منوعات

قصة المرأة التي تنقذ طيور البطريق المهددة بالانقراض

جد معظمنا في نفسه محبة لطيور البطريق الجذابة، التي تظهر في حياتنا اليومية عبر العديد من الوسائل، مثل أغلفة الكتب وورق تغليف البسكويت وبطاقات الاحتفال بأعياد الميلاد، وكذلك الصور المتحركة في أفلام السينما والتلفزيون.

وتستحوذ هذه الطيور على اهتمامنا بسبب صفاتها الجميلة، مثل مشيتها المضحكة وعدم قدرتها على الطيران في مناطق التندرا المتجمدة.

لكن بالنسبة لأولئك الذين لا تجذبهم طيور البطريق، هناك امرأة يمكنها أن تغير قناعاتهم، وهي ديان دينابولي، التي أكسبها شغفها بطيور البطريق لقب “سيدة البطريق”.

وتأخذ ديان على عاتقها مهمة زيادة الوعي والمساعدة على إنقاذ هذه الطيور المهددة بالانقراض، والتي تتميز بمواصفات خاصة. ووقعت ديان في غرام طيور البطريق وباتت “عاشقة لسلوكها الفريد” بعد أن أحاطت بها طيور البطريق في متحف الأحياء المائية في نيو إنغلاند، في مدينة بوسطن الأمريكية.

وتقول ديان: “ما بين فترة التدريب ووظيفتي في المتحف المائي، كنت أعمل مع طيور البطريق كل يوم على مدار تسع سنوات، وأصبحت عاشقة لها”.

ومن السهل تفهم السبب الذي يجعلها تعتقد أن تربية هذه الطيور “الصغيرة ناعمة الملمس” تعتبر تجربة فريدة من نوعها، لكنها تتطلب كثيرا من التفرغ والتركيز والاهتمام، إذ أن إنقاذ طائر البطريق يجعلك تشعر بالرضا والتوتر في نفس الوقت.

وتحتاج صغار البطريق للإطعام كل عدة ساعات بطعام معين ومعد حديثا، وليس معلبا. كما يجب وزنها باستمرار من أجل متابعة نموها. وقضت ديان ساعات طويلة من الليل وهي مستيقظة، نتيجة شعورها بالقلق ورغبتها في متابعة حالة طيور البطريق الصغيرة.

لكن العمل الذي تقوم به ديان هام للغاية في الحفاظ على تلك الطيور. وفي ظل نظام التزاوج المعقد للحفاظ على التنوع الجيني، يمكن أن تُستغل طيور البطريق الموجودة في المتاحف المائية وحدائق الحيوان للحفاظ على أعدادها الموجودة في الطبيعة، حال تعرضت هذه المخلوقات لخطر التناقص والاختفاء.

ويعد هذا احتمال مثير للقلق، إذ أن طيور البطريق – كما نعرف جميعا – ليست كالطيور العادية، فهي لا تستطيع الطيران، وتقضي أوقاتا طويلة في الماء باحثة عن الطعام، وتعيش حياة طويلة، وتستغرق شهورا طويلة في إنجاب وتربية الصغار، وهو ما يجعلها أكثر عرضة للكوارث الطبيعية أو التي يتسبب بها الإنسان. وتقول ديان: “كل طائر صغير من هذه الطيور مهم للغاية في الحفاظ على وجود واستمرار هذه الأنواع”.

وتلعب طيور البطريق دورا هاما للغاية في النظام البيئي للبحار وعلى سطح الأرض.

وفي الوقت الحالي، هناك 18 نوعا معروفا من طيور البطريق، من بينها 13 نوعا تواجه صعوبات كثيرة تعرض حياتها للخطر.

ولا تعيش جميع طيور البطريق في المناخ المتجمد للقارة القطبية الجنوبية. صحيح أن نوعي “الإمبراطور” و”آديلي” يعيشان هناك، لكن العديد منها يمكن أن نجده في أقصى الشمال، حول سواحل أمريكا الجنوبية، وأستراليا، ونيوزيلندا، وجنوب أفريقيا، وحتى على جزر غالاباغوس، وهي أماكن تتمتع بطقس أكثر دفئا.

