رأي ومقالات

البشير والسيسي .. صداقة رغم العداوة؟!


ظل الرئيس السوداني عمر البشير يكرر على الدوام أن “المشكلة ليست مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وإنما مع النظام المصري”، وهو بذلك يعزل مؤسسة الرئاسة عن ما يجري، ويرمي بأصابع الاتهام صوب الدولة العميقة التي تدير الأوضاع مثل مسرح العرائس، وتتحكم في كل شيء، لكن عبارة البشير أعلاه بلا مواربة تقدم تفسيراً لطيفاً للأزمة، وتلتمس العذر للرجل التنفيذي الأول في مصر كونه ليس مسؤولاً عن تدهور العلاقة بين الخرطوم والقاهرة، ولا يتحمل بأي صورة تبعات انفجار مواسير التراشق الإعلامي، وحتى حظر المنتجات المصرية من دخول الخرطوم لشبهة ريها بمياه الصرف الصحي .
رغم التصعيد

من الغريب، بل من المدهش حقاً أن العلاقة بين البشير والسيسي لم تتأثر بالتصعيد الإعلامي الأخير، ولا حتى بدخان الخلافات العالق في سماء الهضبة الإثيوبية ومثلث حلايب وشلاتين، حيث تطفو ابتساماتهم فوق تقلبات المزاج السياسي هكذا تبدو كون القصف الإعلامي المتبادل ليس من القرب بمكان لمنصات القرار، وهو بالضبط ما حوته رسالة البشير الأخيرة للسيسي التي حملها مبعوثه الخاص ومدير مكتبه الفريق طه عثمان الأسبوع الماضي.

لكن المفارقة أنه بمجرد ظهور مبعوث البشير بمعية السيسي تغيرت لغة الإعلام المصري، وانطلق يقدم فاصلا من الاعتذارات عوضاً عن الردح الذي عُرف به، وأحياناً يلهج لسانه المتناقض بذكر لازمة العلاقات الأزلية، فكيف لا يكون للسيسي علاقة بما يجري؟

يبدو ذلك محيراً، وما يجعل الحيرة عالقة أن البشير ينتمي للحركة الإسلامية التي نهضت على تعاليم الإمام حسن البنا، وقد وصفه الزعيم الإسلامي الراحل حسن الترابي قبل خروجه عليه بأنه (هدية السماء لأهل السودان) بينما يقف السيسي على النقيض تماماً من المشروع الإخواني، ولم يتردد البتة في الإنقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي، ووسم جماعته بالإرهاب، ما يجعل التقاء النقائض في هذه الحالة لافتاً للأنظار، حتى وإن ارتدى قفاز المصالح المشتركة، والعلاقات التاريخية المفترى عليها .

في الثلاثين من يونيو/حزيران 2013 ، أي عشية الإطاحة بالرئيس مرسي كانت كاميرا المخرج السينمائي خالد يوسف تستقل طائرة هيلوكبتر تابعة للجيش المصري لتبرز مجاميع الحشود المليونية المتوهمة في شوارع القاهرة، وقتها كان البشير يتلقى تقريره المخابراتي عن شخصية عبد الفتاح السيسي القائد المحتمل للانقلاب. كبار الضباط السودانيين الذين زاملوا السيسي وصفوه للبشير بأنه شخص طيب ومتدين، وهى العبارة نفسها التي ما انفك يرددها البشير متى جاءت سيرة مصر، ويدعم منطقه بأن السيسي رجل صادق وقد زار الخرطوم بلا حراسة مشددة، وهذه وحدها كفيلة بالقول أن الثقة موفورة .
في بداية الأزمة

المودة المبذولة بين الرئيسين تثير دهشة إخوان مصر المحبوسين في السجون، والعالقين أيضاً في الخارج، مثل ما أنها تثير بضراوة حيرة الحركة الإسلامية التي يحكم باسمها البشير، لكنها علاقة تتكامل في وجهها الآخر بين رئيس دولة ونظيره في الجوار حيث لا تتوفر أي رغبة للعداوة في الظاهر – على الأقل الآن- وبالتالي فإن فالخرطوم قد أعلنت منذ بواكر الأزمة في مصر أن ما يحدث هو شأن داخلي، وأن السودان سوف يتعامل مع أي حاكم مصري جاء بالانتخاب أو بالقوة العسكرية، وهنا تنسحق المبادئ ومعاني النصرة والأخوة !

