تحقيقات وتقارير

“الوطني وهلال” كلما توترت العلاقة بين موسى هلال والحكومة يخرج المؤتمر الوطني أدواته التنظيمية في محاولة لضبط العضو المشاكس.. هل يفلح الحزب هذه المرة؟

كلما استفحلت المشكلة بين موسى هلال زعيم قبيلة المحاميد والحكومة، يخرج المؤتمر الوطني أدواته التنظيمية لكبح جماح الرجل وإدخال السيف في غمده. في العام 2015 غادر إبراهيم غندور نائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب حينها إلى الجنينة لمقابلة (هلال) الذي خرج من الخرطوم في العام 2013 مغاضبا ومحتميا بباديته في (مستريحة)، ونجح غندور في إخماد ثورة الرجل المحتملة، وجاء بهلال إلى الخرطوم برهة من الزمن لكنه عاد مرة أخرى، وإن كان في عودته الأخيرة لم يفصح عن غضب إلا أنه آثر البقاء هناك، وظلت علاقته بالحكومة جيدة بعد أن امتثلت إلى طلبه وموقفه الخاص بإبعاد والي شمال دارفور السابق عثمان محمد يوسف كبر، إلا أن التوتر بين الرجل والحكومة يعود من جديد في ما يعرف بحملة جمع السلاح، التي يقودها نائب رئيس الجمهورية حسبو عبد الرحمن. ونهار (الاثنين) المنصرم قدم حسبو تنويرا مطولا لقيادات الحزب بحضور نائب رئيس المؤتمر الوطني إبراهيم محمود، مما يشي بإمكانية تدخل الحزب تنظيميا في احتواء الأمر وإقناع هلال بالعدول عن موقفه الرافض للحملة. وقال جمال محمود رئيس القطاع السياسي لـ(اليوم التالي)، إن موسى هلال لا يزال عضوا في الحزب، وإن التوجيهات صدرت لكل العضوية بالالتزام بجمع السلاح بمن فيهم (هلال)، وإن الحملة لن تستثني أحدا، منوهاً بأن الحزب قرر تعبئة عضويته وحشد الطاقات للمساعدة في إنزال برنامج الدولة الخاص بجمع السلاح إلى أرض الواقع.
علاقة هلال بالحكومة خلال الأشهر الماضية التي أعقبت تعديلات الولاة اتسمت بشيء من العقلاينة، ففي فبراير من (رزونامة) العام 2017، والشتاء يلوح بالوداع، كانت بداية موسى هلال في مستريحة تحمل ما تحمل من سمات قساواة الطبيعة، هناك أشجار (الكتر) تتخلص من أوراقها الصغيرة واحدة تلوي الأخرى لمقاومة جفاف الصيف القاتل، وكان ذلك هو حال الغابات هناك، الرياح تتغلغل بين سفوح الجبال المنخفضة وتشرب ما تبقى روح الحياة، الأرض الحجرية عندما تجف لا تتفطر لكنها تموت متماسكة في انتظار موسم الخريف، تحت الجبل نصب هلال خيمته وبدأ يشيد مضيفة جلب لها كل مواد البناء الحديثة، وكأنه يتحسب لأيام غابرات، رجاله يمسحون ظاهر الأرض بسياراتهم ذات الدفع الرباعي، تجمعوا في مساحة قريبة من مطرح هلال كانوا في انتظار زيارة نائب الرئيس حسبو عبد الرحمن التي كانت وقتها لولاية شمال دارفور وعدد من المحليات، وبينما مؤيدو الرجل ينهمكون في إعداد شواء الإبل الطازج التي نحروها احتفاء بمقدم (حسبو)، كان زعيمهم موسى هلال ينتظر تحت ظلال الأشجار ويراقب وصول النائب، جلسنا عنده لمعرفة ما يدور بخلد الرجل وحينها كانت إرهاصات اتهامات وزير الداخلية بوجود أجانب في جبل عامر التي يبسط هلال سيطرته عليها تملأ الأسافير وصحائف الصحف وأفواه الناس.
كان السؤال الأبرز بالنسبة لنا وقتها هو: ما علاقة هلال بالمؤتمر الوطني كحزب؟، وهو الذي جاء إلى البرلمان عبر حصة الحزب الحاكم، سألناه: هل لا زلت عضواً في الوطني أم انشققت عنه؟، قال الرجل باقتضاب: “المؤتمر الوطني حزب فيه عدة خلايا وجيوب سياسية، وأنا واحد من قياداته، حينما أغادر ستكون (فرقتي) واضحة، وسأصرح بها، ولكن يمكن جدًا أن يكون هناك حراك سياسي بمسمى مختلف، لكنه سيكون نشاطا متحالفا مع المؤتمر الوطني، ولا أجد ما يبعدني عن المؤتمر الوطني”. كلمات هلال هذه دحضت الكثير الذي قيل في هذا الجانب وقتها عبر تصريحات صدرت من مقربين منه، أكدوا فيها انسلاح الرجل وتكوينه لحزب سياسي تحت مسمى مجلس الصحوة الثوري، وإن كان هلال لم يصرح بذلك صراحة منذ أن ظهرت مشكلاته على السطح، لكنه آثر الابتعاد الذي يعبر عن الغضب، يشكو الرجل من التهميش الذي يقول إنه يمارس ضده من قبل الحكومة التي يعتقد أنه دافع عنها في أوقات سابقة. مقربون من هلال يؤكدون أن الرجل يمكنه أن يتراجع ويساعد الدولة في برنامجها إن منحته موقعا في السلطة وبعض الصلاحيات، فهلال قبل تشكيل الحكومة الماضي أبدى رغبته في الاستوزار، وقال حينها: “لا أمانع إن كلفت بمنصب في الحكومة، لأنه تكليف وليس تشريفا”، كان هلال مرناً في مواقفه عندما زاره حسبو ولم يظهر أي شيء يسيء لمواقفه تجاه الحكومة، حتى عندما سألناه عن التزامات الحكومة تجاه اتفاقه مع غندور، قال: “الإيفاء بالالتزامات ليس إيفاءً سريعًا يأتي هكذا بعد الجلسة مباشرة؛ لأن القضايا لها أبعاد سياسية، وحلولها قد تأتي بعد شهر أو شهرين، أو بعد سنة أو سنتين، ولكن الأمور تمضي نحو أوجه الحل”، وحتى أمر جمع السلاح كان حاضرا، فحسبو قال لعدد من أنصار هلال في ذلك الاحتفال: “إن السلام يحتاج إلى حراسة وجهد وسنعمل على جمع السلاح من المواطنين، على أن يكون فقط في أيدي القوات النظامية”، لكن الآن هل يستطيع الحزب الحاكم إصلاح جدار الشقة بينه وبين هلال كضو فيه؟

الخرطوم – آدم محمد أحمد
اليوم التالي

تعليق واحد