وعلاوة على ذلك، ليست كل طيور البطريق صغيرة ولونها أبيض وأسود. ويعيش أصغر طيور البطريق حجما في أستراليا ونيوزيلندا، ويبلغ طولها 33 سنتيمترا، وتزن 1.2 كيلوغراما. لكن ريشها الأزرق يفسر شهرتها باسم طيور البطريق الزرقاء الصغيرة.

أما الطيور الأكبر، والمعروفة باسم الإمبراطور، فيمكن أن يصل طولها إلى 115 سنتيمترا وتزن 40 كيلوغراما. وبعض طيور البطريق تتزين بلمسات من الألوان كالأصفر والبرتقالي، بينما هناك أنواع أخرى ملفتة للنظر مثل “نطاط الصخور” الذي يسهل التعرف عليه بسرعة بفضل حاجبيه الطويلين الذهبيين.

بطريق أفريقي مغطى بالنفط بعد تسرب النفط من الناقلة “إم في تريجر” عام 2000

لكن هناك أسباب أخرى كثيرة تجعل ديان تتعلق بطيور البطريق، أكثر من مجرد طبيعتها المحببة وجمال شكلها، فهي تشعر بقلق بالغ منذ طفولتها تجاه هذه المخلوقات المهددة بالانقراض والمحاطة بالأخطار. وتقول عن ذلك: “عندما علمت بالأوضاع التي تهدد معظم طيور البطريق، صممت على أن أزيد وعي الناس بهذه الكائنات”.

وقد انخفضت أعداد أغلب أنواع البطريق بنسبة تراوح بين 50 و95 في المئة خلال الفترة من 50 إلى مئة عام الماضية، وهو ما يدعو للقلق فيما يتعلق بالحفاظ على تلك الطيور.

ويعد البطريق الأفريقي، الذي كانت ترعاه ديان في المتحف المائي وفي البرية، مثالا جيدا على تلك المشكلة، إذ غير الاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة وضعه من “مهدد” إلى “عرضة للانقراض” عام 2010، وذلك بسبب التراجع السريع في أعداده.

تقول ديان: “تعتبر طيور البطريق مؤشرا على الخطر، فهي كما يقول المثل: بمثابة “طائر الكناري في منجم الفحم”. (ويقال إن عمال المناجم كانوا يأخذون طائر الكناري معهم في أقفاص إلى داخل المنجم، فإذا تجمعت الغازات السامة، تقتل الطائر قبل أن تقتل العامل، وبالتالي يعتبر موتها مؤشرا على خطورة الوضع).

ورغم أن البطريق يتربع على رأس قائمة المخلوقات التي تتغذى على أسماك الأنشوجة والسردين والكريل، فإنها وبيضها هدف في غاية الأهمية والقيمة لكثير من الكائنات المفترسة، مثل الفقمات النمرية، والحيتان المفترسة، وطيور الكركر. وتوضح ديان أنه إذا تراجعت أعداد طيور البطريق، فإن ذلك علامة أكيدة على وجود مشاكل في النظام البيئي.

كما تنقل طيور البطريق موادا غذائيةً بين الماء واليابسة، لتزيد خصوبة كل منهما بفضلاتها، ويمكنها تغيير شكل الطبيعة بما تقوم به من نشاط حيوي. لكن هناك تهديدات كثيرة لهذه الطيور الساحرة، سواء في البحر أو على اليابسة.

وكون البطريق لا يستطيع الطيران يجعله عرضة للكائنات المفترسة، مثل الجرذان والثعالب وغيرها من الحيوانات.

وتقول ديان إن الاحتباس الحراري والصيد الجائر هما أكبر التهديدات التي تواجهها طيور البطريق حاليا. بالإضافة إلى أن التغير الشديد في الأحوال الجوية، مثل زيادة هطول الأمطار، يقتل الكثير من صغار البطريق ويفسد البيض، فضلا عن أن الذوبان السريع لجليد البحار يمثل مشكلة للبطاريق التي تعتمد على هذا الجليد.

