تحقيقات وتقارير

عالم يشكله الاستغلال والخوف والجنس .. بنات الشارع.. غصة وألف دمعة..!!

عالم يشكله الاستغلال والخوف والجنس
بنات الشارع.. غصة وألف دمعة..!!

(م): “نحن بنات اسر والشارع لمانا من زواج الجبر والفرض و(زوج الام) والضرب والاهانة”

(أ): “بنحاول ننسى بـ(الاسبليت) و(السلسيون) ونعمل مزاج بـ(العرقى) المر دا نعمل شنو دي الحياة ختتنا في الحتة دي” ..!!

(ن) : “ماعندنا ود حرام ولدنا اسمو (ود الرضا) والبقول (ود حرام) بننتهي منو “..!!

طعامهن من بقايا الكرتة، وملهاهن الزنا، يتعايشن مع كومة الأمراض التي تضرب اجسادهن النحيلة التي يجري في دمها (عرقي وسلس وبنقو واسبليت)، “بنات الشارع” عوالم من الصعب سبر اغوراها، لخصوصية الفئة، بتحفظ وسرية سردن المآسي، قصص محزنة، واخرى مرعبة، تغلب عليها الحسرة والضياع، رغم كل ذلك تصالحن مع الألم الذي اضحى ساس لحياة القاع التي يرزحن فيها، صباحهن مابين تلك الجرعات التي تمتص زهرة شبابهن، رغم انه الفصل الاكثر اشراقاً والأخف ضرراً يبحثن فيه عن ما يسد الرمق بالتسول للطعام والجنيهات لـ(المزاج)، أما ليلهن تتشكل عوالمه الأخرى بالاستغلال والخوف والجنس، سقطت منهن القيمة الاعتبارية لهن، كنساء عاديات لتلك الظروف التي تمحور حياتهن، ومنظومة المجتمع التي ترفضهن، عالمهن مثقل بالأوجاع والآلام والخوف، يلعن الظروف التي زجت بهن في تلك البحور، ليضربن عزلة وتكتم على حياتهن خوفاً من مجهول، بصعوبة وتحفظ إقتحمت عالمهن وكانت المأساة هي الحياة..

بنات اسُر
البحث عن مدخل لعالمهن مضني، رحلة استغرقت أكثر من أسبوع، بحثاً عن مدخل لمعرفة تلك العوالم، تنقلت خلالها ما بين مدن العاصمة الثلاثة، عالم شرس يصعب ان تقتحمه للسرية والعزلة التي يضربنها حول مملكة القاع، بعد عناء ورهق وجدت الحجة وبدأت تتكشف العوالم، بدءاً من سوق الموردة ثلاث فتيات في العشرينيات إحداهن حبلى والأخريات يحرسنها، للمصادفة وجدت “م” وهي بمثابة مرشد لتلك العوالم “زعيمة” تعرف الكثير عن عوالم المشردات بالعاصمة، بحري والخرطوم وامدرمان، فوراً اخذت اطراف الحديث، في تفصيلها كشفت الكثير عن تلك العوالم والدوافع وقالت (م): “الاسباب كتيرة جابت بنات الناس الشارع” ، ورمت ببنات أسر، الخيران والأسواق، لتفصل: واحدة من أهم الاسباب هي “الضرب” و”الاهانة”، لتقول: “شوف نحن ماجينا هنا بالمزاج وعدم الشغلة ، الضرب والاهانة ياهو المرقنا اهلنا ضربونا ضرب الضريب، مالو ياناس الكلام بالخشم؛ الكلام الحار براهو بقعد بس الدق الدق”، ثم شردت صامتة قليلاً- لتفيض: بجانب ذلك الكثيرات خرجن بسبب زواج الجبر والفرض و”زوج الام” ، منهن من تعرضت للتحرش بالنظرات أو الالفاظ أو الاهانة أو الاغتصاب أو اللمس أو الضرب، وقطعت “م” : أنا الطلعني راجل امي “انعل ابو رجال الام زاتو.. والله ماعاجبني القعاد في الشارع، انا ماشاء الله بعرف ألبس وبعرف اتكلم واي شئ بس راجل امي”،”الضرب اسوأ حاجة ، هو الكلب لو دقيتو بجري منك خلي الانسان”

