اقتصاد وأعمال

فك الأرصدة المجمدة … خطوة نحو الإصلاح الاقتصادي

القطاع المصرفي من أكثر القطاعات الاقتصادية التي تأثرت بالعقوبات الامريكية التي فرضت على البلاد منذ أواخر القرن العشرين، والتي حرمت البنوك السودانية من المعاملات المصرفية في تعاملها الخارجي، الأمر الذي أوقف عمليات التنمية ,

والمتعارف عليه ان نهضة البلاد تقوم على منظومة مصرفية فعاله قادرة على إحداث نهضة تنموية شاملة في التحويلات المصرفية الخارجية. وشهد مطلع العام الحالي بداية انفراج الأزمة بخطوات متسارعة بعد قرار رفع العقوبات الاقتصادية الجزئي. ولاشك ان عودة المعاملات التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية ستزيد من ارتفاع قيمة الجنيه السوداني وتعتبر البداية الفعلية لإنعاش الاقتصاد وتنشيط حركة التجارة إضافة الى تسهيل الاستثمارات الأمريكية في السودان.
فك تجميد الأرصدة
وفي خطوة متقدمة أعلن بنك السودان المركزي عن فك تجميد بعض الأرصدة الحكومية التي كانت مجمدة بسبب الحظر الأمريكي على البلاد، وقال محافظ البنك حازم عبدالقادر إن بعض الأرصدة تم فك الحظر عنها خلال الفترة الماضية. ودعا لدى اجتماعه بمديري المصارف، إلى مواصلة الاتصال بالبنوك العالمية لتنشيط المعاملات، وتقوية العلاقات المصرفية، وتهيئة البيئة الداخلية للمصارف، استعداداً لرفع الحظر الكلي عن البلاد في 12 أكتوبر المقبل. وقررت واشنطن في يناير الماضي، رفع العقوبات الاقتصادية بعد حصار دام 20 عاماً على خلفية دعاوى إيواء الإرهاب، غير أنها أرجأت رفع العقوبات كافة لمدة ستة شهور أخرى حتى يوليو الجاري، قبل أن يمددها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى أكتوبر. وأوضح المحافظ أن السياسة الجديدة التي تم انتهاجها العام الجاري المتعلقة بتمويل محصول القطن تقوم على تمويل شركات القطاع الخاص بدلاً من إدارات المشروعات المروية، مشيراً إلى أن الشركات تعاقدت مع المزارعين، وأشار لوقوفهم على بعض النماذج الناجحة بمشروع الجزيرة، مؤكداً أنها تجارب ناجحة للتمويل المصرفي، ودعا لأهمية التركيز على تمويل القطاعات الإنتاجية في إطار زيادة الإنتاج، كما أشار إلى ضرورة التزام المصارف بتخصيص نسبة الـ12% المخصصة للتمويل الأصغر. وقال محافظ المركزي، إن سياسة السماح للقطاع الخاص بشراء وتصدير الذهب أثبتت نجاحها في الحد من التهريب بنسبة كبيرة، ما جعل البنك المركزي يراجعها لإعطاء القطاع الخاص مرونة وحرية أكبر في المجال لتوفير مزيد من الموارد للقطاع الخاص. وأعلن عن ضخ مبالغ من النقد الأجنبي للبنوك والصرافات تخصص للمواطنين بغرض مقابلة احتياجاتهم من السفر والسياحة والعلاج منذ شهر رمضان الماضي، موضحاً أن البنك المركزي سيواصل عملية الضخ بعد أن تم التأكد من عدم تسريبها وهروبها للسوق الموازية.
زيادة الصادرات السودانية
وفي سياق متصل، أكد المدير العام للوكالة الوطنية لتأمين وتمويل الصادرات أحمد بابكر أحمد أن الاستئناف الكامل للمعاملات المالية بين السودان والبنوك الدولية يدعم اتجاه الوكالة لزيادة الصادرات السودانية وانسيابها للأسواق العالمية ويسهل التحاويل المصرفية لمختلف دول العالم. وقال في تصريحات صحفية إن الوكالة مستعدة لتأمين حصائل الصادرات التي تدفع قيمتها بمختلف الوسائل خاصة الدفع الآجل بما في ذلك الاعتمادات المستندية، مضيفا ان الوكالة ومنذ بداية العام الحالي وفرت تغطيات تأمينية لحصائل الصادرات لمختلف السلع من السمسم وزيوت الطعام والصمغ العربي واللحوم والحيوانات الحية وغيرها، لعدة دول منها الصين وفرنسا والأردن والسعودية ودول العالم الاخرى. لافتاً الى أن الوكالة جددت مؤخرا اتفاقية إعادة تأمين حصائل الصادرات مع المؤسسة الإسلامية لتأمين الاستثمار وائتمان الصادرات التابعة للبنك الإسلامي بجدة. واضاف ان الوكالة قد حصلت على سقوفات كبيرة لمستوردي السلع السودانية وتشمل إعادة كل حصائل الصادرات خاصة الصمغ العربي والماشية. ورحب بابكر بقرار وزارة الزراعة في الولايات المتحدة بإضافة السودان لبرنامج ضمان ائتمان الصادرات. وقال إن هذا القرار له أثره في زيادة الصادرات بصورة مباشرة وغير مباشرة، كما يمكن البلاد من استيراد مدخلات الإنتاج ذات الجودة العالية للصناعة بغرض الصادر. وقال إن عودة السودان الى برنامج ائتمان الصادرات الأمريكي يتيح الفرصة أمام المصدرين السودانيين للتعامل المباشر مع مستوردي السلع الزراعية المطلوبة في السوق الاميركي مثل الصمغ العربي. وأن البرنامج يتيح كذلك للمصارف المحلية التعامل المباشر مع نظيراتها الأميركية في استيراد مدخلات الإنتاج والتقانات الزراعية والحيوانية التي تمثل قاطرة منتجات الصادرات السوداني.
