يقع على مساحة تقدر بحوالي (12) ألف متر مربع سوق أبوزيد.. عندما “تنام” السلطات و”تصحو” المخالفات
بسبب الفوضى.. تجار يهجرون محلاتهم وينتقلون إلى أماكن أخرى
تاجر: مخلفات (الكيري) تباع على عينك يا سلطات
مواطن: (اصبر لي ) و(الانقراص ) وجبات تشهد إقبالاً كبيراً
سوق أبوزيد يتبع لمحلية أمبدة.. هو منطقة تجارية لها وزن كبير من حيث الازدحام وتوفير مواقع العمل، يعود تاريخ إنشائه إلى ما قبل عشرين عاماً، وهو أكبر الأسواق حجماً ومن أوائلها في االمحلية، ويقع على مساحة تقدر بحوالي (12) ألف متر مربع، ويكتسب أهميته من الموقع المميز جنوب سوق ليبيا، ويشتمل على أكثر من (150) محلاً تجارياً، إلى جانب موقف مواصلات رئيسي، شهد هذا السوق خلال سنوات ماضية فترات مزدهرة لم يسبق لها مثيل، ولكن مع مرور الزمن بدأت حالته في التراجع، كما خرج منه معظم مستأجريه، وكذلك زبائنه مما أضعف حاله، وهناك مواطنون يشتكون خاصة من بقايا اللحوم (الكيري) والبيع غير المرشد، وما يمكن أن ينجر عنها من تلوث بيئي ، وبات أصحاب المحلات فيه يشكون حالهم ويبحثون عمن يستقبل همومهم ويقدم لهم الدواء الشافي .
استغلال الأرصفه
قامت (الصيحة) بجولة في محيط السوق .. لاحظت من خلالها الملمح الفوضوي خاصة على الطرقات، والممرات وعدم احترام الأرصفه التي تعاني الإهمال، واستغلال الباعة الجائلين لأرصفة موقف المواصلات ومداخل السوق للعرض العشوائي للبضائع، كما تنتشر المطاعم المزدحمة في مكان واحد تكاد بيئتها المتردية تهرب بحثًا عن مكان آخر، وتعرض الأسماك منتهية الصلاحية علناً وتباع للمستهلك بأبخس الأسعار، ويدير عملية الطبخ بداخلها مجموعة من الشباب الذين لا تحدهم ضوابط وقوانين الصحة، يرتدون ملابس رثة ومظهرهم الخارجي عبارة عن تلوث متحرك بحرية كاملة، كما تباع بداخله مخلفات اللحوم الكيري، علماً أن هناك زبائن لهذه المحلات والمؤسسات العشوائية.
تعود أسباب هذه الفوضى وبحسب المواطنين إلى عدم تهئية السوق من جانب المحلية، وعدم تطبيق الضوابط الصحية والرقابة، هذه الفوضى يقابلها عدم استقرار سوق الجملة بالرغم من البنية التحتية الممتازة وموقعه المتميز
سموم قاتلة
المواطن (عبد القادر رحمة)، وصف خلال حديثه للصحيفة بيئة المكان بـ(السيئة) جداً، وقال: كل أصحاب المطاعم يتخلصون من الفضلات على الطرقات، وداخل المجاري بالسوق المحيطة بالمكان، كما يوجد انتشار هائل (للذباب والبعوض) يحيط بالمنطقة، ولا توجد محاربة أو أعمال نظافة تشجع على العمل، بخلاف هذا فإن المصيبة الكبرى البيع العشوائي للحوم (الكيري) التي تبقى لفترات طويلة داخل مكب النفايات، والتي تعتبر أكبر ملوث للبيئة، أضف إلى ذلك تواجد اللصوص والنشالين الذين يهددون استقرار التسوق الآمن، فالسوق بحاجة إلى تنظيم وتنفيذ حملات لإزالة المخالفات التي صنعت بأيدي وسلوك الباعة الجائلين والفريشة وبائعي الأطعمة، كما توجد أماكن تباع فيها سلع تالفة، وأخرى تعرض فيها أطعمة منها (الله كتلا) وهي اللحوم الفاسدة والدجاج (النافق) الذي يأتي به التجار من المزارع والسلخانات، وهي لا تصلح للتناول الآدمي يتم عرضها وسط الأوساخ والقاذورات، كما ينشط في السوق بيع وجبة أخرى تسمى (اصبر لي) وهي عبارة عن رؤوس الدجاج والأرجل إلى جانب (الانقراص) وهو عظام رؤوس الخراف ، فالموقع الذي يميز السوق بحاجة إلى تدخل لعمل مسح كامل لهذه المظاهر المشوهة والمتسبب في تفشي الإسهالات المائية والأمراض الأخرى .