إنسانية
بذلك غرقت “م” في نوبة بكاء ولم ترد بعدها بكلمة، إلحاحاً حاولت ان اتماسك واتعامل بشئ من المرونة لأعرف أكثر، نحو نصف ساعة سادت حالة الصمت ، حينها شعرت “أ”، صديقتها ودون اسباب صرخت ساخطة قائلة : “دي حياتنا الماعاجبة الناس البرة، نعمل شنو؟ نحن ما اخترنا كدا الظروف هي العملت فينا كدا” ؛ لتكشف مفصلة بقولها: في الشارع دا بتلقى اي شكل واي لون وكل جنس واي سن، في بنات صغار ما بعرفن اي شئ في الدنيا، نحن الأكبر منهن بنقيف معاهن، في واحدات بلوغ مابلغن لميناهن من الاولاد، الواحدة الما بتعرف “العادة الشهرية” بنتصرف ونعلمها تتعامل كيف، لتضرب المثال مفصلة تعاملهن كبنات من جنس واحد وقالت: جاتنا بت اسمها سامية قسماً عظماً بت زي القمرة يا اصلي نار منقد جاتنا عمر 10 سنوات هاربة من راجل امها لمن وصلت سن 17، اهلها جوني بفتشو فيها لمن شفتهم بكيت حسرة، جونى كقاصة اتر البت أول من شافت اهلها مسكت فيني قوي ورفضت تمش خافت من اهلها، سألتها ليه؟ فردت علي: ان زوج امها بضربها و(بهبشا)؛ بعد مهادنات اقنعتها، وتحريت من صدقهم بصورتها في عمر 10 سنوات، منها ذهبنا للمحكمة وكتب زوج امها تعهد بعدم التعرض لها، البت دي واحد ضمن الكثيرات اللاتي بلغن في الشارع، لمن بلغت الدورة، زاتها ماعارفاها اليوم البلغت فيهن قالت لي انا في حاجة بتجري من هنا جيت وفهمتها، كنت بغسلها وبحممها وبوريها تتصرف كيف؟ وغاصت أكثر بقولها: قلت ليها ليك ولزمانك الدنيا دي ما دايمة لي زول اخير امك قالت لي راجل امي بدقني وبعاين لي وبعمل لي كدا وكدا، قلت ليها بكتب تعهد ومشينا القسم لي زول للمحكمة كتبو راجل امها تعهد كان حصل شئ اي شئ طوالى يتقفل ولمن عرسوها وولدت سمت بتها على حياتنا في الشارع دي ما زي نظرة الناس الفاكرها عننا، نحن بنات ناس برضو.

الليل والنهار
اما نظرتهن للحياة لم تخرج من الأحلام البسيطة، الأكل والشراب الذي يعتمدن فيه على”المجازفة” و”الدردحة” في السوق فبحسب “ن” التي تتخذ من شارع الغابة مسكناً لها. قالت في سردها: ما في بت ما بتحلم، كلنا بنحلم بس الحياة ما مساعدنا، نحن بنأكل آخر الناس، وبنوم على عذاب، ونصحى على ألم، شبه اتعودنا، ماعندنا شئ في الدنيا دي غير الشارع بقى لينا الأم والأب والأهل والماؤى والسكن واي شئ، حياتنا من الصباح في السوق نشحد الاكل والشراب وشوية جنيهات لـ”السلس”، صمتت وزادت: اما الليل ماعندنا غير الغابة دي نقعد مع “اخوانا” و”رجالنا”، لتكشف: ياهو بنتعايش، الناس مادايرين بخلونا في حالنا ، ما تشوف الناس دي بتشرب الحاجات الكعبة، نحن بنحاول ننسى بـ”الاسبليت” و”السلسيون” ونحاول نعمل مزاج بـ”العرقي” المر دا نعمل شنو دي الحياة ختتا في الحتة دي. بعدها ذهبت غاضبة محاولة ان تتناسى حديثها.

الحمل والانجاب
من جهة اخرى لم ينته الامر عند ذلك، بل كانت الصدمة حاضرة مجدداً بالموردة حين سألت “أ” عن الحمل والانجاب، انتهرتني واوشك ان يقع صدام بعد عناء شرحت قائلة بانهن لا ينجبن “ساي” بل وفق تراضي وزاوج يسمى “زواج الرضى” وعلقت مغاضبة: ماعندنا ود حرام، ولدنا اسمو “ود الرضا” والبقول “ود حرام” بننتهي منو، وسألتها مجددا عن اللوازم فيما يتعلق بعملية الانجاب، لتستعرض المعاناة ضاربة المثل بقولها: عادي جداً بنولد، إلا من بعض الحالات، متابعة: لكن عندنا فردتنا نجوى ماتت في الولادة لانها حملت وولدت ولادات متقاربة، وهي صغيرة بعمر 16 ماتت لأنها كانت بتشرب السلسيون والاسبرت ولأنو دمها ضعيف اتوفت اثناء الولادة وتركت طفل عمره 4 اشهر يعيش بينهم، وزادت عليها “أ”، وإبتسام ماتت برضو لأنو دمها ضعيف، وهي من بنات اسرة مشهورة ولدت طفل هسي بتربي معانا، حاولت الغوص أكثر إلا أن التحفظ والتكتم لتلك العوالم كان بمثابة صد، تلخص على لسان “م” حين قالت لي: الاعمال بالنيات يافردة، نحن فينا اي شئ، وبعد دا بنساعد الاسر البتجينا تفتش عن المفقودين، جونا ناس كتار عندهم بناتهن رايحات، الجاتنا شاردة والجاتنا رايحة، اي مساعدة بنقدمها لاننا مادايرات بت تضوق المر الضقناهو، وزادت: مهما حصل عندنا شفع واولاد من الشارع دا وعارفات يعني شنو بت تطلع وتخرب، نحن اتربينا وولدنا وشفنا وعرفنا في الشارع دا، اولادي بتاعين الشارع ديل ماعندنا غيرهم لا ام لا اخت لا خالة لا اب ولا غيرو ولا غيرو ديل حياتنا كلها، مادايرات بت تعيش حسرتنا، وبنفرح كان واحدة جاها واحد ودق صدرو يعرسها عشان تنستر، حقو الناس تتفهم حياتنا وظروفنا نحن ناس برضو.

تحقيق : مصعب الهادي
صحيفة الجريدة