الى ابراهيم ومعتصم ..مع التحية
التقيت بهما امام منزلي ..صغيرين لا يتجازو عمر احدهما الحادية عشر ..يقفان تحت الشجرة ..وهما يحملان عدة غسيل السيارات ..(جرادل وفوط )..سألني أحدهما (نغسل ليك يا عمة؟؟) ..وهو يشير الى العربة التي فعلت بها الطيور ما فعلت ولم تراع لي فيها الا ولا ذمة (اكرمكم الله) …تمتمت لنفسي هذا جزاء من يجعل ظل الشجرة موقفا ..أومأت برأسي موافقة..وسألته (بي كم؟؟) ..قال لي بكل ثقة (ما بنعصر عليك ..ادينا المعقول.. .نغسلها ليك غسيل من أمو ) ذكر صديقه مبلغا ما ..غالبت ضحكتي ..وقلت لهما (والله المعقول حقكم دا غسيل من حبوبتو ذاتها كتيرة ) ..رد (والله نغسلها ليك جوة وبره ..تحلف تقول جديدة لنج) .. ..فوافقت بهزة من رأسي ..تلقفاها بفرح ظاهر ..وأسرعا الى جلب الماء ..
وانا أفتح أبواب السيارة كنت عرفت اسميهما ..سألت ابراهيم (بتمشي المدرسة ؟؟) ..قال لي (ايوة بنمشي ..وانا بشتغل بالعصر كل يوم ويوم الجمعة من الصباح ..و معتصم بشتغل الجمعة بس..لكن هسه نحن في اجازة ..عشان كدا نشتغل كل يوم)..كان معتصم يبحث عن شئ ما داخل السيارة ..سألني فجأة (ما عندك سي دي بتاع زنق؟؟) ..زنق؟؟ دا كمان شنو؟؟ قال لي (يعني غنا كدا نسمعوا ونحن بنغسل ) ..قلت له (انا بسمع الراديو دا ..) ..فتح الراديو فاذا بصوت حمد الريح في أغنية (مريا ) …قلت لهما (اهو كمان حظكم حلو تسمعوا مريا ) .. حينها قال ابراهيم لصديقه ..(غسل يا معتصم بلا زنق معاك ).
سألت عن مكان سكنهما ..ذكرا اسم منطقة في الاطراف ..(تجوا من هناك ؟؟ ) ..قال ابراهيم (ما بعيدة والله) .. كنت أراقبهما وهما يعملان بجد ..واصرار على الاستحواذ على ثقتي..الاطفال في هذا العمر .. يلعبون في الشوارع بعد العودة من المدارس .. ..قلت لابراهيم (الشغل كويس ..بس ما يبقى كل يوم عشان ما يشغلك عن المدرسة) ..فرد علي تلقائيا (ما كمان لازم نجيب حق العشاء) ..
هذه الجملة لخصت كل شئ ..الاطفال الذين يحملون هموم الكبار ..الأسر التي تنتظر طفلا ليعود لها بحق العشاء ..أعيننا اعتادت على منظر الأطفال يعملون ..في غسيل السيارات ..يمسكون (بالدرداقات) ..يحملون عدة الورنيش.. يقفون في أشارات المرور يبيعون لك كل شئ … مشهدا عاديا نمر عليه كل يوم ..جتى ضمائرنا صارت لا توجعنا ..بل ربما هززنا رؤوسنا اعجابا بهذا الطفل الذي صار رجلا قبل أوانه ..ولا يدور بخلدنا اننا نفقد عالما ..او مهندسا ..او تقنيا ..او حرفيا ماهرا ..بتسرب هؤلاء الاطفال من المدارس ..واختيارهم ان يكونوا فاقد تربوي منذ الصغر.
(خلاص يا عمة ..شوفيها بقت عروسة كيف؟) ..كان يشير الى السيارة التي صارت نظيفة ولامعة ..حرصت على منحهما المبلغ الذي طلباه في البداية ..وقفا غير بعيد وهما يقتسمان الحصيلة ..ومن ثم رفع كل منهما (جردله ) فوق كتفه ..وذهبا في طريقهما بعد ان لوحا بأيديهما لي بسعادة..في ذلك الوقت كان الراديو يبث أغنية الراحل خليل اسماعيل (بكرة يا قلبي الحزين تلقى السعادة ..تبقى هانيء وابتساماتك معادة ..وانسى غلبي ..والرياحين تملأ دربي).
د. ناهد قرناص
بتاع ركشة شغال بالسنين… أخيرا اتزوج … يوم طالع مشوار بالركشة مع زوجته و آخر ونسة .. قامت قالت ليهو : أهأ عايز كم ولد : قال ليها المعقول ….