تحقيقات وتقارير

العالم الخفي… أرواح وأشباح (الحلقة الرابعة)

“أولاد ماما”.. تفاصيل عوالم مدهشة
الحاجة نفيسة: “اللولية” طلبت مني تركيب سن من الذهب المختوم

حكاية الخروف الذي كتب على أذنه “ود برنو”
باحثة: التفويض أهم شرط لتنصيب شيخة الزار

دكتور اللبيب: الزار لا علاقة له بالريح الأحمر أو المس الشيطاني وما هو إلا اضطراب نفسي

الخطأ الفادح يكمن في الاعتقاد أن هذه الروح الشيطانية لها رغبات يجب أن تلبى، وإلا أزعجت من خالطته، فصار مضطربًا وقلقاً، والخطر الحقيقي يتمثَّل في أبدية الحلول بمعنى استمرارية الأرواح وإلحاحها الشديد على تنفيذ رغباتها وإجابة طلباتها والحصول على ما تريد من الشخص الذي حلت فيه. وهنا نقطة هامة يجدر الإشارة إليها وهي أن هذه الأرواح أو كما يسمونها (الزار) أو الريح الأحمر لا تفارق الشخص المدستر أو المريض حتى بعد إجابة طلباتها وتنفيذها، بل تدخل معه في ما يشبه الصلح ويعود بعده المريض إلى حالته العادية لفترة، ثم تعود لإزعاجه مرة أخرى بعد فترة حتى تصبح هذه الطلبات نوعاً من الابتزاز الذي لا نهاية له .

تشخيص الحالة
الشيخة هي الشخص الرئيسي أو المباشر الذي يقوم بتشخيص حالة الزار بطريقة روحانية تسمى العلق، وهي غالباً ما تكون قطعة من ملابس المريض. وهي تتم بأخذ علق المريض، وتضعه الشيخة تحت جبينها ليلاً قبل أن تنام، فتأتيها أرواح الزار في النوم والذين لهم دور مباشر في تسبب المرض ويتحدثون لها عن المريض وسبب مرضه ويعلنون عن طلباتهم ويطالبون بتلبيتها، كيما يتم علاج المريض، وغالباً ما تكون الطلبات عبارة عن إقامة حفل زار أو كرامة أو إحضار ملابس أو عطور. والشيخة بدورها تبلغ أهل المريضة.

النزول
هناك نوعان من الأرواح، فهنالك أرواح الريح الأسود ويقصد بها مجموعة أرواح الجن والشياطين والتي يعتقد أنها تسبب الجنون عندما تحل بإنسان ما. ولا يعالج إلا بإخراجها من جسده ويتصف صاحبها بقذارة الملبس والبعد عن النظافة. أما النوع الثاني هو أرواح الريح الأحمر، ويقصد به مجموعة الأرواح الأخرى دون الجن والشياطين والتي حين تمس فرداً بعينه تسبب له اختلالاً أو قلقاً نفسياً، والذي قد لا يصل لحدِّ فقدان العقل، وعلاجه يتم عن طريق شيخة الزار وذلك بإقامة حفل زار أو ذبح كرامة كما ذكرنا سابقاً أو التردد على حفلات الزار والنزول فيها ومن الحالات الخفيفة على توليع البخور فقط. وتتسم بأنها نظيفة وتحب الفرح والأشياء الجميلة.

مجموعات الزار
وعن أنواع الزار وأقسامه تقول الباحثة هادية محمد: ينقسم الزار إلى عدة مجموعات وأقسام وأهمها: زار الدراويش والستات والحبش والعرب والسحاحير والخواجات. ولكل مجموعة من هذه الأنواع نوع من الخيوط خاص بها ويميزها عن غيرها من المجموعات والخيط المقصود به أغنية الزار أو دعوة الروح الخاصة بالزار.

ولكل مريض بالزار له خيط خاص به وطلبات لكل مجموعة تختلف عن الأخرى والخيوط (أغاني الزار) غالباً ما تتضمن كلماتها طلبات المجموعة المعنية. والتماس الطلبات يقع على عاتق الشيخة كما ذكرنا مسبقاً وبتنفيذ الرغبات والطلبات ترضي روح الزار عن المريض فيعالج، لأن معرفة الطلبات هي مفتاح العلاج.

أنواع اليوميات
وهنالك عدة أنواع لحفلات الزار تقام في حالات خاصة مثل حفل زار خاص أو كرامة وتقام عندما تحدد الشيخة إصابة المريض بالزار ويكون الحفل مفتوحاً للجميع.

حفل زار عام، وهي تتم عندما تكون هنالك رغبة جامحة عند المدسترين بإحياء حفل زار وغالباً ما يكون عند انقطاع حفلات الزار الخاصة، وهنالك حفل زار سنوي في شهر رجب تقيمه الشيخة في العاشر من رجب بمناسبة انتهاء العام، لنشاط الزار ففي شعبان ورمضان خاصة يتوقف نشاط الزار.

