هذا.. أو كما يسمونه الـ (D day).. ومع بداية العد التنازلي لـ (180) يوماً أن تبدأ ممارسة كامل حرياتها السياسية.. فهي متوفرة في الدستور، و(ليست في حاجة إلى بطل) على رأي القائد العسكري الأمريكي شوارزكوف في عنوان كتابه الذي سطر فيه ذكريات حرب الخليج الثانية.

إذا سمحت الحكومة للأحزاب بحقها في الحريات السياسية.. فنعما هي.. لمصلحة الوطن كله بما فيه “الوطني”.. أما إذا ضجرت الحكومة واستنكفت ورفضت ما هو متاح بالدستور والقانون.. فقد أقامت البينة والحجة عليها.
في ذهني قصة الفيل الصغير.. الذي ربطه صاحبه بحبل ضعيف في حديقة المنزل، وكلما كبر أوسع له في العقدة دون أن يغير الحبل.. ولما كبر الفيل وأصبح في حجم الجبل الصغير.. لم يحاول قطع الحبل والانطلاق؛ لأنه تعود عليه.. فأصبح عقله المكبل بالقيود لا رجله.. واستسلم لقيوده الهشة الضعيفة.. حالة تعايش– بل إدمان- الحرمان من الحرية.
يا أحزابنا السياسية- على الأقل- ابتداء من اليوم لا تنشروا لنا بيانات تطالبون فيها بـ (إطلاق الحريات)!.
فليس لنا(منصة إطلاق).. حريات!.
الحرية ممارسة.. وليست طلقة!.

عثمان ميرغني
صحيفة التيار


تعليق واحد

  1. والله يا (شيخ) عثمان .. أمركيا لا همها حريات ولا حقوق إنسان ولا يحزنون ..
    ولا جاءت تلك المعاني ضمن المرتكزات الخمس التي أخذت بناصية الحوار الذي أدى إلى رفع العقوبات ..
    فريـّح بالك ..