دعوة لاحتلال السودان!!
حقاً خذلتني فيكَ الكلمات
وفيكَ عقّني القريضُ فهو عاق
وأن تجففت دموعها الأحداق
فالحزنُ صاحبي وسيِّدي وصفوة الرفاق
والحزنُ فيكَ..
(لا أدري كيف يكون الإنسان فقيراً جداً
في التعبير إلى حدّ الإملاق
حين يكوَن غنياً بالحزنِ إلى حدّ التخمة) – صلاح عبد الصبور-
) أيها الروس، ما رأيكم في احتلالنا ..لا مانع لدينا …هل تنوون ذلك؟) قرأت هذا التعليق الماكر الطريف أسفل صورة في صفحة أحد الأصدقاء على موقع التواصل الاجتماعي .
أمّا الصورة (الحدث)، التي جعلت الكيل يطفح ويجهر بالدعوة لاحتلالنا عن طيب خاطر، فتمثّل (كتيبة) من الروسيات ببزّاتهنّ العسكريّة الأنيقة، ذات التنانير القصيرة الخضراء والشعور المثيرة الشقراء والأجساد الممشوقة الميساء …وهنّ في (استعراض بهيج ورهيب) وسط ساحة الكرملين، أمام المنصّة الشرفيّة …والمناسبة هي إحياء ذكرى الانتصار على جيوش المحور في الحرب العالمية الثانية.
هذه الكتيبة المدجّجة بأسلحة (الجمال الشامل) والمرهّجة بالنياشين والنجوم الساطعة في الظهيرة على الصدور والأكتاف، وهي تحتضن الأسلحة بحنوّ غريب ومثير… جعلت من صديقي الافتراضي ومن على منبره الافتراضي يدعوها صراحة إلى احتلال بلادنا – السُّودان- واقعيّاً لا افتراضيّاً .
يتمنّى في قرارة نفسه الأمّارة بحب الجميلات أن يكون (ستالينغراد) ثانية …بل قتيلاً وشهيداً في ساحة (الوغى)، بين غابات السيقان المؤنثة .
لست محلّلاً نفسيّاً ولا تعنيني عقد الآخرين (تكفيني عقدي الخاصة)، لكنّ المتأمّل في الصورة والتعليق، يكشف جانباً مهمّاً، يغفله أو يتغافل عنه أولئك الذين يمطروننا بالشعارات والجمل المنتفخة باسم الكرامة الوطنية والمشروع الحضاري، والذود عن أرض الآباء والأجداد، وغيرها من معلّبات الحليب الاصطناعي الفاسد ومنتهي الصلاحيّة…. وهو أنّ العبد ليس له وطن.
حاشا وكلاّ أن نتّهم أحداً بالعبوديّة المطلقة أو الوطنيّة الغائبة، لكنّ الأمر يتعلّق بـ (فقد المناعة المكتسب) في هاتين المعضلتين، أي لو كان صاحبنا ذو التعليق الطريف والتمنّي الغريب مشبعاً ومحوّطاً ومتّزناً في علاقته بالمرأة لما أقدم على هذه الأمنية الغريبة، ولو على سبيل التفكّه والمشاكسة .
وفي المقابل …لو كانت علاقته بالبلاد التي يعيش فيها علاقة مواطن بوطن، لا علاقة زبون بمتجر، أو خادم بسيّد، أو سائح بفندق، أو أجير بمسكن، أو دافع ضرائب بمصلحة جبائيّة … لما أقدم على التشدّق بهذه الدعوة الصريحة للاحتلال مقابل أن ينعم بهذا الجمال.
ولكي لا نذهب كثيراً في التأويلات المريبة والقراءات الملتبسة، فقد لا يتعدّى الموضوع مجرّد إعجاب بما ليس عندنا أو من تقاليدنا، فلكم عرفت شخصيّاً أصدقاء أجانب كانوا متيّمين و(يموتون) في ذوات الخمار الأسود والبرقع الأخّاذ والعباءة الفاتنة والثوب المُثير .
ربّما أيضاً هو التعلّق بالمقام والهالة الثقافية التي تحيط بالآخر في عالم الجنس كما يؤكّد المفكّر (بيار داكو) الذي تجاوز مدرسة (فرويد) وتلاميذه، فتصبح الرتبة والبزّة العسكرية جزءاً من مفردات الرغبة والإثارة – أو الثأر والانتقام – لدى تعليق صاحبنا الذي كدنا أن نتّهمه بالخيانة العظمى.
شخصياً، توقّفت مطوّلاً عند الصورة الفاتنة (أي من الفتنة) لهذه القوى المسلّحة.. حاولت عزل نفسي عمّا فعلته وتفعله الترسانة العسكرية الروسية بالشعوب المقهورة، فلم أستطع لذلك سبيلاً، وداهمني في لحظات غريبة تاريخ روسيا القيصرية والشيوعية والحاليّة بسبب صورة بسيطة في راهنها، عميقة في دلالاتها.. وزاد عليها تعليق صاحبنا الذي أسال العيون ضحكاً والقلم كتابة من حيث لا يدري أو يتقصّد.
لكنّ السؤال الذي (أوقفنا عنده الجمّال) في قراءة هذه الصورة هو: (كيف سيتصرّف روسيّ أو غيره من الشعوب المكتفية جنسيّاً أمام صورة نساء من بلاد الإسلام يذهبن باسم (الجهاد) وهنّ مختفيات تحت السواد .. والشعارات والفتاوى النازلة فوق رؤوسنا هي والقذائف كل صباح؟).
*كلمة قبل الختام: ماذا لو حكمتنا النساء؟…أظنّ أنّ الأمر سوف يكون على أفضل حال فيما يخصّ وزارات السيادة على الأقل، أي (الخارجية والدفاع والداخلية والعدل والاقتصاد).. أمّا الرجال فبإمكانهم استلام وزارات المرأة والثقافة والشؤون الدينية.. هل يتغيّر شيء؟. ربما، وسنعاني قليلاً من معاكسة النساء لنا في الطريق.. وربما من حالات اغتصاب لا سمح الله.
قفلة قبل الأخير:
(لا تركض أبداً وراء امرأة، ولا ترماي،
فهناك غيرهما في الطريق..).
مثل إيطالي
نقطة آخر السطر:
(الفوضى أنَّ كل شيءِ أصبح محتملاً..).
راي:د. نائل اليعقوبابي
صحيفة آخر لحظة
اكييد فااااااقد حنان لا غير ؟