حمد الريح : أنا بخير وشكراً للمواقف التي تُظهِر معدن الرجال .. لا غضاضة في ترديد الشباب أغنياتي
أنا بخير وشكراً للمواقف التي تُظهِر معدن الرجال
أزمة الكرة كان يمكن حلُّها بقليل من الحكمة
حزنتُ لإقصاء هلال الأبيض والزعيم
افتقدتُ ناجي القدسي وأمتلك أكثر من (20) أغنية جديدة
الكثيرون صنَّفوا أغنياتي سياسياً والمفردة الرمزية لغة العصر
لا غضاضة في ترديد الشباب أغنياتي
لهذا السبب أوقف جعفر نميري أغنية الساقية
عشرون عاماً عمر العلاقة التي جمعتني بالفنان القامة حمد الريح، ومن الأشياء الغريبة أنه طيلة هذه الفترة لم تسمح لي الظروف أن أجلس معه وأحاوره في الشأن الفني، فكلما أحدد موعداً تاتي الرياح بغير ما نشتهي، وكنت دائماً أداعبه بأنني سأذبح “ديك ” أسود حتى يفك العارض الذي حال بيني وبين محاورته.
بعد عشرين عاماً هيأت لي الأقدار أن أجلس إلى الفنان الكبير حمد الريح وهو على فراش المرض في زيارتي الأخيرة له بمنزله العامر بضاحية بري وجلست معه لساعات استعدنا فيها الكثير من الذكريات التي أعادته إلى زمن مضى.
*أستاذ حمد ألف حمداً لله على السلامة، ونود أن نطمئن كل أفراد الشعب السوداني على صحتك وجمهورك على وجه الخصوص؟
– بداية أشكر صحيفة “الصيحة” ممثلة في شخصك أخي السقا وأنا سعيد بهذه الزيارة، وعبركم أود أن أطمئن كل أفراد الشعب السوداني أنني بخير، وفي أتم الصحة والعافية، وتماثلت للشفاء والآن في فترة نقاهة.
ـ هذه الوعكة التي ألمت بك أثبتت بصدق مدى مكانة حمد الريح في قلوب الجماهير؟
أصدقك القول إن ما ألمّ بي من مرض أثبت بالدليل القاطع مدى أهمية الفنان حمد الريح، فقد حظيت باهتمام خاص من أعلى سلطة في الدولة ممثلة في السيد رئيس الجمهورية، وأفراد حكومته، الذين ظلوا في زيارات متكررة، هذا بجانب كل قطاعات المجتمع من سياسيين ورياضيين ورموز عاودوني، ولن أنسى وقفة الجمهور، ولا أبالغ إذا قلت لك في ظرف أسبوع واحد استقبل جوالي ابنتي أكثر من 35 ألف مكالمة، وأنا بدوري أشكر كل أفراد الشعب السوداني على المستوى الرسمي والشعبي على وقفتهم بجانبي في هذه الوعكة .
*وزارة الصحة بولاية الخرطوم بادرت بتبني أمر علاجك ماذا تقول؟
– أشكر البروفسور مامون حميدة وزير الصحة بولاية الخرطوم الذي اتصل بي من العاصمة البريطانية ليطمئن على صحتي وبادر بتبني علاجي في إحدى مستشفياته، وهذا أمر ليس بغريب على رجل عرف بإنسانيته كما لا يفوتني أن أشكر وزارة الثقافة والإعلام بولاية الخرطوم.
* كيف استقبلت شائعة وفاتك التي انطلقت في الأسافير؟
– إنه لأمر مؤسف، وهذا الأمر لا يشبه الشعب السوداني، ولا يصدر إلا من شخص مريض، فشكراً للمواقف التي تظهر معدن الرجال .