دواعٍ اقتصادية
ويرى عدد من المراقبين والمتابعين للشأن الاقتصادي، ان قرار فك الأرصدة المجمدة خطوة جاءت برداً وسلاماً على اقتصاد السودان عامة والقطاعات المصرفية على وجه الخصوص. وقال الخبير الاقتصادي د. عبد الله الرمادي ظلننا كمحللين اقتصاديين نكرر ان كل الدلائل والمؤشرات تؤكد أن لا رجعة من الجانب الأمريكي فيما تم عند رفع الحظر في المجال الاقتصادي خاصة بعد مطالبة الإدارة الأمريكية تمديد الفترة الى 90 يوما أخرى للرفع النهائي لاسم السودان من قائمة الإرهاب، وأضاف في تقديري ان هذا ليس لدواعٍ اقتصادية وانما لأسباب داخلية تتعلق بالإدارة الأمريكية الجديدة التي لم تكمل بعض الشواغر، ولديها الكثير من الوظائف الهامة, وأصبحت الملفات ومن بينها ملف السودان تحتاج الى فرصة اضافية من الوقت حتى يتم التفرغ لها وتقديم تقارير في شأنها من قبل الموظفين المختصين. وقال القرار الأمريكي الذي صدر امس الأول بشأن فك الحظر عن الودائع المجمدة السودانية لزمن طويل والتي تؤكد ما ذهبنا له كمحللين، كان صحيحاً بانه لم يكن هناك تراجع وان الذي تم يعتبر خطوة الى الأمام بالاضافة الى ما تم رفعه قبل الستة اشهر. وقد قصدت الحكومة الأمريكية انه لا رجعة مما أصدرته لذلك ينبغي ان يكون مطمئناً .
الأثر الاقتصادي
وأشار د. الرمادي الذي تحدث الى (الصحيفة)، إلى الأثر الاقتصادي لفك التحويلات والتي وصفها بانها انفراج كبير من حيث انه يضيف الى أرصدة السودان من العملات الأجنبية, وان كل المبالغ التي حجزت لدى المصارف الأجنبية الخارجية والآن بإمكانها ان تستعمل لصالح السودان لتغطية جانب مهم من احتياجاتهم, وينبغي ان يكون لهذا اثر مباشر على خفض سعر الدولار في السوق الداخلية لأن المعروض من الدولار لدى الحكومة قد ازداد بحكم الودائع المجمدة، وعليه نتوفع انخفاض سعر الدولار في المرحلة القادمة, وان يضاف اليه الضغط الذي أحدثه الطلب عليه والريال السعودي بغرض الحج، والتي سوف ترد الى البلاد في الفترة القادمة مع قدوم الاسر المغتربة لقضاء عطلة العيد, كل هذا سيصب ايجابياً في حصيلة البلاد من العملات الصعبة.
تحويلات مضمونة
في ذات السياق قال الخبير والمحلل الاقتصادي هيثم فتحي الخبير إن فك التحويلات المصرفية ستفتح الباب واسعاً أمام المستثمرين والمتعاملين عبر الجهاز والقنوات الرسمية بتحويلات مضمونة بعمولات أقل باعتبار أن هذه التحويلات خالية من المخاطر التي كانت سبباً في توجس المتعاملين في القطاعات المصرفية والتجارية مع السودان، ويبرهن على قوله بأنه كل ما ارتفعت المخاطر ارتفعت قيمة التحويلات، وفي ذات الوقت أن السودان كان يعتمد في التحويلات على بنوك وسيطة، وقال (للصحيفة) أن التحويلات المباشرة تسهل العملية المصرفية وتساعد في هبوط أسعار النقد الأجنبي, متوقعا اعتماد البنك المركزي ووزارة المالية لسياسات جديدة تضمن تسهيل تدفقات النقد الأجنبي من وإلى السودان عبر الجهاز المصرفي بضمان جهات عالمية, وهذا يسهل العمليات التجارية والاستثمارية بكاملها. وأكد فتحي أن هذا الأمر يساعد في فك الأزمة الخاصة بالتحويلات الخارجية مع دول العالم، وسيفتح الباب لمزيد من التدفقات النقدية الخارجية وينعكس إيجاباً على سعر صرف العملات الأجنبية، لافتا أن انخفاض سعر الدولار في السوق الموازي بسبب التحسن الذي طرأ على العلاقات الأمريكية السودانية بعد رفع الحظر الاقتصادي . مشيرا الى قرار التمديد الجديد، وقال انه لم يضف قيوداً على الوضع القائم، حيث تضمنت الفقرات التي أكدت استمرار قرار يناير الماضي بالرفع الجزئي والذي وجه السلطات والأفراد والمؤسسات الأمريكية بالتعامل المباشر مع حكومة السودان خصوصاً التجارة, فيما يختص بالصادرات والواردات والتحويلات وجمع المعاملات المالية الأخرى.

الانتباهة