تحقيقات وتقارير

رفع العقوبات عن السودان.. جرد حساب

الناظر للأوضاع بموضوعية وإنصاف، يجد ان السودان قد حظي بالفعل بخطوات استراتيجية ضخمة نحو توحيد الإرادة السياسية الوطنية والدبلوماسية، لتثبيت الدعائم المشتركة وتقوية اعمدة الالتقاء والتوافق بين مكوناته المختلفة،

بغية الوصول بخطوات رشيقة حول ما يدور وسطنا من دول تسعى لخلق ازدواجية في المعايير بشأن الاشتراطات الامريكية الاخيرة لرفع العقوبات كلياً عن الخرطوم التي عاشت أوقات صعيبة وقاسية شهدت مدى الحرمان والعصف الدولي الذي فرض عليها، بسبب بعض الشعارات وبعض الصور المجازية التي ألحقت باسم السودان لعنة (الارهاب) وتداعياته المميتة والخانقة. ومن المؤكد ان يجد المتابع ان السودان قد اختط لنفسه استراتيجية لرفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية أحادية الجانب عنه، وقد تسفر بالفعل هذه الاستراتيجية عن صدور أمر تنفيذي برفعها، فإنه وبالتزامن مع تلك الاستراتيجية اختط استراتيجية موازية يضمن بها رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب. بيد إن السودان يعد نفسه قبلاً بإنه لم يكن داعماً للارهاب في يوم من الايام، فيما مازالت المعايير التي استندت إليها الولايات المتحدة الامريكية في وضع اسم السودان على هذه القائمة محل شكوك ومغالطات دائمة.
العلاقات مع الجنوب
لعل واحدة من أهم النقاط التي أثارتها الادارة الامريكية في شروطها الخمسة هي ان يكون للسودان سهم كبير في التحول الديمقراطي وعودة الحياة لطبيعتها في دولة الجنوب حديثة التكوين جراء انفجار الاوضاع هناك بصورة كادت تجعل جنوب السودان منطقة أزمة خلاقة. فانتشار الحروب الأهلية أودت بحياة الآلاف من الجنوبيين وتفشت المجاعة بصورة أضحت تحدياً كبيراً لجهود الامم المتحدة في انقاذ ما تبقى من الجنوبيين. لذلك كله ترى واشنطن أن السودان باستطاعته أن يلعب دوراً كبيراً يسارع في ايجاد الحلول للأزمة هناك. وقد اجتهد السودان كثيراً عقب أن قام بفتح المعابر لإيصال المساعدات الانسانية الدولية والاقليمية والمحلية لانقاذ الشعب الجنوبي من المجاعة وتفشي الامراض ووقف نزيف الدم الذي ضرب جميع أنحاء البلاد. ولعبت الدبلوماسية دوراً كبيراً في هذا الجانب، إذ استضافت الخارجية منظمات أمريكية تنشط في المجال الانساني ووقفت على مساعدة ودعم السودان للمساعدات الانسانية والجهد الدولي لإخراج السودان من الضائقة الانسانية الحرجة التي يمر بها. مما يشير إلى أن هذا الجانب وهذا الشرط بإمكان السودان أن يكسبه لصالحه إذا لم تدخل عوامل أخرى إقليمية ودولية.
محاربة الإرهاب
ولعل أوضح دليل على ان السودان لا يدعم الارهاب ما نشره موقع (Cipher Briep) الأمريكي في الحادي عشر من شهر مايو 2017 بحسب موقع (سودان سفاري) الذي أورد أن الموقع نشر مقالاً تحليلياً حول (السودان وموقعه في خريطة رعاية الارهاب). المقال تناول التقديم الذي أحرزه السودان في مجال مكافحة الارهاب وفق تقارير الخارجية الامريكية. واهم ما في المقال التحليلي الذي يدعم عدم رعاية السودان للإرهاب ما شهد به اثنان من الخبراء