عالمية

إسرائيل تستعد لحرب “السايبر”… ساحة المواجهة المستقبلية

لا يساور الجنرال الإسرائيلي إيلي بن مئير، الذي سُرّح قبل ثلاثة أسابيع من منصبه كقائد “لواء الأبحاث” في “شعبة الاستخبارات العسكرية” (أمان)، وهو الموقع الذي يُعد أكثر المواقع حساسية وأهمية في المؤسسات الاستخبارية الإسرائيلية، أدنى شك بأن “السايبر” سيكون المجال الأهم للمواجهات العسكرية في القرن 21 بشكل عام، وبين إسرائيل وأعدائها بشكل خاص. وتنبع أهمية تقديرات بن مئير من حقيقة أن موقعه السابق قد منحه احتكار مهمة تقديم التقديرات الاستراتيجية لدوائر صنع القرار السياسي في تل أبيب.

وبسبب خبرته الكبيرة، حرصت شركة “شيدما”، التي تدير مشاريع أمنية في الفضاء الإلكتروني داخل إسرائيل وخارجها، على استقطابه بمجرد تسريحه وعيّنته مديراً عاماً لدائرة “الاستخبارات والسايبر” فيها. ورأى بن مئير، في مقابلة أجرتها معه مجلة “الدفاع الإسرائيلي”، أن “السايبر” غيّر سمات الحرب والمواجهات العسكرية، قائلاً إن “العالم تغيّر، فلم تعد هناك حاجة إلى دبابات وطائرات لمهاجمة دولة أخرى، بل يمكن فعل ذلك من خلال الجلوس وراء الحواسيب داخل مكاتب مغلقة، ولم تعد هناك حاجة لحدود مشتركة للوصول إلى العدو، فبالإمكان مهاجمته من على مسافات بعيدة”، على حد تعبيره. وأشار إلى أن السايبر أثّر بشكل جذري على طابع العمل الاستخباري، وبات يمثّل المسار الأهم الذي تسلكه المؤسسات الاستخبارية في تأمين المعلومات.

بن مئير: العالم تغيّر، فلم تعد هناك حاجة إلى دبابات وطائرات لمهاجمة دولة أخرى

وجزم بن مئير أن تراجعاً حصل على مستوى الاعتماد على المصادر البشرية (العملاء) كمصدر للمعلومات الاستخبارية التي على أساسها يتم اتخاذ القرارات المهمة. وبحسب بن مئير، فإن استهداف المؤسسات المدنية ذات الطابع الخدماتي التي يتعلق بها جميع السكان، مثل المرافق الطبية، هي أهداف مفضّلة وسهلة للهجمات الإلكترونية. وشدد على أن استهداف المرافق الطبية يمثّل “سيناريو الرعب الذي يتوجب الحذر منه والاستعداد لإحباطه”، مشيراً إلى أن الشبكات المحوسبة في المرافق الطبية تكون عادة مفتوحة مما يسهل اختراقها. وذكّر بأن أحد المستشفيات الكبيرة في ولاية كاليفورنيا الأميركية قد أغلق قبل ثلاثة أشهر لمدة 3 أسابيع بسبب هجوم إلكتروني.

وتعليقاً على هجوم “الفدية الخبيثة” الذي تعرضت له مرافق في عشرات الدول أخيراً، الكثير منها مرافق صحية، شدد الجنرال الإسرائيلي على أن التحدي الذي يواجه الدول التي يمكن أن تتعرض لمثل هذه الهجمات يتمثّل في أنه من الصعب التعرف على “هوية الجهة التي تقف وراء هذه الهجمات ودوافعها، سواء كانت لدواعٍ أيديولوجية أو فقط من أجل الحصول على المال”. وأشار بن مئير إلى أن تأمين الفضاء الإلكتروني يُعدّ تحدياً هائلاً بسبب تطور وتغيّر طابع التهديدات فيه باستمرار، مشيراً إلى أن مئات الملايين من الهجمات الإلكترونية تُشن في العام الواحد. وذكر أنه في العام 2016 وقع حوالي 750 مليون هجوم إلكتروني.

وأشار بن مئير إلى أن التحدي الذي يقلّص فاعلية منظومات الدفاع التي تؤمّن الفضاء الإلكتروني، حقيقة أنه لا يكفي أن تعالج هذه المنظومات التهديد بشكل محدد، بل يتوجب أن يستند أي مشروع لتأمين الفضاء الإلكتروني إلى نظرية أمنية شاملة لتوقّع المخاطر في المستقبل ووضع حلول مسبقة لها. ولفت إلى أن إرساء قواعد النظرية الأمنية في الفضاء الإلكتروني يساعد على رسم خارطة التهديدات ويسهم في معالجتها كي لا يجد الطرف الذي تعرض للهجوم نفسه تحت وقع المفاجأة.

ونقلت مجلة “الدفاع الإسرائيلي” عن جنرال إسرائيلي آخر في الخدمة لم تكشف اسمه قوله إن هجوم “الفدية الخبيثة” لم يتمكن من المس بالمنظومات المحوسبة داخل إسرائيل إلا بشكل هامشي جداً، عازياً ذلك إلى حجم الاستثمارات الإسرائيلية في مجال تأمين الفضاء الإلكتروني. ووفق الضابط، فإن منظومات الجيش الإسرائيلي المحوسبة على وجه الخصوص “عصية على الاختراق”.

الهجمات الإلكترونية باتت ضمن أخطر “التهديدات الاستراتيجية” التي تواجه إسرائيل

من جهته، حذر قائد “هيئة السايبر” في الجيش الإسرائيلي، الجنرال يرون روزين، من أن تهديد الهجمات الإلكترونية بات يعدّ ضمن أخطر “التهديدات الاستراتيجية” التي تواجه إسرائيل، مشيراً إلى أن هذه الهجمات باتت تغطي كل إسرائيل. ونقلت صحيفة “يديعوت أحرنوت” أخيراً عن روزين قوله إن ما يفاقم خطورة التهديد الذي يمثّله السايبر حقيقة أن كلاً من إيران وحزب الله باتا يعتمدان بشكل كبير على الفضاء الإلكتروني في جهدهما الحربي.
وفي سياق متصل، ومن أجل تحسين قدراته في مجال السايبر، يعكف الجيش الإسرائيلي حالياً على تدشين مؤسسة مهمتها البحث عن شباب يهودي يعيش في الخارج من ذوي الخبرات والمؤهلات في مجال السايبر من أجل اقناعهم بالهجرة لإسرائيل لاستيعابهم في سلاح الحوسبة. وذكرت صحيفة “يسرائيل هيوم” أن الجيش يشن “حالياً حملة دعائية” في دول تتواجد فيها نسبة كبيرة من الشباب اليهود من أجل التأثير عليهم ومحاولة إقناعهم بالهجرة والتطوع في الخدمة في “سلاح الحوسبة”.

العربي الجديد