عثمان ميرغني

تنميط الدين!


كل أسبوع تمزقني الحسرة عندما أهم بدخول المسجد لصلاة الجمعة.. خطيب يعتلي المنبر ليعيد علينا دروس سنة أولى ابتدائي.. ومصلون يظنون أن الحكمة من صلاة الجمعة هي )البحلقة( في الخطيب إلى أن يصل )ولذكر الله أكبر( فيقومون بتثاؤب ليركعوا ركعتين.. ثم يتزاحمون في باب الخروج كل يريد أن يسبق الآخرين في الخروج من المسجد.
نحن نظلم الإسلام بمثل هذه الطقوس التي تفرغ العبادة من حكمتها، وتحولها إلى مجرد عادات وتقاليد تؤدى بمنتهى العفوية والـ )لا( تفكير.

سؤال يحيرني؛ من قال إن خطيب الجمعة لا بد أن يكون خريج كلية الشريعة أو ما جاورها؟، لماذا لا يصعد المنبر طبيب ليحدث الناس عن الكوليرا، وكيف يتجنبوها؟، أو ضابط بلباس الجيش يكلم الناس عن التضحية من أجل الوطن، والدفاع عن الأرض والعرض والشرف الوطني.. ويقول للمصلين إن العسكرية تبدأ من هنا.. من المسجد.. فما الحركات الجماعية التي تؤدي بها الشعائر إلا ضرب من )التربية العسكرية(، التي تربي الناس على الانضباط، وترقية الإحساس بالفعل الجماعي المنظم.. أو عامل ميكانيكي يلبس )الأوبرول(، ويحدث الناس عن )أن الله يحب إذا عمل أحكم عملاً أن يتقنه..(.. أو معلم في مدرسة ليشرح للناس كيف يستذكرون الدروس مع أطفالهم.

لماذا لا يصعد المنبر إلا صاحب لحية يلبس جلباباً أبيض؟، أليس ذلك )تنميط( للدين؟، وتضييق لمفاهيمه.. من قال إن منابر المساجد حكر لخريجي كليات الشريعة؟.
الإسلام دين يرفع من شأن العمل مهما كان، ويعده عبادة، وإتقانه تقربا إلى الله، ولرب جندي شرطي يساهر الليل كله في سيارة )النجدة( يحفظ أمن الناس أفضل عند الله من عابد يتلو ويصلي الليل حتى الفجر.
لكن مثل هذه المعاني لن يدركها الناس ما دام أن خطباء الجمعة يصرّون أن الدين هو في )كتاب الدين( المدرسي.. الذي يكررون قصصه بمنتهى الـ )لا( وعي.

الإسلام دين )عالمي( و)علمي( و)عملي(.. يحضّ على التنافس في اعمار الدنيا.. ويرفع من قيم الإحسان في العمل، وحسن التعامل مع الآخر )الدين المعاملة(.. لكن تخلفنا في فهم مقاصد الإسلام هو الذي يجعلنا نظن أن الدين طلاق للدنيا.. فتكون النتيجة أن يكتشف ويصنع لنا الآخرون الدواء والملابس والطعام، بل حتى أدوات الصلاة )المايكرفون والإضاءة وغيرها(.. ونظل نحن أمة متخلفة تتسقط فتات الأمم.
في كل أسبوع يجتمع ملايين السودانيين ليسمعوا خطبة الجمعة.. أشبه بـ )مؤتمر عام( يجمع عضوية البلد.. )52( مؤتمراً على مدار العام بدلاً عن “مؤتمر عام” واحد كل أربع سنوات للأحزاب السياسية.. بالله لماذا لا نستثمر هذا )المؤتمر العام( الأسبوعي لصناعة أمة عاملة، هادرة مثل السيول المتدفقة في مختلف ضروب الحياة، ترضي الله بالعمل لا بالكسل والتواكل، وتَصّنع الزهد، والتخلف.
الإصلاح يبدأ بإلغاء وزارة الإرشاد والأوقاف.. فتتحول المساجد إلى وزارة التربية والتعليم.. وأما )الأوقاف( فتتحول إلى السلطة القضائية مثل “تسجيلات الأراضي”.