الأمريكيين المختصين في الشأن السوداني، وكان لهما تأثير واضح في صناعة القرار في واشنطن وهما (البرتو فيردنادز) و (فيليب كارتر). فيليب كارتر قال في شهادته (إن الارهاب في السودان كان دائماً يشكل تحدياً، ليس بسبب الوجود الفعلي للإرهابيين، كما ليس بسبب مرور الإرهابيين، ولكن بسبب تسهيل السودان للدعم المادي للمجموعات الإرهابية، ولكن السودان ـ يضيف فيليب كارترــ بدأ في الآونة الأخيرة يصدر قوانين ويقوم بإجراءات تكافح تمويل الارهاب وغسيل الأموال، بدليل قيام غرفة العمل المالي الدولي قبل نحو عام بإخراجه من قائمتها السوداء، بما يدل على قيام السودان بجهد واضح في مكافحة تمويل الارهاب. وهذه الشهادة تثبت بجلاء ان السودان لا يدعم الارهاب ولا يستضيف مجموعات إرهابية، وقام بجهد واضح لمنع الدعم المادي ومرور الأموال حتى أخرجته الغرفة المالية الدولية من قائمتها السوداء. فيليب كارتر أشار ايضاً إلى ان الأساس الذي تم بموجبه الشروع في رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان هي المسارات الخمسة المتمثلة فى مكافحة جيش الرب، وهي مهمة انتهت فعلياً، والمسار الثاني في جنوب السودان الذي بذل السودان وإثيوبيا فيه جهوداً ملموسة، والمسار الثالث وصول المساعدات الانسانية والسودان يبذل فيه جهداً ايجابياً، والمسار الرابع متعلق بالعنف في اقليم دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان.
إيران والسعودية
وأما المسار الآخر فهو علاقات حسن الجوار والمساعدة في حل الأزمات التي تحيط بالدول الاخرى، والذي بدا واضحاً جهد السودان فيه وتطبيع علاقاته مع جيرانه والتركيز على التنمية والتحديات الاقتصادية، كما أشار فيليب إلى ان السودان قطع علاقاته مع إيران ومليشيات حزب الله وقويت علاقاته بالسعودية ودول الخليج، وان علاقة السودان بالسعودية والخليج جاءت خصماً على علاقاته بإيران. ويخلص فيليب كارتر إلى ان السودانيين يشعرون بصفة عامة بأنهم أوفوا بالتزاماتهم وقاموا بما هو مطلوب، ولكن مازالت هناك صراعات في دارفور والمنطقتين، ولذا يجب تخفيف العقوبات ومتابعة التحسن والتقدم الذي يحرزه السودان، كما يجب الأخذ في الاعتبار قرار الغرفة المالية الدولية (مقرها باريس) التى أزالت السودان من القائمة السوداء. وتوقع فيليب ان يتخذ الرئيس الأمريكي (ترامب) سياسة متدرجة تجاه السودان ابتداءً من يوليو القادم. ووفقاً لهذه الافادات التي قيلت من قبل محللين أمريكان فإن ذلك يعكس بجلاء الصورة المرتقبة للسودان في مقابل العقوبات الامريكية. وهل نجح حقاً في فرض صورة وواقع جديد من خلال استراتيجية عميقة وعملية وجادة، لتفادي العقوبات الاقتصادية والبقاء في القائمة السوداء؟ فهل رفع اسم السودان من قائمة الارهاب واجتياز المطبات الخمسة المبقية على العقوبات الامريكية، وعبر تلك الاستراتيجية قد أوفت ما هو مطلوب منه؟ أم أن ما يخشاه السودان يظل فرضاً محتملاً رغم تقارب الزمن والميعاد المفروض؟ أم ان الأمر سيبقى كله رهيناً بالسياسة التي تتبعها الإدارة الامريكية في التعامل مع الدول الاخرى.
تحديات أزمة الخليج