عطاء ومردود
وتتفق المواطنة (نعمات إبراهيم) مع الحديث السابق، لكنها أشارت إلى أن السوق يأخذ ويعطي، وله زوار كما يوجد بداخله موقف للمواصلات، ومحلات تجار الجملة المتعددة، ومحلات الريحية المتعلقة بـ(العرسان) التي تشهد إقبالا كبيراً من المواطنين، لكنه مليء بالمخالفات البيئية والصحية، حيث تكثر به الأوساخ، والمياه الآسنة التي تعرقل السير بداخله، فالأوساخ وحدها من وجهة نظر محدثتي تكشف عن القصور الكبير الذي يحيط بالمنطقة، وأشارت إلى أن امتداد أثر غياب مشاريع النظافة إلى المساحة المحيطة بالسوق، مما ساهم في إعاقة التسوق، وهذه المشكلة يعاني منها جل الزوار.
وكشفت عن معاناة أخرى تتمثل في بعد موقف المواصلات عن بقية المواقف الأخرى التي يقصدها المواطنون الذين يقطعون الفيافي مشياً على الأقدام، يواجهون ارتفاع أسعار المشاوير من أصحاب الـ(رقشات) الذين يطلبون مبالغ ضخمة لمشوار قريب لا يساوي خمسة جنيهات، فنظرًا لأن السوق يقع في المناطق التجارية العظمي بولاية الخرطوم، وهو منطقة عبور إلى السوق المركزي (ليبيا) بالمحلية غير أن الشوارع والممرات المزدحمة بالنفايات والبضائع تعرقل المرور الأدمي، ناهيك عن انتشار الفتيات المتسولات صغيرات السن اللاتي يقمن بالاحتيال على المواطنين، وسرقتهم بسرعة غير متوقعة، وطرق التخلص العشوائي من الفضلات أكبر مأساة تحيط به، فهذه وحدها تخلف أضراراً صحية بالغة جراء الإهمال، ويبدو واضحاً أن السلطات المحلية فشلت في إيقاف البيع الكيري واللحوم الفاسدة ونظافة المنطقة عموماً.
غياب الإدارة الناجحة.
وأطلق عدد من قدامى التجار صرخات داوية عبر (الصيحة) للجهات المسؤولة من تراكم النفايات التي أصبحت ملفتة للنظر مما أدى لتوالد الذباب والإصابة بأمراض (التايفويد والملاريا) وغيرها من الأمراض، إلى جانب انبعاث الروائح الكريهة التي تزكم الأنوف بسبب تراكم مخلفات البضائع، وقالوا ما زاد الطين بلة التوقف غير المبرر لعربات نقل النفايات رغم تحصيل الرسوم، وناشدوا بمعالجة المشكلة لتفادي وقوع كارثة بيئية.. التاجر (عماد) يعمل في بيع العطورات والإكسسوارات في السوق منذ أكثر من (10) سنوات، يصف بداية السوق بأنها كانت قوية ومشجعة على الاستئجار فيه.. يقول: كانت هناك وسائل ساعدت على جذب المتسوقين من كل المناطق المحيطة، ويرى أن الفوضى والازدحام من الأسباب التي أضعفت الاستئجار بداخله، وأدت إلى الهروب إلى العمل خارج محيطه، وفيما يتعلق بمسألة النظافة حدث وأن أخطرنا الجهات المعنية، ولكن بلا فائدة، مما كان له أثر سلبي ساهم في التراجع الاقتصادي بالسوق، فضلاً عن ذلك يوجد عدم تعاون بين بعض من ملاك المحلات التجارية والمستأجرين.
