عثمان ميرغني

فقدان حاسة الأرقام!


حديث المدينة الخميس 23 مارس 2017

ليلة أمس كنا ضيوفاً على السفير الصيني السيد”لوه شياوقوانغ” في مقر سفارته بالخرطوم.. في سياق حديثه عن تطورات الأوضاع في الصين.. قال إن بلاده حققت العام الماضي نمواً في فرص العمل بلغ ثلاثين مليون وظيفة- أي ما يعادل كل سكان السودان.. طبعاً هذه الفرص الجديدة في عام واحد- فقط.

ولأن الصين بلد الإعجاز الحضاري فلا أحد يرفع حاجب الدهشة من أي أرقام تحققها حكومة الصين في مهرجان السباق العالمي نحو الريادة الاقتصادية.. لكن يبقى السؤال.. كم حققت حكومتنا- هنا- في السودان العام الماضي تحت بند (فرص العمل)؟.

حاول أن تتخيل الرقم الذي حققناه- هنا- في السودان.. وإن لم تستطع سأمنحك خيارات.. ألف.. مئة ألف.. عشرون مليون وظيفة.. ثلاثة خيارات المسافة بين كل منها ما بين السماء والأرض.

الحقيقة الإجابة لا هذا ولا ذاك ولا أي رقم.. فلا أحد يعرف.. فالمشكلة- هنا- في السودان أن الأرقام بلا طعم.. العشرة مثل الألف مثل المليون.. لا فرق فالإحصاءات لا تعني لنا ولا لحكومتنا شيئاً.

بالله عليكم، هل صادفكم خبراً يتحدث عن فرص العمل التي أنجزت في سنة ما أو أي فترة زمنية؟، وعندما أقول (فرص العمل) لا أقصد ذلك الخبر الذي ظلت ولاية الخرطوم تنشره كلما أحست بالملل، فتعلن عن خمسة آلاف وظيفة.. أو ثلاثين ألف وظيفة.. تلك قصة أخرى.. فهي أرقام أوهام والسلام (بدل القعاد ساكت).

الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترمب كان فرحاً عند نشر أرقام فرص العمل التي توفرت في الشهر الأول من بداية ولايته.. لفت نظري أن الأرقام تكاد لا تحتوي أصفاراً.. فهي ليست تقريبية.. بل أقرب إلى الرصد والتسجيل الدقيق لكل فرصة عمل متاحة.. والسبب لأن الأرقام عندهم هناك تعني الأرقام.. ولا سبيل إلى التقريب أو المبالغة؛ لأن وراء كل خطة عمل عظيمة أرقام دقيقة.

والأمر هنا لا يتوقف عند الوظائف.. دائماً الإحصاءات والأرقام الحكومية مكتوبة بالحبر (الهتافي).. أرقام لزوم الفرحة والزغاريد.. لا يُعتد بها في شيء.. فلأن مشروعاتنا منزهة عن الدراسات الجادة.. فهي ليست في حاجة إلى أرقام.. بل في حاجة إلى حناجر قوية تهتف لتطرب المسؤول.

في تقديري- نحن في حاجة ماسة إلى مراجعة مفهوم (الأرقام) عندنا.. رفع حساسية الأرقام عندنا.. مطلوب أن نتعلم كيف نتعامل مع الأرقام في المرحلتين.. مرحلة الجمع.. ومرحلة الاستهلاك.. استهلاك المعلومات التي جمعناها.

مثلاً.. كم عدد السيارات المتحركة في شوارع الخرطوم؟، غالباً سنحصل على رقم تقريبي من سجلات السيارات التي ذهبت إلى مراكز الفحص والترخيص- فقط.. ونحن نعلم أن أضعافها تسير بلا ترخيص.. فيصبح السؤال.. لماذا يهربون من الترخيص.. والإجابة خشية إملاق من الرسوم الباهظة.. فيصبح المشهد النهائي أن الدولة لم تفقد رسوم الترخيص فحسب.. بل فقدت ما هو أهم.. المعلومات.. الأرقام!.

تنمية حاسة الأرقام.. من أهم شروط النهضة.

عثمان ميرغني
صحيفة التيار


تعليق واحد

  1. كرمت الأمم المتحدة حاكم بكين عاصمة الصين والسبب لأنه قد شيد مليون وثلاثمائة ألف دورة مياة إضافة إلى عدد كبير من الحمامات التي ألزم كل الوزارات والفنادق والمدارس والجهات الحكومية بأن تقوم بفتح حمامين على الشوارع الرئيسية التي تقع فيها ووضع لوحات ضوئية تدل على مكانها
    ولم يختار حاكم بكين ذلك الرقم عشوائياً بل طلب من الأطباء تحديد الزمن الدي يمكن لشخص عمره 80 سنة مصاب باسهال تحمله وأفاده الأطباء بأن الزمن 8 دقائق وطلب من المهندسين تحديد المسافة التي يقطعها شخص عمره 80 سنة في 8 دقائق وقالوا له بأن المسافة تساوي 300 متر فتم تشييد ذلك العدد من دورات المياة بحيث يكون في بعد كل 300 متر دورة مياة ( كل شيء بدراسة وليس كما عندنا بأن سبب ارتفاع الدولار هو شراء كريمات التجميل وبأن زيادة صرف المياة هو استخدام المواطنين لدورات مياة الوزارات وبأن سبب تصدع الكباري هو الفئران وأن حرية التعبير مكفولة