تفاصيل أزمة الخليج وموقف السودان منها هل يكون له الأثر في رفع العقوبات الامريكية؟ أم أن الأمر يعتبر عارضاً وسيزول دون أن يكون له أثر في تعاملات السودان مع الادارة الامريكية التي غير بعيدة من تلك الأزمة، بل أن بعض الأصابع تشير لزيارة ترامب الأخيرة للسعودية بالأزمة التي تعيشها دول الخليج بالاشارة لدولة قطر بأنها وراء دعم الارهاب. وبعض هذه التقاطعات نضعه هنا لعلاقة قطر المتينة بالسودان، إذ إنها لها موقف لن تنساه الحكومة السودانية التي وجدتها في الوقت الذي لم تجد فيه الآخرين بما فيهم المملكة العربية السعودية التي اقتربت من الملف السوداني أخيراً عقب أن قاطع السودان إيران وحلفاءها في المنطقة، وبصم بكامل قوته في الاحلاف التي تكونت في المنطقة بزعامة المملكة العربية السعودية. ولكن السعودية التي فتحت أبوابها مشرعة للسودان في علاقاتها الخارجية وفي دعم الموقف السوداني بالخارج، يشار إليها بأن ما قدمته للسودان خلال هذه الفترة الوجيزة كان له الاثر البالغ في تعاملاته الدولية، إذ برز على الساحة رفع العقوبات الامريكية مؤقتاً، وكان هذا بحسب متابعين يحسب للمملكة العربية السعودية، كما أن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب بدأت تلعب فيه المملكة العربية السعودية بجهود وافرة، وقد قاربت على إتمام هذه المهمة فيما مازالت المهلة الامريكية الملزمة لرفع العقوبات كلياً عن السودان لم تنقضِ بعد مما يجعل سيناريو رفع العقوبات عن السودان أمراً واقع الصدور وغير مستبعد لدرجة الرضاء الامريكي عن موقفه مما يجري في المنطقة، وتلعب فيه المملكة العربية السعودية دوراً بارزاً، وهو في الواقع وفقاً لبعض الآراء التي تحصلت عليها (الإنتباهة) تجد حيالها السعودية دعماً قوياً من الادارة الامريكية التي لا تنفصل عما يجري في اليمن ومنطقة الشرق الأوسط كله. ويأتي هذا وقد أشار بعض المحللين إلى ضرورة أن يتبع السودان سياسة واضحة المعالم خلال هذه الأزمة في لملمة أطراف الأزمة ودفعها لمحاولة إيجاد حلول للقضية، قبل أن تتشعب وتتجاوز كل الجهود المحلية لتضيع معها أحلام الواقع العربي ويفقد السودان موقفه الحيادي كما فقده في أزمة الخليج الأولى، ليظل ما نعيشه اليوم نتاج تلك المرحلة من تاريخ السودان.
تحول كبير ولكن
وحول التزام السودان بمخرجات الحوار الوطني وتكوينه لحكومة الوفاق الوطني كخطوة في إنفاذ تلك المخرجات، ويمثل هذا التزاماً بالعهود التي قطعها أمام المجتمع الدولي، وعما أن تكون خطوة في طريق رفع العقوبات الاقتصادية عنه يقول د.السر محمد علي لـ(الإنتباهة): إننا إذا قمنا بنظرة فاحصة الى حكومة الوفاق الجديدة والتى ضمت 31 وزيراً مركزياً و 42 ووزير دولة ــ تعطيك قراءة سياسية استراتيجية عن الدرجة التى وصلها في تقارب رؤاهم وتوافقهم لاستقبال الخطوة الأهم، وهي رفع اسم السودان من القائمة وتجييره من العقوبات الامريكية الظالمة. فالتشكيل الجديد لم يتجاوز دارفور، وقد أعطاها اهتماماً كبيراً، وهذا الأمر يتماشى مع الشروط الامريكية لرفع العقوبات نهائياً عن السودان، حيث دعت الشروط إلى الاهتمام