تفتقر إلى الاهتمام الحكومي “ملجة” الخضار بالشعبي أم درمان..: الفوضى سيدة الموقف
تاجر: الوضع كارثي ينذر بتفشي الأمراض
مواطنون يتخوفون من اللحوم الكيري
تاجر: الشكوى لم تعد تجدي نفعاً
هنا المكان مزدحم تماماً كما لو أن ثمة يد عبثت فيه، فأحالت الوضع إلى الفوضى ببعض الأشياء، وغفلت عن المساس ببعضها، فظل يحتفظ ببعض صورته المرتبة إلى حدٍ ما، فقد مرت على الملجة سنوات عديدة خلت، وما زالت المحلية تقول إنها مؤقتة، وإن هناك مباني مخصصة قد أنشئت للملجة، فالوضع هنا صعب للغاية، وأصحاب المحلات يتقاسمون الشكوى المرة مع الزبائن جراء حال السوق المزري، ويناشدون الجهات المختصة لفك هذا الرابط الوثيق بين الأوساخ والخضروات ومكبات النفايات التي استحوذت على السوق بشكل أقرب أن يكتمل، وهم يجأرون بالشكوى عسى ولعل أن يليق المكان بالخضروات والإنسان والسوق نفسه لكي يحتفظ بصورة مناسبة.
غضب واضح
المواطنة سيدة الدسوقي، تحدثت وهي تفرغ غضبا شديداً حينما دعت إلى ضرورة الالفتات إلى وضع السوق، وأشارت إلى أن السوق به فوضى كبيرة جداً، وهي ترفض افتراش الخضر على الأرض، وقالت إن الكلاب والكارو لا تنسى نصيبها من المكان، مع وجود الإنسان الذي يأتي لشراء حاجته، وتضيف الحاجة سيدة أنها تجيء إلى الملجة لأن بها أكبر مصدر للخضروات، فالسوق أقرب لمقر سكنها، فهي تقطن أمبدة، وأبانت في حديثها أنه أيضاً توجد هنا خضروات منتهية الصلاحية ويتم بيعها بدسها داخل الخضروات الجيدة ونكتشف ذلك بعد وصولنا إلى البيت.
الفوضى.. سيدة الموقف
هنا الأرض ليست للأقدام كي تسير عليها بل لافتراش الخضروات المخلتفة، فلا ترابيز ولا أرفف، وبالمقابل أيضًا يوجد المتخثر من الخضروات نفسها، فالفوضى هنا سيدة الموقف تماماً، وكيف أن السوق خصم لنفسه مساحة أكبر من الشوارع الرئيسية والفرعية نتيجة استيلاء الباعة الفريشة والمتجولين وتجار المواشي لتلك المساحات التي خصصوها لأنفسهم، فالمساحة أمام المستشفى الصيني تنتشر روائحها بالمكان علاوة على الأسواخ المتراكمة على بعضها حتى إنك لا يمكن أن تتبين بعض أنواع الأوساخ لكثرتها وأكوامها، وكثيراً ما تزكم أنفك روائح نتنة، فأحد التجار قال بملء فيه: إن الوضع هنا كارثي، ولن يسلم منه لا الإنسان ولا الحيوان، وأضاف في لهجة أقرب إلى الاستغاثة: أين الجهات المسؤولة مما يحدث هنا؟
البقاء للأقوى
صعب جداً أن تسير دون أن تستعين بمنديل بديلاً عن كمامة، فبعض الروائح هنا نفّاذة، والفريشة استولوا على الشارع المؤدي من امتداد الثورة إلى السوق الشعبي والمستشفى الصيني بأم درمان، كما أن أصحاب السيارات الكبيرة (الشاحانات) تخلق لنفسها صفوفاً، فبعضها لغرض الغسيل، وبعضها يقف، لم نتبين السبب لذلك، مما يعوق حركة المرور.
المواطن عوض حمادي طالب عبر (الصيحة) لوضع حدٍ من الجهات المختصة تجاه ما يحدث بالسوق، وضرورة إحداث تغيير كلي لأن الأوضاع هنا باتت فوق التحمل والتصور حتى، فهنا كل شخص يعمل كما يشاء ويحب، فلا رقابة تفرض نفسها كما يفرضها هوى النفس للتجار، وأشار إلى أن المحلية كما تحرص على التحصيل يجب أن تراعي خدماتها التي يلمسها المواطن من تحسين بيئي تماماً مثلما تحرص على الجبايات، فالنفايات تسيطر تماماً على السوق، وكل حفرة هنا ممتلئة بالمياه الآسنة وأضاف أنه غالباً ما يعود إلى المنزل بعد أن يتسوق، وهو متسخ بالمياه النتنة، والغبار المثار نتجية المارة من روث البهائم.