والتفسير الوحيد لهذا المسلك بأن الجن والشياطين وأرواح الزار تكون مقيدة في شهر رمضان.

عادات الزار
وتواصل الباحثة هادية محمد عن طقوس الزار قائلة: أولاً تقوم الشيخة بتحديد موعد قيام حفل الزار وإخطار أهل المريض في حالات حفل الزار الخاصة ويتم حضور المدعوين سواء أكانوا من مرضى الزار (المدسترين) أو غيرهم في الثانية ظهراً، لأن حفلات الزار عادةً ما تبدأ في حوالي الساعة الثالثة ظهراً داخل منزل الشيخة أو منزل المدستر ويكون داخل حجرة طويلة أو برندة مغلقة (غير مكشوفة) ومن أهم معدات الزار الطبلة وهي الأداة الرئيسية وإحضارها من اختصاص الشيخة، وتقوم بالضرب عليه مساعدة الشيخة، والكشكوش وتضرب عليه أيضاً إحدى المساعدات، والمبخر والبروش للجلوس عليها والعصا للنزول بها، والكرسي وهو من معدات الحفلات الخاصة ويقصد به طلبات الزار التي يحضرها أهل المُكرِّم كهبة للزار، توضع فوق الكرسي وتُغطَّى بقماش أبيض حتى يحين موعد بداية الحفل فتقوم الشيخة بإزالة الغطاء عن الكرسي وتقوم بمعاينته وعند التأكد من تمام الطلبات تأخذ مكانها قرب الطبلة ويبدأ الحفل. وتكون بداية الحفل بعد دق الطبلة بترديد أو غناء الخيط ويردده وراء الشيخة مساعداتها وجميع الحاضرين ويستمر لفترة ما بين الثلاث أو الخمس دقائق وهي وقابلة للزيادة في بعض الأحيان وينزل المريض أو المدستر.

الزي الخاص
لكل مجموعة من المدسترين زيٌّ خاصٌّ بها، وهذا شيء يلتزم به المريض لأنه جزء مهم من طلبات الخيط أو الروح التي تتمُّ مناداتها وهو جزء من محاولة إرضاء روح الزار، وبيان احترامه له وتأتي الباحثة إلى الجزء الذي يرتبط بالأغاني المصاحبة للزار فتقول الخيوط عبارة عن مجموعة من الكلمات المنظومة في أغانٍ قصيرة لا تتعدَّى البيت أو البيتين وتشتمل في بعض الأحيان على ألفاظ مبهمة غير معروفة.

خيط واحد.
الغالبية من المدسترين لهم خيط واحد لا ينزلون إلا فيه، ولكن هناك بعض أهل الزار الذين لهم أكثر من خيط واحد، والنزول في خيط يساعد الشيخة على تلمُّس طلبات الزار، فهذه المجموعات مرادفة لتقسيمات تقوم على نوع المطالب الخاصة بكلِّ مجموعة. وعلى سبيل المثال تكون أكثر طلبات السحاحير اللحم النيئ، والخواجات الخمر والسجائر والبدلة والطربوش الأحمر، والعرب ويُقصد بهم الهدندوة، السوط والجلابية والخنجر والخُلال. والستات تنحصر طلباتهن في العطور والفساتين والمجوهرات وهي أغلى أنواع الطلبات.

والجدير بالذكر أن هذه الطلبات في بعض الحالات تشتمل عليها كلمات الخيط نفسها وبنهاية الخيط يعود المدستر إلى حالته الطبيعية، إلا في بعض الحالات، حيث يكون على الشيخة التوسُّل للأرواح وإرضائها حتى يهدأ المريض، وغالباً ما يكون هذا وسيلةً لطلبات أخرى من قبل الأرواح.

كيفية النزول
أغنية الزار على إيقاع صوت الطبل والكشكوش وصوت الطشت النحاسي تكون شديدة التأثير على الحاضرين وتدفع الحاضرين للتجاوب فيتم النزول في الخيط بتأثيره على المصاب بالزار (المدستر) وشل حركته ثم يبدأ اهتزاز في أطرافه ويطلقون عليه في هذه الحالة أنه (اتلبش) ثم يهتز جسمه بأكمله وينزل في وسط الحلقة، وهنا يقال إنه نزل وغالباً ما ينزل بدون ارتداء زي الزار الرسمي أما إذا كان يملكه فيرتديه قبل النزول أو أثنائه، وإذا لم يعد معنى ذلك أن هنالك طلبات أخرى يفصح عنها بعد حين قليل من الوقت.

