بيانات ووثائق

نص خطاب رئيس الجمهورية أمام المجلس القومى للتخطيط الاستراتيجي


فيما يلي تورد وكالة السودان للأنباء نص خطاب السيد رئيس الجمهورية المشير عمر البشير أمام المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي في دورة الانعقاد الأولى لعام 2017م يوم الإثنين 5 يونيو الجاري بالقصر الجمهوري .

قال تعالى :
(أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) … صدق الله العظيم
الحمد لله الذى قدر فهدى والصلاة والسلام على النبى المصطفى معلم المنهج والمسلك لبلوغ الغايات وعلى أهله وصحبه ومن دعا بدعوته وسار على نهجه وبه اقتدى، والسلام على أنبياء الله ورسله للعالمين .

الإخوة والأخوات أعضاء المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي :
الحضور الكريم :
أحييكم بتحية الإسلام.. دين الهداية والرشد .. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. متقدماً إليكم بتهنئة قلبية صادقة بحلول شهر رمضان الكريم تقبل فيه الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال .
نلتقيكم اليوم فى دورة الانعقاد الأولى للمجلس القومى للتخطيط الاستراتيجى؛ وهي امتداد لدورات سبقت؛ اتسمت أعمالها بالتناصح والشورى لرسم تفصيلات المسار الاستراتيجى للدولة؛ سياسات وخطط وبرامج؛ إعداداً وتقويماً وذلك منذ أن ابتدرنا الاستراتيجية ربع القرنية والتى شهدت فى خمسيتها الأولى إشاعة الفكرة، وفى خمسيتها الثانية إعلاء الجانب الفني لتأتي هذه الخطة الثالثة التى نبتدرها فى هذه الدورة لترسيخ حاكمية الخطة؛ وذلك بأن ينص عليها دستوراً ويحميها القانون بما يحرم الخروج عنها .

الإخوة والأخوات :
لا شك أن النجاحات التى حققها شعبنا من خلال الخطة الخمسية الثانية كانت إحدى ثمرات الاستقرار السياسى والاقتصادى والاجتماعى الذي شهدته بلادنا وقد تأتى ذلك الاستقرار من خلال الإيفاء باتفاقيتى الشرق والدوحة بسلاسة وعظم مسؤولية من الأطراف الموقعة؛ وما شهدته علاقات البلاد الخارجية من
تحول إيجابي نحو قضايا السودان وجهوده التنموية؛ الأمر الذى يدفعنا الى أن نقبل بعزم وآمال عريضة على الخطة الثالثة فى مسيرتنا الاستراتيجية .

الإخوة والأخوات أعضاء المجلس القومي للتخطيط الاسترتيجي:
لقد سبق أن التزمنا – فى خواتيم مؤتمر الحوار الوطني بشقيه السياسى والمجتمعي – بمراجعة الخطة الاستراتيجية بما يستوعب مخرجات هذا الحوار لذلك تكتسب هذه الخطة المقدمة أمام مجلسكم الموقر بأنها تأتي إنفاذاً لهذا الالتزام لنجيز فى هذه الدورة إدماج هذه المخرجات فى الخطة الاستراتيجية للدولة للفترة القادمة 2017- 2020م لتكون بعد إجازتكم لها بمثابة الوثيقة الحاكمة لمهام حكومة الوفاق الوطني وأداة لتقويم أدائها وقياس أثر هذا الأداء .
ويطيب لى أن ابتدر الخطة الخمسية الثالثة بطرح مشتملات رؤيتها المستقاة من رؤية الاستراتيجية ربع القرنية والمتمثلة فى بناء أمة سودانية موحدة آمنة متحضرة متقدمة متطورة .
وهى رؤية تستهدف أن تكون بلادنا موحدة بالتوافق الوطني؛ وذلك بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني فى شقه السياسي من خلال هذه الخطة، وشعبها آمناً بالتعايش السلمى من خلال تنفيذ مخرجات الحوار الوطنى فى شقه المجتمعي، ومتحضراً بالعدالة الاجتماعية، ومتقدماً بالشراكة العالمية إيفاء لالتزامنا بالتوقيع على أهداف التنمية المستدامة والشراكة الإقليمية بتنفيذ الخطة الأفريقية الأولى 2023م المنبثقة من الأهداف الأفريقية 2063م .

