رأي ومقالات

أين ذهبت ال 16 مليار دولار ؟


خبرٌ خطير أوردته صحيفة “الصيحة” في عددها الصادر يوم الثلاثاء 25 يوليو يقول أنَّ وزارة التعاون الدولي كشفت عن إحصائية توضح تلقي السودان حوالى ” 16 مليار دولار” في الفترة بين 2005 و 2015م بواقع 1،5 مليار دولار سنوياً ضمن العون الأجنبي للبلاد، وأكدت الوزارة أنَّ هذا المبلغ لم ينفق في إطاره.

وأضاف الخبر أنَّ وزير التعاون الدولي، إدريس سليمان، قال خلال مخاطبته الإجتماع التنسيقي لنظام معلومات العون للسودان والمتابعة والتقييم و بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنَّ ( هذه المبالغ لم تنفق في الطريق الصحيح، واعتبرها إهداراً للمال ) وتساءل : ( أين هذا الدعم، وفيم أُنفق ؟ ) وأضاف في حسرة وحيرة : ولا تجد من يُجيب عن هذا السؤال !

مرَّ هذا التصريح الخطير دون أن ينبري مسؤول حكومي واحد للرَّد عليه، ودون أن يستدعي البرلمان وزير التعاون الدولي بصفة مستعجلة لإستفساره عن هذا القول الثقيل الذي يكشف عن العلة الكبيرة التي يُعاني منها الإقتصاد السوداني – ضمن عللٍ أخرى – وهى “الفساد” الهيكلي الذي إستوطن في جهاز الدولة و قضى على الأخضر واليابس، وأضحى المُهدِّد الأساسي بفشل أية خطة إصلاح إقتصادي.

معلومٌ أنَّ تدفق مثل هذه الأموال (منح وقروض) تحكمه شروط مُعينة، وأنَّ أوجه صرفها ترتبطُ بعقود مُلزمة تنصُّ على عدم التصرُّف فيها إلا بعد أخذ الإجراءات القانونية المطلوبة، وذلك بعد أن يتم التصديق عليها من قبل ممثلي الشعب “البرلمان”، ذلك لأنَّ عبء سداد هذه الأموال يقع على عاتق الأجيال الحالية و القادمة، وبالتالي فإنه يتوجب التأكد من صرفها في الأوجه الصحيحة المخصصة لها وبشكل دقيق ومحدد.

يبدو أنَّ هذه القواعد البديهية والنظم الأساسية لم يعُد لها وجود في هياكل الدولة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية، بحيث يعجز وزير مُختص عن الحصول على إجابة حول البنود التي تم فيها صرف هذه المبالغ الكبيرة، وهو وضع مثير للرثاء، ولكنه للأسف الشديد أضحى “ثقافة” سائدة في التعامل مع الأموال “العامة” منذ حقبة إكتشاف البترول.

تعاملت الحكومة مع أموال النفط بعقلية “الغنيمة”، وأحاطت “الأرقام” الخاصة بعائدات البترول بالكثير من الغموض والتعتيم والسرية، بحيث أنه لم يتم النظر إليها بوصفها ثروة قومية يحق لكل مواطن أن يتعرف على تفاصيلها، بل أضحت كنزاً هبط على “فئة” معينة من أهل الحكم وأتباعهم، ولذلك لن تجد جهة رسمية تمدَّك بالأرقام الحقيقية التي تحصلت عليها البلاد من عائدات النفط في الفترة التي سبقت إنفصال جنوب السودان.

المبلغ الذي لا يعرف وزير التعاون الدولي “16 مليار دولار” فيم تم صرفه يُعادل حوالى أربعة أضعاف ميزانية السودان، وأكثر من ثلاثة أضعاف العجز في الميزان التجاري، وهو كذلك يُمثل ثلث إجمالي ديون السودان الخارجية البالغة حوالى 51 مليار دولار !