أضف إلى كل ذلك التلوث البحري، الذي يُعد معضلة كبرى ليس فقط لطيور البطريق، ولكن لكل مظاهر الحياة البرية التي تعتمد على البحار.

يُغسل البطريق عدة مرات بماء دافيء وصابون حتى يتم التخلص من كل أثر للزيت النفطي

ويمكن أن يخطئ البطريق ويعتقد أن المواد البلاستيكية، مثل الأكياس والحقائب والقوارير وشباك الصيد، طعاما ويأكلها. ويمكن أيضا أن تقيد هذه المواد البلاستيكية الطائر وتكبل حركته. ويمثل البلاستيك مشكلة كبيرة، ويستغرق تحلله مئات السنين. وهناك الآن عدة مبادرات ومنظمات تعمل على زيادة الوعي بمشكلة البلاستيك في البحار ومكافحة تهديده للحياة البحرية، إذ أن نحو ثمانية ملايين طنا من البلاستيك تجد طريقها إلى المحيطات سنويا.

كما يعد التسرب النفطي كارثة بيئية خطيرة للغاية، فبالنسبة لطيور البطريق وغيرها من الطيور البحرية، يتسبب النفط في الفصل بين ريش الطائر، وبالتالي يُفقده ميزة الحماية من تسرب المياه لجسمه. كما يبتلع الطائر النفط عند محاولته تنظيف نفسه، وهو ما يتسبب في العديد من المشكلات الصحية.

ويمكن القول إن النفط يقتل الطيور التي تعتمد على الريش الواقي من المياه.

لكن تنظيف الطائر ورعايته حتى يعود إلى الحياة عملية طويلة ودقيقة، تحتاج إلى شخصين لكل طائر، إذ أن طيور البطريق لها مناقير حادة جدا.

وتمر عملية التنظيف بعدة مراحل، مثل إدخال الفحم النباتي عبر أنبوب إلى جوف الطائر لامتصاص السموم، ثم دفع الماء في فم الطائر للحيلولة دون تعرضه للجفاف، وصولا إلى غسل الطائر بمنظفات مختلفة للتخلص من المواد الدهنية النفطية، وأخيرا غسله بالماء النظيف. ويمكن إعادة إطلاق البطاريق إلى البرية بعد خضوعها لفحص صحي كامل، والتخلص تماما من النفط.

وهناك العديد من الأمثلة المأساوية على التسرب النفطي، لكن ربما أكثرها شهرة، حسب ديان، ما وقع عام 2000 عندما غرقت حاملة النفط “إم في تريجر” قرب سواحل كيب تاون بجنوب أفريقيا، ما أدى إلى تسرب أكثر من 1300 طن من النفط إلى مياه المحيط.

وقد هدد هذا الحادث نسبة كبيرة من طيور البطريق الأفريقية، وانطلقت حملة إنقاذ عالمية شارك فيها 12,500 متطوعا، توجهوا إلى المنطقة على وجه السرعة. وسارعت ديان إلى المنطقة المصابة، حيث عملت كمشرفة ومديرة لإعادة تأهيل الطيور ضمن هذا الفريق التاريخي.

وقد عمل المتطوعون على نقل 19,500 طائرا قبل تعرضها للتلوث النفطي. كما قدموا الرعاية الصحية اللازمة لنحو 91 في المئة من 20 ألف طائر تعرضوا للتلوث النفطي. وكانت تلك أكبر وأنجح عملية إنقاذ للحيوانات يشهدها العالم.

وتقول ديان: “الشيء الذي يبعث على الشعور بالإنجاز والنجاح بشكل لا يُصدق هو أنني لعبت دورا ملموسا في إنقاذ هذه الكائنات، كوني طالما حلمت بأن أفعل شيئا لمساعدة الأنواع التي تتهددها المخاطر. إنني على استعداد للسفر إلى أي مكان في العالم لتقديم المساعدة إذا كان هناك حاجة لي مرة أخرى”.

bbc