حديث المدينة – عثمان ميرغني‏
صحيفة التيار


‫4 تعليقات

  1. شكرا يا باشمهندس رمضان كريم وكل عام وانتم بخير
    المساجد يمكن ان تحل مشاكل معاصره.
    الشاعر عبد الحليم سر الختم قال في قصيدته عطلو نصف المساجد وحولوها الي ملاجئ…. نعم ملاجئ للاطفال المتشردين. لماذا يكون لكل حاره مسجد خاص والغرض من الجوامع جمع الناس لا تفرقهم لماذا لا يكون هناك مسجد واحد او اثنين في كل حي ونحول الباقي الي ملاجئ !!!

  2. وسط هذه الاعباء الحياتية والمشادات الثقافية داخل هذا المجتمع الصغير ، يزداد الوهن على وهن ، والمساجد بيوت الله لها دور عميق في الدعم النفسي والاسناد الاجتماعي ،كم أتوق لزيارة بيت الله لاتحددث الى عالم يبدد حيرتي واغترابي فاعاود زيارته مع ابنائي بحريتي دون ان اواجه اي نوع من الاستقطاب الحزبي او الحجر على حرية تفكيري ،، حقا امر بجانب المسجد واتوق لدوره الفاعل في حياتنا

  3. يعني إذا خطب بك يوم الجمعة القادمة طبيب أو مهندس أو عسكري أو عامل نظافة أو ……إلخ
    هل إذا حدث هذا ستتقدم وستتحضر وتصبح أمة راقية ؟!!

    *ثانياً* هذا دين ويوم الجمعة لتوعية الناس بأمور دينهم ، ثم إن الخطباء العلماء الفاهمون للدين يتكلمون في كل المجالات التي ذكرتها ، ولا نحتاج لأن يأتي سياسي أو عسكري أو طبيب يخطب بنا في المنبر يوم الجمعة ؛ لأن المنبر شيء والتلفاز والقنوات شيء آخر .

    *ثالثاً* من قال لك إن كل الخطباء يخطبون نفس الخطبة منذ 14 قرنا ؟
    إذا كان هذا يحدث في حارتك فأخبرنا أين تسكن لنرى من هو هذا الخطيب العجيب !!!

    *رابعاً* خطبة الجمعة تكون للعالم بالدين وليست لطبيب أو مهندس أو عسكري أو غيره لأن أغلب هؤلاء يكونون كالعامة في أمور الدين ، فكيف لجاهل أن يأتي ويخطب بالناس في هذا اليوم العظيم وهذه الشعيرة العظيمة .

    *خامساً* إذا تأملنا جيداً فإن كل هذه المجالات التي ذكرتها موجودة في الآيات والأحاديث أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ( آيات وأحاديث الخشوع – حديث من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم – آيات وأحاديث الأمانة – النظافة – الإلتزام بالمواعيد – عدم الغش – آيات وأحاديث الجهاد – عدم إيذاء المسلمين بأي شكل من الأشكال – أهمية الوقت وعدم تضييعه – …….إلخ )
    ألم تسمع هذه الآيات والأحاديث في خطبة جمعة من قبل ؟!!!
    أم أن الخطيب يذكرها وأنت في غفلة عنه (تبحلق) إليه وأنت في عالم آخر ؟!!
    إذا كان الأمر كذلك فابدأ بنفسك وأصلحها ولا تنتقل للآخرين حتى يصلح حالك .

    *سادساً* أما موضوع أن الخطيب بلحية فإن الخطيب في مقام قام فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فيجب أن يمثله أفضل تمثيل ، أما إن أردتَ يأتي شخص يلبس الجينز ليخطب بالناس فلا أظن عاقلاً يوافقك الرأي في مثل هذا الكلام ، وإن كان لا يعجبك شكل الخطيب بلحية وجلباب فراجع نفسك واستغفر .

  4. لا فض الله فوك ي فاعل خير ،، فقد قلت ووفيت وذكرت كل ما في نفسي فلا داعي للتكرار ،، فنأمل من الكاتب ان يذهب الى مساجد اخرى ليرى كيف خطيب المساجد يهز المنبر هز وفي كل المجالات ،، فليرينا مسجده فلعل من الخطباء القداماء الذين يحملون الكتب الصفراء منذ القرن العاشر ،،، وهذا اكيد لا يوجد في أغلب خطباء العالم . فنأمل من الكاتب الا يعمم مسجد على كل الخطباء .