إنَّ شكوى الوزير من عدم وجود إجابة على سؤاله حول البنود التي صُرف فيها هذا المبلغ الكبير يوضح عدم جدية الحكومة في محاربة ظاهرة الفساد، وهى ظاهرة لا تقتصر على مجرَّد نهب المال العام، بل تتعدى ذلك لتأخذ الكثير من الأشكال التي من بينها “إهدار” ذلك المال وصرفه في غير مواضعه المخصص لها.

في إطار سعيها الدؤوب لتسويق “الأماني العذبة” للمواطنين، ظلت الحكومة تُرسل إشاراتها بأنَّ الرفع الكامل للعقوبات الأمريكية المفروضة على السودان سيكون بمثابة “العصا السحرية” التي ستقلب حال الإقتصاد، وستؤدي إلى تحسن الأوضاع المعيشية وإنخفاض الأسعار بين عشيَّة وضحاها، وهذه بالطبع مجرَّد أوهام لن تتحقق في أرض الواقع ذلك لأنَّ أكبر أدواء الإقتصاد لا ترتبط بآثار تلك العقوبات بل بأمور أخرى كثيرة.

فبالاضافة لأزمة تراجع نمو القطاعات الإنتاجية الحقيقية ( الزراعة والصناعة)، والحروب الأهلية المستعرة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، و البيئة الإستثمارية غير المواتية، فإنَّ الفساد الهيكلي الذي تعاني منه البلاد يقف سداً منيعاً في وجه الإستفادة القصوى من قرار رفع العقوبات أو سياسات وخطط الإصلاح الإقتصادي.

قد أوضح تقرير منظمة الشفافية العالمية الذي صدر في 25 يناير من هذا العام أنَّ السودان يقع ضمن أكثر عشر دول فساداً في العالم بسبب إنعدام الإستقرار السياسي والحكم الرشيد والنزاعات.

إنَّ أثر رفع العقوبات سيكون محدوداً إذا لم تصحبه تحولات حقيقية تعالج القضايا أعلاه وفي مقدمتها محاربة الفساد، فعلى سبيل المثال فإنَّ 70 % من سكان دولة نيجيريا ( ثامن أكبر مُصدِّر للبترول في العالم و عاشر أكبر إحتياطي بترول ) يعيشون على “دولار واحد” في اليوم، وهى دولة لا تعاني من حصار إقتصادي خارجي، ولكن الفساد المستشري وغياب الحكم الراشد كان هو السبب وراء الأوضاع الإقتصادية البائسة في ذلك البلد، وهى أوضاع شبيهة بالحالة السودانية.

ويُمكننا في هذا الإطار الإشارة للعديد من الدول التي تتمتع بعلاقات جيدة مع أمريكا ومع العالم الغربي، ومع ذلك فإنها لم تستطع الإنتقال من خانة “الدول الفاشلة” بسبب الإستبداد الطويل وغياب الحكم الراشد، وهذا هو الحال الذي يعيشه السودان منذ حوالي ثلاثة عقود، وهو الأمر الذي لا يُمكن أن يُحل بواسطة قرار رفع العقوبات.

ختاماً نقول : يحق لأي مواطن سوداني أن يعرف مصير هذه الأموال الطائلة، ذلك لأنها قد جُلبت من المؤسسات المانحة بإسمه، وكذلك لأنَّ عبء سدادها سيقع عليه وعلى أبنائه في المستقبل، ومن باب أولى أن يتحرك البرلمان ويستدعي الوزير بذات السرعة التي تصرَّف بها مع وزير الإعلام في خصوص تصريحاته حول قناة الجزيرة، وكذلك يتوجب على الجهاز التنفيذي في أعلى مستوياته أن يُجيب على تساؤلات الوزير !

بابكر فيصل بابكر
سودان تربيون


‫2 تعليقات

  1. ذهب نصفها لتمويل نشاطات التنظيم الدولي للإخوان المتشيطنين
    و النصف الآخر سرقه اعضاء المؤتمر الوثني

  2. موت ياحمار !!!! أنت كمن يؤذت في مالطا أخي بابكر، حسبنا الله ونعم الوكيل.