الإخوة والأخوات أعضاء المجلس :
إن الغاية العظمى لهذه الخطة الثالثة هي إرساء دعائم السلام في سائر أنحاء البلاد وتحقيق أمنها القومي وتعزيز استقرارها بجهد تنموي يعيد بناء ما دمرته الحرب؛ وإعادة توطين من نزحوا أو هاجروا وإرساء دعائم حكم رشيد ونظام سياسي قائم على ديمقراطية المشاركة وفق قيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص في إطار وحدة الوطن والمجتمع؛ بما يفضي بنا جميعاً إلى شراكة سياسية مسؤولة لتحقيق نهضة بلادنا دولة ومجتمعاً.
إن بلادنا؛ وهي تمضي في مسيرتها نحو غايات السلام المنشود، تستمد من طاعة الله إرادتها ومن عزم شعبنا العظيم عزتها وإبائها وهو سلام ظل ثمنه غالياً ومهره عزيزاً على الدوام؛ فدته أنفس كريمة وسالت حول محرابه دماء طاهرة من أرتال الشهداء قدموا أرواحهم الغالية في سبيل أن تنعم بلادهم وشعبهم بالأمن والسلام والاستقرار والعزة والمنعة؛ ولذلك سيظل السلام هو إنجازنا الأكبر الذي نباهي به ونفاخر ونسعى باستمرار وبإخلاص لتعزيز استدامة الحوار بين ابناء الوطن الواحد؛ وبين مختلف مكونات المجتمع
السياسية والمجتمعية للمضي قدماً في مشروعات تنمية متلاحقة لتحسين معيشة المواطن حتى ينزل على الناس نفعاً محسوساً؛ لذلك ننتهز كل فرصة لتجديد الدعوة لكل من يحمل السلاح بأن ينبذ العنف ليشارك في البناء الوطني

الإخوة والأخوات :
إن دعوتنا للسلام الدائم وسعينا الدؤوب لتحقيقه لم ولن يمنعنا من السعي المستمر لبناء وتطوير قدراتنا العسكرية ومنظومتنا الدفاعية لأن السلام الذي لا تحرسه القوة سيكون عرضة للإجهاض والانهيار؛ لذلك سنواصل جهودنا عبر هذه الخطة الثالثة لبناء القوات المسلحة تجديداً وتسليحاً وتدريباً وفق أعلى معايير الجودة والتميز، عددياً وتنظيمياً وتقنياً؛ فالقوات المسلحة وقوات الدعم السريع وقوات الشرطة وقوى الأمن الوطني تقف على أهبة الاستعداد لأداء واجبها متى ما طلب منها ذلك، فالتحية لكل منسوبي هذه القوى: قادة وضباطاً وصف وجنود، وهم يرابطون في الثغور؛ وعلى كافة حدود بلادنا ويؤدون واجباتهم الوطنية على أكمل وجه لاتحدهم صعاب ولا تقيدهم معينات. وأرجو أن أحيي باسمكم جميعا، ومن هذا الموقع، قواتنا المسلحة الباسلة وهى تشارك باقتدار فى إعادة الشرعية فى اليمن؛ وهي مشاركة فرضتها قيمنا الدينية وموروثنا الأخلاقي في مناهضتنا للإرهاب والعدوان، وإننا لماضون في هذه المشاركة حتى تحقق غاياتها النبيلة بمشيئة الله .

الإخوة والأخوات:
لقد قدم الحوار الوطني بشقيه السياسي والمجتمعي إجابات موضوعية لا لبس فيها لقضايا ظلت محل خلاف منذ الاستقلال، وهي قضايا الهوية والسلام والوحدة والحريات والحقوق الأساسية والإنتاج ومعاش الناس والعلاقات الخارجية وقضايا الحكم، ونحن إن التزمنا جمعياً بما جاء في هذه المخرجات من توصيات فسوف نرتقي بمفهوم الانتماء الوطني إلى آفاق أرحب تستوعب الأبعاد القيمية والسياسية والثقافية والاجتماعية لسودان المستقبل الذي ترتفع فيه درجة الوعي والتبصر بمقدرات الوطن ومكتسباته الحضارية وموارده
الطبيعية وتراثه الجغرافي والتاريخي والذود عنها باعتبارها حقاً للجميع، وتتحقق فيه معاني الانتماء للوطن والولاء له وعدم المساس بحرماته والعمل على إبراز الصورة المشرفة له في الداخل والخارج.

الإخوة والأخوات أعضاء المجلس:
لقد ابتدر السودان للقادة الأفارقة بتبني رؤية استراتيجية أفريقية جامعة نتج عنها الأجندة الأفريقية 2063م؛ ولتراكم خبراته في هذا المجال فقد أسهم بدور كبير وفعال في بناء الخطة العشرية الأفريقية 2023م وتم تصنيف السودان من ضمن أفضل خمس دول فى التخطيط الاستراتيجى فى القارة الأفريقية، ونال في ذلك إشادة الاتحاد الأفريقي والذي اقترح بأن يبادر السودان بتقديم تقرير عن موقف تنفيذ الخطة العشرية الأفريقية ليتم استعراضه في الاجتماع القادم للقادة الأفارقة، ومن هنا أوجه الأمانة العامة للتخطيط الاستراتيجي بالشروع فوراً في إعداد هذا التقرير ليأتي على النحو المرتجى.
لقد حققت الأمانة العامة للتخطيط الاستراتيجي نجاحاً كبيراً في استيعاب مخرجات الحوار الوطني والحوار المجتمعي في مسودة وثيقة الخطة الثالثة ووضعها بين أيديكم وبالرغم من هذا الجهد المتميز إلا أن هذه الوثيقة تتطلب من مجلسكم العمل على مراجعتها في ضوء مخرجات الحوار الوطني للاستوثاق من استيعاب هذه المخرجات، كما أوجه بأن تعمد الأمانة العامة للتخطيط الاسترايتجي لاستيعاب هذه المخرجات ضمن وثيقة الخطة ربع القرنية الممتدة حتى 2030م مع التأكد من استصحابها للمستجدات في الساحة العالمية
والإقليمية ونحن نستشرف غداً مشرقاً في ضوء خروج بلادنا من حالة التحديات إلى حالة الفرص الإيجابية لإنجاز برامجها التنموية.

