حوارات ولقاءات

مدير جهاز الأمن والمخابرات التشادي: هذا هو سر استقرار العلاقة بين السودان وتشاد، وجنوب ليبيا قضيتهما المحورية

مدير جهاز الأمن والمخابرات التشادي أحمد كوقري في حوار جريء مع (السوداني):-

*(…) هؤلاء مجرد مرتزقة وليس متمردين
*تهريب السلاح من السودان إلى تشاد غير ممكن لهذه الأسباب (…)
*موسى هلال لا يعتبر قوة مهددة، وتصريحاته ربما تكون مفبركة من آخرين
*تفاجأنا بقرار الحظر الأمريكي، وسنعمل على معالجة الأمر بأقصى سرعة
*الدول الإفريقية لا تحتاج لمنظمات من الخارج لتوجيهها

ما بينهما يبدو مستقراً آمناً، لا يُعكر صفوه شيء، إلا أن ذلك لم يمنع من أن تتباين مواقف السودان وتشاد في قضايا إقليمية أخرى مثل الملف الليبي، هذا التقاطع بأي حال لم يؤدِ إلى تباعد العلائق، أو عودتها إلى مربع التوتر الأول، إنما استمر التعاون السياسي والعسكري والأمني على وجهه الأكمل..
مؤتمر السيسا الذي جمع قادة أجهزة الأمن والمخابرات في الخرطوم، كان سانحة للجلوس إلى مدير جهاز الأمن والمخابرات أحمد كوقري، الذي تنقلنا معه حول مواضيع مختلفة تتعلق بعلاقات السودان وتشاد، تقاطعات المواقف العربية الإفريقية في ليبيا، انعكاس وجود بعض الحركات المسلحة في مناطق الجنوب، فضلاً عن وجود الجماعات الموسومة بالإرهاب في منطقة تبستي والتخوفات من عملية جمع السلاح في دارفور، وأجاب عليها بكل رحابة صدر، فإلى ما أدلى به:-

حوار: لينا يعقوب

*دعنا نتحدث بدءاً عن أهمية مشاركة أجهزة الأمن والمخابرات في هذا المؤتمر؟
السيسا منظمة مهمة لتشاد ولإفريقيا وهي وليدة لرغبة الدول الإفريقية في ميلاد هذا الجسم، لديها خطط موضوعة حتى عام 2020، والعمل يسير بصورة ممتازة، صحيح أن المشكلات التي تواجه الدول لم تحل لكن هناك خطى جيدة لحلها.. تبرز الأهمية في كيفية عمل هذه الأجهزة وتعاونها مع بعضها البعض فيما يتعلق بتبادل المعلومات والخبرات وأيضاً في التعاون مع الأجهزة الإقليمية الأخرى في المحيط الإقليمي والدولي..

*لكن لماذا لم يظهر الأثر الإيجابي لهذه المنظومة على استقرار الدول؟
هناك أثر إيجابي خاصة في تبادل المعلومات والتي تصب في الاستقرار السياسي لدى الدولتين، لكن من مهام السيسا الأخرى الإسهام في رفع الكفاءة والتدريب ودفع العلاقات السياسية بين الدول سواء كانت دول الجوار أو غيرها، المنظمة تهتم أيضاً بقضايا تؤرق العالم، مثل الهجرة غير الشرعية والصراع القبلي والأنشطة الإجرامية بين الدول، بحيث تتم معالجتها داخل السيسا ومن ثم يتم رفعها للاتحاد الإفريقي، وكل ذلك يتم عبر تنسيق تام.. كما أنها تعمل في مجال المنظمات وكيفية ضبطها وتوجيهها التوجيه الصحيح وخلق مسار أو خارطة طريق للتعامل مع المنظمات الدولية حول المشكلات التي تبرز في الدول الإفريقية.