بدارفور والعمل على وقف الحرب فيها. إذن من الناحية الاستراتيجية فإن اقليم دارفور قد تم منحه ما يمكن ان نصفه بالتمييز الايجابي، مما يعد خطوة صحيحة ومعتبرة. إذن هي مرحلة تحول استراتيجي كبير نحو حكومة تتمتع بقاعدة شعبية واسعة وتمثل السودان الكبير. وبهذا يكون السودان قد خطا خطوات جبارة نحو استحقاق رفع العقوبات النهائي عنه وفقاً لدوافع الاستحقاق والشروط الخمسة التي من ضمنها العمل على وقف الحرب والعمل على الاستقرار السياسي باقليم دارفور وكامل البلاد. ورغم أن ملف المنطقتين مازال يمثل هاجساً كبيراً في الجانب القومي، إلا أن الحكومة مازالت تنتظر الردود الإقليمية وإشارة الوسيط الافريقي الذي بدأ الاتصال بالاطراف المختلفة، غير أن بعض الظروف التي يعيشها الجانب الآخر هو ما أجل انطلاق مفاوضات أديس حول المنطقتين في وقت أبدت فيه الحكومة تنازلاً كبيراً تجاوزت به موقفها الثابت في الكيفية التي أرتأتها المنظمات الإنسانية لتوصيل الإغاثة للمناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة، وقد كانت من قبل تمثل حجر عثرة أمام مفاوضات المنطقتين.
مشاركة فاعلة
ومن الأهمية بمكان أن مشاركة السودان في الاحلاف التي أنشأتها المملكة العربية السعودية مثل اعادة الشرعية في اليمن بمشاركة فاعلة أثبت من خلالها درجة التحول القصوى التي بدأها السودان في التعامل مع القضايا الكبرى في محاربة الإرهاب بوضع يده على الجهود الدولية. وقد شهدت له دول الحلف وراعيتها الولايات المتحدة الامريكية التي باركت الخطوة، بل وساهمت في توجيه ضربات للجانب الآخر الذي تقوده ايران حيال أزمة المساعدات الانسانية التي ظلت تحاربها طهران. وهذه الخطوة وفقاً لدكتور أبو بكر آدم فإنها ستصب في اتجاه رفع العقوبات لو أن السودان استطاع أن يطرق عليها باستمرار وإسماع صوته للعالم الآخر الذي يقف من وراء الحجب ويطلق أذنيه للافادات الاعلامية وما تنقله الدوائر الاخرى. والسودان قدم في هذه الحرب خيرة أبنائه الذين دفع بهم في تلك الاصقاع لأجل مهمة وطنية في المقام الأول، ولا ينبغي أن يضيع هذا الجهد عبثاً، إذ أن كل هذه المعطيات تشير بجلاء إلى اقتراب أن ينال السودان الاستحقاق الكامل في إنجاز الشروط الدولية ــ الامريكية ــ فالقرار احادي، ورغم ذلك تنشط دوائر كثيرة ذات أجندة خاصة، غير مستوفية شروط النظر في مثل هذا الأمر، تنادي بالابقاء على العقوبات على السودان، وتحاول الاستثمار في مثل هذه الأجواء والظروف التي تمر بها البلاد. فهل سيتجاوز السودان محنته ويعمل على توجيه سهامه من ذات القوس التي التقط بها القفاز وتداعى لمحاربة أعدائه؟ أم أن تلك العزيمة ستنهد وتغور ويظل العقاب في عدم رفع العقوبات هو الجواب الذي سيتحصل عليه السودان في ختام الأشهر السبعة؟؟

الانتباهة

‫2 تعليقات

  1. ماذا إستفاد السودان من العقوبات المفروضة عليه مقارنة بحال اليابان بعد الحرب العالمية الثانية ؟

    1. استفاد السودان وهو الكيزان كشو وبدأو ينسحبو شويه شويه زي المويه السخنه لمن تنظف بيها كرشه الخروف.بعدين النيفه عندها شغل تاني كدا اصبر حبه