الخُرد الخُرد !!
أحد الصبية يفترش خرداً على الأرض، يافع دون الخامسة عشرة، علا صوته وهو يدلل بضاعته لأحد المارين من الرجال: الخرد الخرد.. فقاطعه الرجل: (خرد شنو عليك الله نحن لاقين ناكل؟..)، المكان هنا للخرد في شكله العام، وهو يقع شمال الملجة ويختص ببيع قطع الغيار المستعملة للسيارات، إضافة إلى وجود الحديد الصلب، فالفريشة يغلقون الطرقات تماماً إلا من ممرات صغيرة يمكنك أن تمر خلالها، فهنا يظهر مدى الإهمال لكل شيء ومن كل جانب.
مشهد حي
بقايا حديد صلب مختلفة الأشكال والأحجام تحتل مساحات متفرقة رغم تقاربها في مكان واحد وشاحنات وجرارات، كل هذا يغلق الشارع ويمنع المارة، وهي تمثل الضجر الحقيقي لأصحاب المحلات التجارية، وقال بعضهم إنهم يدفعون ضرائب وكل الجبايات التي تفرضها عليهم الجهات ذات الصلة مقابل أن ينعموا بأعمالهم التجارية، لا أن يجدوا كل هذا العنت والتعب أو معيقات من أي نوع كانت، وأضاف أن الوحدات الإدارية هي السبب في كل هذه الفوضى التي يعيشها السوق، فكثيراً ما كتبوا المذكرات والشكاوى إلى الجاهت المسؤولة، واستشهد ببيت الشعر الشهير لعمرو بن معد (قد أسمعت إذ ناديت حياً، ولكن لا حياة لمن تنادي).
صورة منفّرة
الذي يدخل إلى الملجة بالسوق الشعبي أم درمان، يرى مدى الاعتداء على الشارع الرئيس، وهشاشة البنى التحتية وبرك المياه الآسنة، والفريشة يخصمون من الزلط قدراً لهم، كما أن الترابيز نالت نصيباً وافراً من المكان، مما أخرج السوق عن سيطرة الترتيب، رغم أن الجهات المختصة أقرب ما تكون من مواقع الأحداث هذه، فيصعب عليك أن تجد شارعاً واحداً ينعم بالنظافة أو خالياً من الفريشة أو الخرد، والفوضى تزداد في عيارها في مشهد آخر، فإيجار الدراجات أيضاً له نصيب مما يحدث، فيتم استئجاره إلى الصبية مقابل بعض جنيهات قليلة، كما أن أصحاب الترابيز الذين يبيعون الساندوتشات المكشوفة والعصائر المعبأة في (صبارات) بأحجام مختلفة، أيضاً لهم وجود كثيف جداً، فلا يمكنك أن تتعرف على الزبائن والتجار المختلفين في طريقة البيع والعرض.
المواطنون يحتجون
بعض المواطنين الذين يتجولون بغرض البيع، أعربوا عن احتجاجهم جراء ما يحدث بالملجة، وأطلقوا العديد من التساؤلات أنه إلى متى سيكون الأمر هنا هكذا؟، المواطن صالح عمر قال إن كل شخص هنا يعمل على هواه، وكيف يرى من خطط تجارية يجربها هنا لأنه لا رقيب ولا حسيب، وأضاف أنه وبالرغم من توفر الخضروات وبأسعار متاحة بعض الشيء للمواطن، إلا أنه يرى أن هذا لا يكفي لضمان عيش كريم له، فيجب فرض الرقابة على حركة السوق، والخضروات نفسها، لأن هناك خضروات متخثرة إن لم ننجُ من دسها لنا مع الجيد من الخصر، فلن ننجُ من تعفنها وروائحها النفاذة ونحن نتجول لأجل احتياجاتنا، كما أشار المواطن أحمد نورين إلى المحلية تأتي هنا فقط للتحصيل، وكثيراً ما صادف موظفوها يأتون لجل هذا الغرض، ولكن يتساءل باحتجاج شديد وهو يشيح بكلتا يديه: أين دورها في التنظيم، أين دورها فى الرقابة والصحة والبيئة وتحسين الوصع بشكل عام بالملجة، مشيراً إلى أن اللحوم التي يتم عرضها بالباطنية كثيراً ما تنتابه الشكوك من كونها لحوم (كيري) لأنه لا توجد عليها دمغة الصحة، وأضاف أن تجار تلك اللحوم يقفون على برك من الدماء والأوساخ في مشهد حي لغياب دور المحلية الأصيل في الفصل تجاه هذه التفاصيل الأساسية والمهمة، وبالفعل المشاهد هنا غاية في القذارة، فاللحوم يتم عرضها بشكل مقزز، وبعضها ينتابك تجاهه الشك، علاوة على نفور نفسك منه، وكأن وحشاً فرغ لتوه من معركة دامية بالمكان، فعاث بأحشاء البهائم وفرقها بشكل غير متكافئ على الرقعة المحددة هنا.!!