*الفنان رجل استثنائي رغم الظروف القاسية التي يمر بها من مرض وأزمات، إلا أنه يتجاوز كل ذلك ولا ينفصل عن المجتمع المحيط به أثناء مرضك مرت أحداث كثيرة منها المؤلم ومنها المفرح؟
– بكل تأكيد الفنان جزء لا يتجزأ من الواقع ورغم ظروفه يجد نفسه مرغماً، جزء من تفاصيل الحياة اليومية أثناء تواجدي بالمستشفي مرت الكثير من الأحداث التي تأسفت لها بشدة أهمها تعليق نشاط كرة القدم بالسودان، إنه لأمر مؤسف كان من الممكن أن يعالج بشيء من الحكمة، لأن لهذا القرار مآلات كثيرة تلحق الضرر بالأندية المشاركة في البطولات الأفريقية وقلبي مع هلال الأبيض وعرابه مولانا أحمد هارون الرجل الذي تربطني به علاقات كبيرة فبالله عليكم انظروا لحجم الخسائر الفادحة التي تعرض لها نادي هلال الأبيض وانظروا للخسائر التي تعرض لها نادي المريخ .
*على ذكر نادي المريخ الكثيرون يصنفونك أحمر الهوى؟
– لا يوجد شك في ذلك، فأنا أحد الذين لعبوا لنادي المريخ في فترة من الفترات، وعشقي للأحمر الوهاج يعلمه القاصي والداني، ومع كامل احترامي للند التقليدي فريق الهلال الذي احظى بحب خاص من جماهيره، وقبل قليل كنت ضيفاً على فضائية الهلال التي أجرت معي إفادة وأتمنى لهم التوفيق .
*ظهورك الأخير في برنامج أغاني وأغاني كنا نتوقع أن تظهر ببعض الأعمال الجديدة؟
– طبيعة البرنامج هي التي فرضت ذلك، وأحب أن أؤكد أنني أمتلك أكثر من عشرين أغنية جديدة منها من رأى النور ولم يجد حظه في الانتشار ومنها ما لم أقُم بتقديمه.
*لماذا لم تجد حظها في الانتشار؟
– لم تسجل بصورة رسمية بل سجلتها برامجياً، وبالتالي لم تجد حظها من البث بصورة مستمرة، وفي مقبل الأيام سأعمل على تسجيلها.
*أغنية فاكرك للشاعر عبد العظيم أكول من الأغنيات الجديدة والكبيرة التي جمعتك بالملحن محمد عبد القادر أين هذه الأغنية؟
هي واحدة من الأغنيات المظلومة، قمت بتسجيلها في شريط كاسيت من إنتاج شركة سارة، وقد صادف ذلك انهيار سوق الكاست، كما سجلتها في التلفزيون القومي في أحد البرامج غير أنها لا تجد حظها من البث، وتجربتي مع الأخ محمد عبد القادر تجربة كبيرة أمتدت لأكثر من عشر أغنيات لشعراء مختلفين من بينهم مختار دفع الله وعبد العظيم أكول ومحمد عمر عبد القادر .
*ألا توافقني أنك افتقدت الملحن الكبير ناجي القدسي؟
– أوافقك بشدة، ناجي كان نسيج وحده لحّن لي معظم أغنياتي الكبيرة، يتمتع بحس موسيقي عالٍ وموهبة فطرية صقلها بالدراسة وأصوله اليمنية وتشبعه بالثقافة السودانية جعلت منه أسطورة في مجاله ويكفي أنه لحن الساقية.
*على ذكر الساقية رغم عمق وجمال هذه الأغنية إلا أنها سببت لك الكثير من المتاعب؟
– الساقية من الأغنيات الكبيرة التي تحمل في مضامينها بعض الدلالات الرمزية، وقد برع الشاعر الراحل عمر الطيب الدوش في كتابتها، ووضع لها ناجي القدسي لحناً فريداً، قدمت هذه الأغنية في عهد الرئيس نميري، وتم إيقافها أكثر من مرة ظناً أنها تعبر عن موقف سياسي، وقد زاد الطين بلة أن الشيوعيين حرفوا بعض الجمل اللحنية بقولهم يحيا الشعب راس نميري مطلب شعب، وصار لحن الساقية يستخدم كهتاف مناهض ضد نميري فتم إيقافها عن البث .
*من هذه الجزئية نفهم أنك استهويت المفردة الرمزية؟
– الرمزية هي إحدى مدارس الشعر الحديث، وأنا مع الرمزية المحببة وليس الرمزية التي تطمس المعنى إلى حد التعمية، وقد باتت المفردة الرمزية لغة العصر وبسبب لجوئي لهذا النمط من الغناء، الكثيرون صنفوا أغنياتي سياسياً مثلاً أغنية الزمن الصعب للشاعر عبد العظيم أكول.