*لكي تساعد الدول الإفريقية؟
من مهام السيسا في مجال عمل المنظمات توجيه المنظمات التي تعمل عكس مسارات وأهداف الدول الإفريقية خاصة تلك التي ترفع معلومات غير صحيحة عن إفريقيا، وتلك التي تعمل على تحريف المعلومات للرأي العام العالمي، السيسا لديها معلومات مهمة عبر التبادل خاصة في مجال حقوق الإنسان، والدول الإفريقية لا تحتاج بأن تأتي منظمات من الخارج لتوجه إفريقيا في هذا المجال.
*لماذا دائماً لا تصدقون التقارير التي تأتي من عدد من المنظمات الدولية، مثل أمنيستي وهيومان رايتس ووتش، والتي تعمل في مجال حقوق الإنسان والحريات.. ألا تعتقدون أنها تعطي مؤشراً لمستوى حقوق الإنسان في بعض الدول الإفريقية بينها تشاد والسودان؟
هذا سؤال جيد، بالنسبة للتقارير التي تأتي من هذه المنظمات وتلك المشابهة لها، 99% منها موجهة ضد إفريقيا، ونحن في إطار السيسا نعمل على تقييم هذه التقارير التي نعتبرهاغير دقيقة، وفي ذات الوقت لا يوجد مثلها في القارات الأخرى، المنظمات الدولية العالمية ليست جميعها سيئة، هناك منظمات تعمل بصورة جيدة في تقديم الخدمات ومساعدة الدول، لكن فيما يخص قضايا أخرى لا تعمل خلالها بالتنسيق مع الدولة المعنية التي تعاني مشكلة، إنما تعمل بمفردها فهذا الأمر يفقدها بعض الحقائق، وهنا مكمن الأخطاء التي يرتكبونها، مثلاً حينما تتحدث هذه المنظمات عن الديمقراطية تركز في قضية محورية بالنسبة لها، مثل المشكلات القبلية، تقوم بالتركيز على المشكلة عبر أخذ رأي المنطقة التي تعاني من الصراع القبلي، بالتالي تصور القضية باعتبارها قضية أغلبية، لكن الحقيقة أن الدول المعنية تعلم أن هذه المسألة تخص أقلية بسيطة لكن تصورها المنظمات أنها قضية تهم الأغلبية وتعاني منها الأغلبية.

*نلاحظ أن العلاقة بين السودان وتشاد، استقرت قبل سنوات، ما هو سر استقرار العلاقة؟
السر في هذه العلاقة أن الشعبين التشادي والسوداني إخوة وأصدقاء ومتماثلان في العادات والتقاليد، وأيضاً أن الرئيسين يحرصان على معالجة الأشياء دون وجود بروتوكول، إن استجد شيء ما في الحدود مثلاً، تُعالج القضايا بصورة أخوية ومفتوحة، الدولتان أيضاً خلقتا قوة مشتركة على طول الحدود بإمكانات بسيطة جداً لا تقارن بالقوات التي يكونها المجتمع الدولي بإمكانات هائلة وتفشل في معالجة أبسط الأشياء، هذه القوات المشتركة كونت بمكونات وإمكانات ضئيلة لكن لها أثر على الحدود وظهرت أهميتها لدى الدولتين والإقليم,

*تشاد أصبحت بعيدة خاصة فيما يتعلق بعملية السلام في دارفور؟
إن أردنا الإجابة على هذا السؤال، سنقول إن هناك التزاماً بين الرئيسين بحل المشكلات المتعلقة بالتمرد وهي ثابتة من الثوابت ممثلة في الرئيسين والآن لا يوجد أي متمردين سودانيين في تشاد أو متمردين تشاديين في السودان، وهذه حقيقة ماثلة الآن، بالنسبة للتمرد بصورة عامة، هناك متمردون تشاديون وسودانيون موجودون في ليبيا، وهؤلاء جميعهم مرتزقة ولا يستطيعون التأثير على الدولتين، اللتين تعملان بتنسيق تام في تأمين الحدود مع ليبيا التي تعاني الآن، تشاد ملتزمة التزاماً تاماً وقوياً، وتشارك بصورة فاعلة ولم تقف حتى إن لم يظهر ذلك في الإعلام، بل وتحاول التواصل مع المتمردين وإقناعهم بعملية السلام، وهناك جهود مستمرة حتى الآن.

