بعد قتل وتهجير الملايين و”هولوكوست صيدنايا”.. أمريكا تصدم العالم بشأن “بشار”!
في تصريحات صادمة تُنذر بدخول الثورة السورية مرحلة جديدة أشد تعقيداً وإيلاماً من ذي قبل؛ فبعد أكثر من نصف مليون قتيل وتهجير ملايين السوريين، واستخدام واسع النطاق للأسلحة الكيماوية، وارتكابه لهولوكوست سجن صيدنايا المروع، بخلاف تدمير المستشفيات وقصف الملاجئ والمدارس، أعلن البيت الأبيض -في موقف جديد- أن على الولايات المتحدة قبول الواقع السياسي بأن مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد يحدده الشعب السوري، وهو أوضح مؤشر على أن إزاحة “بشار” لم يعد أولوية للإدارة الأمريكية.
واقع علينا تقبّله!
وأوضح المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر، في بيان صحفي: “فيما يتعلق بالأسد، هناك واقع سياسي علينا أن نقبله فيما يخص موقفنا الآن”، وأضاف: “ينبغي أن نركز الآن على هزيمة تنظيم داعش، الولايات المتحدة لديها أولويات راسخة في سوريا والعراق، وأوضحنا أن مكافحة الإرهاب -خاصة هزيمة تنظيم داعش- هي على رأس أولوياتنا”.
تضارب أمريكي
وتضاربت التصريحات الأمريكية بشأن مصير “الأسد”؛ فقد نقلت وكالة “رويترز” عن السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي قولها، الخميس: “أولويتنا لم تَعُد الجلوس والتركيز على طرد الأسد، لا يمكننا بالضرورة التركيز على الأسد بالطريقة التي فعلتها الإدارة السابقة”.
روسيا والمشكلة
وأضافت: “أعتقد أن روسيا تحاول إيجاد حل سياسي؛ لكنها تحاول ذلك مع بقاء الأسد، وهذه مشكلة، لن أخوض من جديد في مسألة هل يجب أن يبقى الأسد أم لا؛ لكن سأقول إنه يعرقل أي محاولة للتقدم، وإيران عقبة كبيرة أيضاً”.
تصريحات صادمة
لكن مصدراً بالبعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة عاد لاحقاً، وصرّح للعديد من الوسائل الإعلامية بأن ما نُقِل عن “هايلي” بشأن مصير “الأسد” مضلل بعض الشيء، وأضاف أنه “من الواضح أن الأسد مجرم حرب، وأن مستقبل سوريا سيكون أفضل بكثير من دونه”؛ لكن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون قد صرّح، الخميس، في أنقرة بأن مصير “الأسد” يقرره الشعب السوري، وهي تصريحات وُصفت بالصادمة.
فشل جنيف!
هذه التصريحات انعكست سريعاً على مفاوضات جنيف 5، وانهارت بشكل دراماتيكي بتبادل الطرفين الاتهامات بالإرهاب، بعد أن أعلن رئيس وفد المعارضة السورية في جنيف نصرالحريري، أنه بالفعل بدأت عملية التفاوض حول الحكومة الانتقالية قبل يوم من التصريحات الأمريكية.
تداعيات الموقف
سيكون الموقف الأمريكي الجديد -وبحسب مراقبين- مناقضاً لقرارت مجلس الأمن ذات الصلة، التي تدعو إلى عملية انتقالية كاملة في سوريا لا تشمل “الأسد”، وعلى الأرجح ستكون هناك ارتدادات كبيرة على المدى القصير والطويل؛ حيث سيكون الموقف الأمريكي بمثابة ضوء أخضر للأسد وروسيا وإيران بمواصلة عمليات القتل والتهجير وتدمير المستشفيات، ومواصلة استخدام كل أنواع الأسلحة المحرمة الكيماوية والصواريخ الروسية المدمرة والارتجاجية؛ لتهجير ما تبقى من السوريين؛ حيث بلغ عدد المهاجرين 5 ملايين سوري -بحسب إحصائية أممية جديدة- كما اعتبرت الأمم المتحدة أن الأزمة السورية هي الأسوأ في التاريخ.
تعقيد الأزمة
كما أن فصائل الجيش الحر والمجموعات المقاتلة المعتدلة ستجد نفسها في وضعية صعبة؛ فقد ثارت وانفصلت عن المؤسسة العسكرية لطرد الديكتاتور الأشد إجراماً في العالم وتغيير نظامه؛ وبالتالي سيضعها الموقف الأمريكي أمام خيارين لا ثالث لهما؛ وهما إما إلقاء السلاح وتسليم رقابهم لنظام “الأسد” وهو أمر مستبعد، وإما الاندماج مع الفصائل المتشددة وهو الخيار الأقرب، وتحويل سوريا إلى أفغانستان أخرى في الشرق الأوسط.
كما أنها على الأرجح لن تنخرط في أي خطط أمريكية جديدة لمقاتلة الفصائل المتشددة، وهو أمر تدركه جيداً دوائر الاستخبارات الأمريكية، والتي كشفت مصادر عديدة أنها تُعارض موقف البيت الأبيض من “الأسد”، وترى أن “الأسد” هو العقبة الكبيرة في سوريا، والتي يجب إزاحتها؛ ليتسنى للقوى المعارضة ترتيب صفوفها وقتال الفصائل المتشددة.