الليلة مالك يا زمن
كترت فينا الاندهاش
بزيد عجائب كل يوم
والزهرة جافاها الفراش
حالتنا تغني عن السؤال
والدنيا غطاها الغباش
هذه الأغنية أوقفت عن البث لفترات ثم عادت مرة أخرى.
*سبق أن حذرت الكثير من الفنانين الشباب من ترديد أغنياتك بقولك أغنياتي خط أحمر؟
– أنا لست ضد ترديد الشباب لأغنياتي، ولكن أرفض أن تسجل بأصوات الشباب في وسائل الإعلام كلنا رددنا أغنيات الآخرين عندما كنا شباباً، ولكن في حدود المعقول حتى كونا شخصياتنا الفنية، ثم اعتمدنا على منتوجنا الخاص، فأغنيات الآخرين لا تصنع فناناً، وإنما الاجتهاد والمثابرة هي الطريق إلى النجاح .
* حديقة حمد الريح الفنية جمعت أزهاراً مختلفة من الشعراء والملحنين؟
– أنا مع التنوع لأن التنوع يثري التجربة الإبداعية وعلى الرغم من قدرتي على التلحين سبق أن لحنت أغنيات ناجحة جداً مثل إلى مسافرة للشاعر الراحل عثمان خالد إلا أنني تعاملت مع ملحنين آخرين من العيار الثقيل أمثال ناجي القدسي، وعبد اللطيف خضر، ويوسف السماني، وعمر الشاعر وأخيرًا محمد عبد القادر وصلاح إدريس.
*هذا التنوع ماذا أضاف إلى مسيرتك؟
– أضاف لي الكثير، أولاً تعاملت مع مدارس مختلفة سواء شعرية أو لحنية مما أعطى تجربتي نوعاً من التباين إضافة إلى أنني تعاملت مع أجيال مختلفة من الشعراء والملحنين ابتداء من عبد المنعم عبد الحي ومرورًا بالدوش والحلنقي وعبد الرحمن مكاوي ومختار دفع الله وعبد العظيم أكول .
*ما هي الأغنية التي يمكن أن تحس أنها عبرت عنك بصدق من حيث المكون البيئي؟
– هي بلا شك أغنية أرض الجزائر للشاعر سليمان عبد الجليل، هي الأغنية كتبت لتهجير أهالي حلفا إبان بناء السد العالي، وإذا ما تأملتها تجد أن مفرداتها تعبر بصدق عن جزيرة توتي وطيبة أهلها وناسها.
* تأثير جزيرة توتي في مشوارك الفني؟
– توتي شكلت بذرة الإبداع في داخلي وطيبة أهلها أحسها في الأغنيات الإنسانية التي تغنيت بها على شاكلة عم الزين للشاعر محجوب الحاج الذي سبق وأن غنيت له بنسمة العز من ألحان عبد اللطيف خضر، فأغنية عم الزين تشعر بأن الزين هذا كأنه أحد سكان مدينة توتي.
* كيف تقرأ واقع الساحة الفنية الآن؟
– هو بلا شك واقع مؤلم وبحاجة إلى مراجعة شاملة ولا أعفي الأجهزة الإعلامية من المسؤولية في زمننا كان المنبر الوحيد للإطلالة هو الإذاعة السودانية وكانت تتمتع بلجان تعمل بصرامة ولا تجامل في عملها، فكانت رقيباً على الوجدان السوداني وبالتالي خرجت عبرها كل هذه الأصوات المميزة، وكل صوت يمثل نسيج وحده، واليوم على الرغم من تعدد المنابر إلا أن المنتوج دون المستوى، لأن هذه المنابر ليست عليها رقابة، وبالتالي اختلط الحابل بالنابل .
* هل تعتقد أن قرار حل لجنتي النصوص والألحان بالإذاعة والتلفزيون كان وبالاً على الأغنية؟
– بلا شك، وأخطر ما فعله هذا القرار هو قطع حبل التواصل بين الأجيال، إضافة إلى أن معظم الأصوات الجديدة لجأت إلى الكاست كخيار، ومن المعروف أن الكاسيت يستوعب أي نمط من أنماط الغناء سواء كان جيداً أم لا، ومن هنا بدأت الكارثة.
حاوره معاوية السقا
صحيفة الصيحة