*لم تعد تشاد تملك سطوة على الحركات المسلحة خاصة أنها لم تعد توفر لهم الدعم أو الإقامة، فما الذي يمكن أن يجعل قيادات الحركة مثل جبريل إبراهيم ومني مناوي يقبلان بالوساطة التشادية؟
بالنسبة لنا ليس هناك تأخير في عملية السلام إنما مساعينا جارية ونحن حقاً نهتم بذلك، لأننا والسودان توأمان، إن أحس أحدنا بمرض فذلك يؤثر على الآخر بصورة مباشرة، الحركات وما ذكرتيه حول قياداتهم هم في دارفور ودارفور تقع في الحدود وتؤثر الأوضاع فيها على تشاد، وهذا يجعلنا نهتم ولا نقف في بذل مزيد من الجهود في الوصول إلى حلول للمسألة، لكن هذا الأمر يحتاج إلى وقت حتى يقتنع الطرف الآخر، وهذا ما يؤخر العملية.
*قلت إن هناك متمردين سودانيين وتشاديين في ليبيا، وربما يرى مراقبون تباين المواقف بين السودان وتشاد في موضوع ليبيا، فالخرطوم تدعم حكومة السراج الشرعية، فيما تدعم تشاد حكومة حفتر، ألا يؤثر هذا التباين على البلدين؟
الحديث عاد مرة أخرى عن المتمردين في ليبيا، نحن لا نسميهم متمردين لأنهم لا يرقون إلى رتبة متمردين، نحن نسميهم مجموعات سودانية وتشادية أو بالأدق هم مرتزقة، يتفقون مع الأطراف الليبية المختلفة، سواء كانت مجموعة حفتر أو مصراطة أو الأطراف الأخرى، وذلك حسب مصالحهم، لكن نحن في تشاد والسودان نولي هذه المسألة أهمية لأنه فيما بعد قد يأتون في ظرف ما ويؤثرون على الأمن في تشاد والسودان، لذلك نعمل نحن نعمل على استتباب الأمن وحل المشكلات، وإن تم حل المشكلات فهذه المجموعات ستغادر وتتلاشى، لأنه لا يمكن أن توجد في ظل حكومة مركزية تهتم بجيرانها كدول ولا تهتم بمجموعات متمردة، الآن القضية المحورية لتشاد والسودان هي الحديث عن جنوب ليبيا لأنهم يتمركزون هناك ويعملون مع المجموعات الليبية المختلفة حسب مصالحهم كمرتزقة، لذا اهتمامنا يأتي كنوع من حل المشكلة الليبية.

*هناك تقاطعات في الملف الليبي بين الدول العربية والإفريقية، تشاد أيضاً تدخل في هذا التقاطع مع آخرين، كيف ترى القضية خاصة أن كل مجموعة تدعم حكومة محددة؟
القضية الليبية ليست عربية صرفة، إنما أصبح فيها تداخل من عدة جهات، أوروبية أو من الأمم المتحدة، والدول الكبرى، كل حسب رؤيته، لذلك تشاد هي واحدة من هذه المجموعات والدول، لديها رؤية تتمثل بأن الدول المجاورة تشاد مصر السودان، هي الدول المتأثرة تأثيراً مباشراً بالوضع في ليبيا وتعمل بالتنسيق والتشاور في كيفية حل المشكلة تحت مظلة الدول الإفريقية، وهذه رؤيتنا، الأمم المتحدة لديها رؤية وكذلك أوروبا.

*سمعنا أن منطقة تبستي على الحدود بين ليبيا وتشاد والنيجر أصبحت بؤرة لوجود الإرهابيين والجماعات المسلحة، هل جرت أي مناوشات بينها والجيش التشادي؟
المسألة بالنسبة للإرهاب ليست تبستي فقط، هذه المنطقة مترامية الأطراف وهي مثلث مشترك، من الناحية الغربية تضم أربع دول، النيجر، الجزائر تشاد وليبيا، ومن الناحية الشرقية، تضم تشاد وليبيا والسودان ومصر، في المنطقة الغربية هناك محاولات دخول من مهاجرين غير شرعيين وهذه الحركة تؤثر سواء كان سلباً أو إيجاباً، لكن يمكن القول إنها محصورة في التعدين الأهلي والتجارة غير الشرعية، أما الحدود بين الدول الشرقية فهذه الحركة منظمة جداً، والمتعاملون في هذا العمل منظمون ولديهم أسلحة فتاكة وقوية وحركتهم مؤثرة، ويمكن أن تحدث مقاومة بينهم وأي دولة أخرى سواء كان تشاد أو ليبيا أو السودان.