حيرة إقليمية
أما على المستوى الإقليمي؛ فالدول الخليجية والأردن وتركيا والغرب عموماً لا يرون أي مستقبل للأسد في سوريا بعد الجرائم والدمار الذي ألحقه بسوريا؛ فهم وجدوا أنفسهم أمام موقف محير؛ فحواه أن الإدارة الأمريكية تريد محاربة النفوذ الإيراني في المنطقة بصرامة، ثم يكتشفون أن إزاحة نظام “الأسد” أهم حلفاء إيران في المنطقة لم يعد أولوية للولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي ستكون هناك شكوك كبيرة حول نجاعة الخطط الأمريكية الجديدة في المنطقة.
وهو ما أكدته صحيفة “واشنطن بوست” في تعليقها على الموقف الأمريكي الجديد؛ حيث قالت: لقد ثار المحافظون الجمهوريون ضد “أوباما”؛ بسبب قبوله المجازر في سوريا؛ لكن دونالد ترامب وإدارته قد أعلنوا أن مستقبل الأسد يقرره الشعب السوري، وهو ما يعني -بحسب الصحيفة- الموافقة فعلياً على سيطرة إيران على سوريا، وتكريم روسيا بإظهار أنها ناجحة في الحفاظ على حلفائها!
تساؤلات
ترى كل الصحف الأمريكية أن الإدارة الأمريكية الجديدة قليلة الخبرة بأوضاع الشرق الأوسط، كما أن عليها أن تجد جواباً صريحاً للعديد من التساؤلات التي طُرحت، وأبرزها: من أوجد من؟ هل “الأسد” أوجد “داعش”، أم “داعش” أوجد “الأسد”؟ كم قتل “الأسد” وحلفاؤه من المدنيين كم قتل “داعش”؟
كل القوى بما فيهم روسيا تدرك أن الشعب السوري ثار بكل أطيافه على نظام “الأسد” المجرم؛ لإخراجه من السلطة وإبداله بنظام ديموقراطي يكفل كرامتهم؛ لكن النظام نجح في عسكرة الثورة، ثم نجح في استقطاب الفصائل الإرهابية، ووفر لهم الأرض والمأوى بمساعدة قيمة من إيران والعراق إبان فترة نوري المالكي، والذي بدوره قام بتسليم الموصل للتنظيم نفسه؛ لتخويف الغرب من الثورة السورية، وإخبارهم بأن إسقاط “الأسد” سيعني إمساك تنظيم “داعش” بالسلطة في سوريا، وهو مخطط بدا أنه نجح أخيراً بعد الموقف الأمريكي الجديد.
انتقادات
وأمام التضارب الأمريكي الجديد، انتقد السناتور الجمهوري جون ماكين تراجع الإدارة الأمريكية عن مسألة رحيل “الأسد”، وقال “ماكين”: إن السوريين لا يمكنهم تقرير مصير “الأسد” في الظروف الحالية التي يمرون بها.
قلق وصفقة
وأكد، في بيان، أن تصريح “تيلرسون” يغض الطرف عن الحقائق الفظيعة المتمثلة في أن الشعب السوري لا يمكنه تحديد مصير “الأسد” أو مستقبل بلدهم “في الوقت الذي يُذبح فيه السوريون عبر براميل الأسد المتفجرة وطائرات بوتين وإرهابيي إيران”، وقال إنه قلق من التصريحات التي أدلى بها تيلرسون وهايلي؛ مشيراً إلى أن اقتراحهم بأن “الأسد” يمكنه البقاء في السلطة، يبدو خالياً من أي استراتيجية، كما ألمح إلى أن هناك صفقة فاشلة بين إدارتيْ “ترامب” و”بوتين” حول مستقبل “الأسد”!
خطأ وجائزة
من جهته، استنكر السناتور الجمهوري ليندسي غراهام هذا التحول في الموقف الأمريكي فيما يتعلق بالأزمة السورية، وقال في بيان: إن “التخلي عن إزاحة الأسد كهدف سيكون خطأ جسيماً وخبراً صادماً للمعارضة السورية وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة”، وأضاف أن “ترك الأسد في السلطة سيكون جائزة كبرى لروسيا وإيران”.
“الأسد” الميت
معظم التقارير والتحليلات الغربية والاستخباراتية -بما فيها موسكو- ترى أن “الأسد” انتهى، ولن يستطيع تجميع سوريا مجدداً، وهو يتكئ على المليشيات الإيرانية والقوة الجوية الروسية، والتي بدت هي بدورها تتحسس طريقها للخروج من الدوامة السورية؛ وهو أمر يكشف عدم واقعية الطرح الأمريكي الجديد كما يُظهر الحاجة الملحّة من قِبَل حلفاء الثورة السورية للتحدث مع الإدارة الأمريكية الجديدة، والإيضاح لها بأن نهجها الذي بدأت تتضح معالمه في سوريا لن ينجح، وإذا ما أرادت إنهاء الأزمة السورية للأبد؛ فعليها فقط الضغط لتطبيق قرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى عملية انتقاليه كاملة ليس للأسد مستقبل فيها.
حيفة سبق