يفرش (عمر الطيب) الملابس الجاهزة على امتداد السوق من الجهة الشمالية منذ أكثر من تسع سنوات، وهو يرى أن حركة التسوق ضعيفة للغاية، ويرجع ذلك إلى غياب الإدارة الناجحة والمتابعة من الجهات المختصة.
رفعت يدها
فيما أبدت الحاجة (أمينة) التي نصبت (طربيزتها) في قلب السوق لبيع (الطرح) أسفها لسلوك المواطن في تشويه الاماكن قصدًا ما جعل جزءاً من حرم السوق مكباً للأوساخ، بالإضافة لـ(التبول) في الممرات الأمر الذي أدى لنمو ظواهر أخرى غير حميدة، في ذات الوقت فشلت إدارات النظافة في متابعة نظافة الشوارع والأسواق بشكل يومي أو أسبوعي، ودعت إلى تضافر الجهود والمشاركة المادية والمعنوية لمثل هذه المشاريع بالتنسيق مع اللجان ذات الصلة المسؤولة من مراقبة السوق، واتهمت الجهات الصحية بالغياب التام عن الساحة، في ظل انتشار الإسهالات المائية وغيرها .
توضيحات
من جانبه أكد عبد اللطيف شاذلي مسؤول سابق لصحة البيئة لـ(الصيحة) ضعف الرقابة على الأسواق الرئيسية والسيادية التي تلاحظ وجود تدهور بيئي مخيف بها، وخلوها من (التنظيم ) وترك الأزقة والشوارع داخلها كما هي، موضحاً بأنها البؤرة الحقيقية لتوالد الذباب، إضافة لضعف معدات العمل المناسبة، ولفت إلى ظاهرة أخرى وهي التقاط عمال النظافة للنفايات بأيديهم والجوالات المليئة بالأوساخ على ظهورهم، وهذا يؤدي إلى تبعثر المخلفات على محيط السوق وغيره من الأسواق الأخرى ، ولفت إلى أن نقل النفايات من المهن الطاردة الأمر الذي يدعو لدراسة هذة الظاهرة، كما أن بعض عربات نقل النفايات التي استجلبت لهذا الغرض غير مناسبة، وحتى العربات الضاغطة لم يتم استجلاب مستودعات الأوساخ الخاصة بها التي كان من الممكن صناعتها محلياً حتى تخدم الأسواق عموماً.
فشل الهيئة
وأشار (شاذلي) إلى أن مسؤولية نظافة السوق تقع على عاتق الهيئات التي فشلت في هذا الجانب، ونفرت العمال من العمل وحرمتهم من الملابس الواقية وعدم التنسيق بين مكاتب الصحة بالمحليات، وهيئات النظافة التي تبعد مكاتبها عن الأسواق، وقال إن التجارب التي خاضتها البلاد طيلة الفترة من (1983 ـ 1984م) مع الشركات العاملة في نقل النفايات بولاية الخرطوم أثبتت فشلها، وأوضح أن الإدارة الصحية بالسوق مسؤولة مسؤولية مباشرة من القضاء على مسببات (الملاريا ـ والدسنتاريا التايفويد ـ والإسهالات) وغيرها من الأمراض التي ينقلها الذباب بسبب تراكم الأوساخ والنفايات والأطعمة الفاسدة، وللخروج من نفق الانتكاسة التي يعيشها السوق اقترح توحيد سقف الإيجارات واستقطاب مستأجرين جدد إلى جانب ارتداء ثوب التجديد، وذلك بتنفيذ حملة للقضاء على التشوهات وتغريم المتسببين فيها حتى تعود لسوق (أبوزيد) سيرته الأولى.
أخيرًا
كثير من الاستفهامات ما زالت بلا إجابات متعلقة برأي الجهات المعنية والمتمثلة في المحلية وإدارة الصحة التي اختارت موقعاً مميزًا في قلب السوق .. ونسبة لأن الاتصال بهم يحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد والإجراءات التعجيزية من خطابات وتحديد مواعيد وغيرها اكتفت الصحيفة بهذا العرض واستعرضت شكوى المواطنين والتجار كما ذكروها . والمشكلة برمتها أمام هذه الجهات للنظر فيها ومعالجة ما يمكن معالجته.
تحقيق: إنتصار فضل الله
صحيفة الصيحة