الإخوة والأخوات أعضاء المجلس :
إن جسدت مخرجات الحوار الوطني محور ارتكاز للخطة الاستراتيجية الثالثة فإن مخرجات مؤتمر تقويم الحكم اللامركزي تمثل أيضاً أحد مرجعيات هذه الخطة، وحرصاً منها على تمكين الحكم المحلي؛ فقد عمدنا خلال المراحل السابقة من تخطيطنا على ترسيخ مبادئ وأسس وممارسة وثقافة الحكم الاتحادي، ونتابع بكثير من الرضا تطوير أداء الولايات تخطيطاً وتنفيذاً، وهناك بعض من الإخوة الولاة أصحاب مبادرات حققت طفرات في ولاياتهم؛ مما يبعث الثقة في سلامة المنهج ووضوح المقصد، وأصبحنا – بحمد الله – نمتلك نماذج يمكن أن تكون هادية للولاة الآخرين؛ ونترقب في المقابل أن نرى نماذج هادية على مستوى المحليات، فواجبنا في المرحلة المقبلة هو تمكين الحكم المحلي وأجهزته لممارسة سلطاتها وفاءً لما توافقنا عليه في مؤتمر تقويم تجربة الحكم اللامركزي الأخير.

الإخوة والأخوات أعضاء المجلس :
لقد واجهت بلادنا تحديات معقدة خلال مسيرتها؛ ورغم ذلك فإن واقع أدائنا في الدولة قد حقق نجاحات مقدرة ومتعاظمة في بعض القطاعات؛ وذلك من خلال برامج مستمدة من تخطيطنا الاستراتيجي أتت أكلها؛ وفرت لبلادنا قدرة المحافظة على أمنها واستقرارها وصيانة سيادتها وتحقيق قدر من النمو الاقتصادي وامتلاك
المقدرة على الاستمرار النسبي في إنفاذ مخططات التنمية في جميع مجالاتها وفق إصلاح هيكلي لاقتصادنا القومي وجد الإرادة السياسية المساندة له والرضى المجتمعي الداعم له.
إن التحديات التي واجهتنا وقاسينا من تبعاتها وتجاوزنا معظمها زادتنا يقيناً بأن الله سبحانه وتعالى ناظر إلى بلادنا بعين الرحمة والعناية؛ فله المنة والحمد والشكر من قبل ومن بعد، والشكر واجب مستحق من بعد ذلك إلى شعبنا الأبي الذي أدرك المسؤولية وتحمل العبء صبراً ومصابرة؛ بل أشاع قيم التكافل الاجتماعي ورعاية الأسر الضعيفة وهي قيم تعلي من نوازع الخير والتعاون في مجتمعنا؛ بما يؤكد أصالته ونبله، ومن حق شعبنا علينا أن نثابر في رفع المعاناة عن كاهله وتخفيف المعاناة في معيشته، وتمثل الخطة الثالثة
المرتقب إجازتها من مجلسكم؛ منطلقاً مركزياً لتحقيق هذه الغايات.

الإخوة والأخوات أعضاء المجلس :
إن إمعانكم النظر في هذه الخطة الثالثة ينبغي أن يستصحب تحقيقها لغايات بعينها تستشف روحها من تحقيق أماني بلادنا في التنمية؛ تتمثل في :
أولاً: مدى استكمال هذه الخطة لجهود وسياسات تأهيل الاقتصاد الكلي وبما يحقق المواءمة ما بين الحرية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
ثانياً: اعتماد سياسة زيادة الإنتاج والإنتاجية في قطاعات الاقتصاد الرئيسية ورفع قدرات المنتجين وكفاءتهم الإنتاجية وفق منظور إدارة مستدامة للموارد؛ وصولاً لقدرات إنتاجية متنامية وفق مواصفات عالية
الجودة.
ثالثاً: اعتماد منظور التنمية من أجل معاش الناس وفق توجه لمشروعات تنموية لرفع المستوى المعيشي للمواطن بما يكفل الحد الضروري من المطلوبات الحياتية في السلع والخدمات وجعلها ميسرة لفئات المجتمع.
إننا نسعى جاهدين لرفع المعاناة عن كاهل شعبنا وتخفيف حدة الغلاء في المعيشة؛ بل تحقيق آماله وتطلعاته في مجتمع الكفاية والعدل، ونسأل الله في ذلك التوفيق وأن يفتح علينا بركاته وأن يلهمنا الحكمة والرؤية الصائبة لتتسارع خطانا لبناء نهضتنا الشاملة بإذنه تعالى؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
(رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

الخرطوم 5-6-2017م (سونا)