مع أهل الشأن
وللتعمق في الموضوع بشكل أكبر كان لابد من الجلوس لأهل الشأن فالحاجة نفيسة واحدة من أشهر شيخات الزار تروي تجربتها وكيف تم تنصيبها شيخة فقالت لي وهي في الثانية عشرة من عمرها طلبت منها لولية الحبشية أن تركب سناً من الذهب المختوم ورفض أهلها لكون ذلك نوعاً من العيب في تلك الفترة، فهدتها لوليه بأنها ستصيبها بمرض في أسنانها، بالفعل أصبحت أسنانها تنزف طول الوقت وأهلها رفضوا تنفيذ الطلب لمدة أربعة أشهر، لا تستطيع الحديث أو الأكل أو الضحك وتدهورت حالتها الصحية فقرر خالها أن يستجيب لطلب لولية وذهب بها إلى الطبيب الذي قام بتركيب الأسنان الذهبية التي ما زالت موجودة عندها حتى الأن ما يقارب الخمسين عاماً، وبعدها تحسنت حالتها وأصبحت تأكل وتشرب وتضحك أيضاً

بعد ذلك فرحت لولية الحبشية من الأسنان وطلبت منها أن تدق لها الزار، ولما كان هذا غير شائع في الأسرة المتدينة التي تنتمي إليها الشيخة نفيسة أصابها المرض مجدداً وأخذها أبوها إلى معظم الشيوخ الذين يعالجون بالقرآن وأخبروه بأن علاجها ليس عندهم.

وأبوها لم يقتنع بالزار وظل يتنقل بها من شيخ إلى آخر وعندما فشل في علاجها وافق أن يدق لها الزار، ولكن ليس بالمنزل فوافقت خالتها على أن تقيم مراسم الزار لها في منزلها

مواقف عديدة
وتشير الحاجة نفيسة إلى أنها صادفت الكثير من المواقف وتضيف: عندما ذهبت لتركيب الأسنان وجدت تكاليف التركيب على درج الطبيب وكل ما يطلب مني يوفر لي الجان تكاليفه وعندما كنا ذاهبين وخالي إلى الطبيب سيراً على الأقدام توقفت لنا عربة وأمرنا صاحبها أن نركب معه ليوصلنا إلى عيادة الطبيب بدون مقابل وعندما قررت دق الزار تبرع صديق أخي به.

دقيت سبعة أيام
وتمضي في حديثها وتقول دققت سبعة أيام واستمر الحديث حولها أياماً، والخروف كانت له قصة أيضاً، ذهبت إلى البحر وكان هناك خروف عندما رآني وقف وأخبرني صاحبه أنه لم يقف منذ ثلاثة أيام، وعندما نظرت إلى أذنيه وجدت أنه قد كتب على واحدة منها ود برنو.

أمر لا يصدق
بعدها بدأت تظهر لي اللولية بالليل وهى تلبس القرمصيص وتغني أغاني الزار وترقص، وأنا أسمع وأحفظ منها فأنا لم أدخل المدارس ولا أعرف القراءة والكتابة حتى الآن ولكنني أقرأ بوضوح طلبات الجن وأغانيه التي يكتبها لي على الحوائط. وأحفظها فالجن أحيانًا يتعامل معي بالكتابة، وفي الصباح عندما أخبر أهلي لا يصدقون.

مرض نفسي
من جانبه أكد بروفسور معتصم اللبيب أن الزار أو ما يطلق عليه الدستور أو الريح الأحمر هو ظاهرة تصاب بها النسـاء في الغالب. ويوجد بشكل رئيسي في كل من السودان, مصر, اليمن, أريتريا، أثيوبيا، الصومال، وفي غرب أفريقيا مثل نيجيريا. يقولون إن الزار هو تلبس للروح بواسطة الجن أو الريح الأحمر او مس شيطاني.

احتمال مصدر كلمة (زار) مأخوذة من اللغة الأمهرية (اللغة الأثيوبية)، فكلمة (زار) في ديانة (أقاو) تعني إلهة السماء. وبعض الباحثين يعزون الاسم لبلدات مثل (زاره) في إيران و (زار) في اليمن .

الزار هو معاناة نفسية يصاب بها بعض الشخصيات التي لها قابلية لذلك. لهذا لا يصاب أي إنسان بالزار. وهنالك شخصيات محددة تعاني من الزار. ولأن للشخصية مكونات نفسية مثل الطباع المختلفة, قوة التحمل, الإيحائية, رهافة الإحاسيس و غناء و فقر العاطفة,سرعة البداهة و التبلد, التحمل و سرعة الانهيار…الخ. إذاً نوعية الشخصية هي التي تحدد من يصاب بالزار وما نوع الزار الذي سوف يصاب به.

نستخلص من ذلك أن الزار مرض نفسي لأنه ينطلق من الشخصية التي تصاب بالزار. ويوجد نوعان من الشخصية هما الأكثر إصابة بالزار: الشخصية التحويلية والانفصالية.( سوف نتناولهما بالشرح لاحقاً).

حكايات يرويها: معاوية السقا
صحيفة الصيحة

تعليق واحد

  1. ممكن اخذ رقم شيخة نفيسة و عنوان سكنها
    رقم الواتس حقي 0903908275
    اتواصلو معاي لو سمحتوا🙏