لكنني أستطيع أن أجد تفسيرا نفسياً للصداقة المبذولة بين السيسي والبشير، وهو أن كلاهما صعد للحكم عبر انقلاب عسكري، وحاول الحصول بشتى الطرق على شرعية سياسية، وبخلاف ذلك فإن ما عمق المودة بينهما أكثر هو الانتماء للمؤسسة العسكرية حتى الوصول إلى رتبة المشير، قبيل أن يكونا رئيسين لدولتين تجمع بينهما أواصر الجغرافيا والتاريخ، وتفرق بينهما المواقف السياسية المتباعدة .

“الفتل أيضاً على جديلة”، واستغلال كل رئيس للآخر لا تُخفى عن الأنظار؛ فالسيسي الذي تعاني بلاده من ضائقة اقتصادية هائلة يضيره بشدة موقف الخرطوم الداعم لبناء سد النهضة الإثيوبي، إلا أنه لا يجاهر بغضبه خشية أن يستعدي عليه مجمل الجوار الأفريقي، أما البشير فإن السلطة المطلقة التي يدير بها الدولة مؤخراً أزاحت عن كاهله أي حرج، حتى إبداء التعاطف مع رئيس أسير هو مرسي جاء للخرطوم بعشم كبير وتحلق معهم في جلسة قرآن الفجر، ليأتي التقارب الأخير مع السيسي تحت ضغط المصالح السياسية، حيث تنتصر النزعة البراغماتية غالباً ما دامت اللعبة في الأصل تجري تحت غطاء (فن الممكن) .

كلاهما يواجه شبح الخطر الخارج المُحدق، ومخاوف كارثية، البشير والسيسي، كما أن معادلات الأوضاع الداخلية الهشة حاضرة بكثافة، فالخطورة تستلزم قرارا صائباً ومعقولا لتنحية الخطر، خطر انهيار الدولة، في الخرطوم والقاهرة بالطبع، والإقبال على تنازل بشع تتضاءل تحت إلحاحه قيمة (حلايب) و(سد النهضة)، حيث يحرص كل طرف على الدفع بمشاعر الصداقة لإضفاء شرعيه على وجوده والحفاظ على سلطته القابضة وتحقيق مكاسب سياسية قصيرة المدى.

وهنا لا مفر من القول إنه حلف مرحلي بجدارة، ينهض فوق جسر مفخخ ويسعى بقوة لتمكين السيسي من تحصين نفسه ضد التحديات التي تحاصره باستمرار، وفي الوقت نفسه يضع حداً لاتهامات المحكمة الجنائية للرئيس البشير ويؤمن على القرار الأمريكي القاضي برفع الحظر بشكل نهائي عن الخرطوم خلال الأشهر المقبلة .

بقلم
عزمي عبد الرازق اليوم
عزمي عبد الرازق
كاتب وصحفي سوداني، رئيس القسم السياسي بفضائية أم درمان

—-
نقلاً عن موقع قناة الجزيرة


‫3 تعليقات

  1. كلام مثير
    لكن اعتقد ان البشير
    صار شعبوي ويعمل للشعب
    بعد الخبره الطويله
    ونحسب انه يكفر عن اخطاء
    وانه الان يتمتع بصلاحيات الريس الواحد والمؤسسه العسكريه والامنيه
    الواحده وهو زاحف زحفا للنجاح
    ان شاء الله بعد التحالفات العملاقه والفكر الرامي قدام الذي ضرب به جميع افكار ما يسمون انفسهم اسلاميين. الخطوه العملاقه الكبري
    وهذا وقتها الانقلاب الكامل عن الحركه وعن الشعبي وعن اي خزعبلات تقف حائط بين رفاهيه الشعب والمجتمع الدولي والانطلاق

    الي الامام يا بشير
    جيش واحد+ امن واحد+ ريس واحد والباقي ما يهم
    كل ما ابتعد البشير عن ال الترابي كسب الخير الكثير

  2. بعد قرار الامم المتحدة بسودانية حلايب نرجو من الحكومة السودانية بطرد القوات المصرية من ارضنا ومافي داعي للانبطاحة والكلام المعسول من السيسي بعمل لينا تخدير زي مخدراتو للسعودية.واضربوا علي الحديد وهو ساخن.