الملجة والخُرد
الخالة حسنة سوار قالت إن الحال بالسوق لا يحتمل ولكنهم مجبورون على المجيء إليه وشراء بعض احتياجاتهم بالرغم من الروائح الكريهة، والشوارع المغلقة، وهي ترى أنه يجب أن ينعم سوق الملجة بالنظافة إلى جانب الترتيب، شأنه شأن كل الأسواق الكبرى الأخرى، لأنه فعلاً سوق كبير، وهي تناشد والي الخرطوم زيارة الملجة لأنهم يحلمون بتغيير حقيقي، وكشف محمود أحمد الذي يعمل حرفياً عن دور الجهات المختصة لا يأتي إلا مطلع كل عام بداعي الحملات التي تجتاح السوق، وقال إنه يعمل بالسوق في مجال الخُرد منذ 6 سنوات، وهو يفترش الأرض ويجد رزقه الذي يكفيه حامداً شاكراً كما وصف لنا.
التجار يرتفع صوتهم
إبراهيم تاجر يعمل في الخُرد، شكا من الوضع المأساوي بالسوق، وقال إن العمل أصبح صعباً لهم نتيجة اختلاط الأمر، وعدم وجود المساحات المناسبة جراء إغلاق الطرقات والشوارع بسبب الفريشة الذين أصبحوا يستحوذون حتى على الممرات الأساسية بالسوق، وأشار إلى أنهم كثيراً ما ناشدوا الجهات المختصة ولكن لم تعرهم أدنى اهتمام، وأضاف أن هذا الحال قد طال بهم ولم يجدوا أيّ تحسّن، بل يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، أما التاجر حسن فاضل فقد شكا من حال السوق بشكل عام، وهو يشير إلى أن المحلية غائبة تماماً، فالروائح تحاصرهم من كل جانب، والأوساخ في كل مكان، وقال إنهم يدفعون رسوم النفايات والعوائد ولا توجد أية خدمات.
السوق لكل شيء..!
بالقرب من المستشفى الصيني أم درمان، هنالك عدد كبير من أصحاب البهائم الخراف على وجه التحديد، الكثير منها نفق ووضع في مجاري الصرف الصحي والبعض تتناوشه الكلاب الضالة وانبعثت منها رائحة كريهة لا تُطاق، والمارة يغلقون أنوفهم ويطلقون الكلمات النابية ويلعنون من تسبب في هذا، وترك البعض يتأذون منه، وفي الاتجاه الآخر نصبت خشبة ضخمة في راكوبة متينة وعلقق عليها خروفا مذبوحاً والدم يسيل على المكان، وبالقرب منه هنالك خروف على وشك أن يسلخ.. شَدّني المنظر واقتربت منهم وبادرتهم بسؤال مباغت، لماذا تذبحون في السوق؟ ردّ عليّ أحد الذين كانوا يساعدون في الذبح، فقال دخل الخروف في حالة غريبة ولم نستطع أن نجعله يتعذب من ألمه.. قاطعه أحدهم قائلاً: كل هذا بسبب الملح الذي يُخلط مع الماء كَي يَشرَبَهُ الخروف وينتفخ ويبدو سميناً حتى يدر مبلغاً مُحترماً.. هذا ومشاهد عديدة تؤكد أن سوق الملجة هنا.. لكل شيء.
اللحوم بالكوم..!!
هنا ترى ما يؤكد لك أن طريقة البيع بالكوم لم تعد قاصرة على الخضر والفاكهة التي تعفن بعضها ومازالت تُعرض على الأرض، ولكن اللحوم قاسمتها ذات الطريقة في البيع ، مشاهد غريبة، لحوم بأكوام كبيرة، بعضها تم افتراشه على الأرض، وبعضها عُلق على هيئة الحبال، فهذا الشكل احتكرته الأحشاء الداخلية للبهائم، فتفاوتت في الطول والحجم والشكل وحتى الألوان، وعلى الأرضية التي فُرشت عليها بعض دماء تسيل من تلك اللحوم والأحشاء، ففي بعض جوالات الفريشة تجد أن من تحتها تنبع مياه مازجت لونها الدماء، فتفتح بذهنك أسئلة لا تنتهي.
تجوّلت فيه: تيسير الريح
صحيفة الصيحة