*تتابع بلا شك حملة جمع السلاح في ولايات دارفور.. بعض المراقبين ذكروا أن تشاد تتخوف من دخول السلاح إليها من دارفور، والسودان يتخوف من أن ينتقل ذات السلاح إلى ليبيا ويدخل إلى دارفور مرة أخرى.. كيف تقيم هذه التخوفات؟
بالنسبة لجمع السلاح، هو قرار سليم وتحدٍ كبير في ذات الوقت للسودان وتشاد، التسلح الموجود في دارفور كبير جداً، ولا يوجد مثله في تشاد، هناك تسلح بسيط، لكنه موجود بتصريح وبغرض الحماية أو لدى شيخ قبيلة أو راعي أموال وتجارة، أي أنه موجود بصورة محدودة، أما في دارفور الأمر مختلف.. قبل التمرد هناك مشكلات قبلية واحتكاكات ومصادمات حدثت استخدمت فيها أسلحة ثقيلة، ولا يمكن أن تكون متوفرة لدى مواطنين..

*نفهم منك أنه لا يوجد تخوف من دخول السلاح إلى تشاد؟
الشق الآخر المتعلق بدخول السلاح، والسيطرة عليه فإنه لن يتم، لأن التسليح غير موجود، هم كقبائل يعرفون الحدود والتداخل ويعلمون أنهم لن يستطيعوا تهريب السلاح، لأن الجيش والأمن التشادي حاسم جداً في تحرك السلاح، إضافة إلى وجود قوات مشتركة بين الدولتين من أهم واجباتها منع دخول أي تسليح لو بالتسريب. أما الحالة الليبية مختلفة، هناك مجموعات تتعاون مع المتمردين عبر عملية مفتوحة، ونحن نعلم عدم وجود أمن في دول أخرى مثل إفريقيا الوسطى، التي بها قبائل متناحرة ومتمردون في الشمال، والأسلحة يمكن أن تتحرك في هذا الإطار، لكن بين حدود تشاد والسودان غير ممكن، القرار السوداني في جمع السلاح مرحب به.. نعتقد أنه إن تم التنسيق بين الحكومتين بقواتهما ونجحتا في جمع السلاح وتجريده من المواطنين فالأمر سيكون تحت السيطرة.

*سمعت تصريحات موسى هلال الأخيرة التي كانت ضد جمع السلاح.. هل تعتقد أنه يستند على قوة عسكرية أو أمنية؟
بخصوص تصريحات موسى هلال غير الإيجابية التي اطلعنا عليها في وسائل التواصل الاجتماعي سواء كان “واتس اب” أو “فيس بوك” لا نعتقد أن جميعها صحيح، ربما كان الأمر من صنع آخرين، لأن تصريحاته لم تصدر في وسيلة إعلام رسمية لكي ننسب ما قيل إلى موسى هلال، بالإضافة إلى ذلك، موسى هلال لا يمثل شيئاً في إفريقيا كقوة مهددة، نحن لا نستبعد وجود آخرين يفبركون ذلك وينسبونه إليه.. لكن لا يمكن أن يقف أمام دولة.

*تفاجأنا بقرار واشنطن بحظر دخول المواطنين التشاديين إلى الولايات المتحدة .. برأيك ما السبب ؟
نحن أيضاً تفاجأنا بهذا القرار، بالنسبة لدخول المواطنين للولايات المتحدة وعلاقتنا في كل المستويات جيدة وسنعمل على معالجة ذلك في أسرع وقت ممكن.
*الرئيس التشادي إدريس دبي قال إن بلاده لن تسمح بوجود أي فوضى على الحدود مع السودان، ما هي الفوضى التي يقصدها؟
حديث الرئيس بحسب الرؤية العامة التي لدينا في جهاز الأمن أنه يقصد المشكلات والمصادمات البسيطة والاحتكاكات التي قد تحدث في الحدود وتؤدي إلى عدم استقرار المنطقة الحدودية، وهو ما تقف عليه القوات المشتركة.
• أخيراً.. هل أنتم راضون عن التعاون بينكم وجهاز الأمن السوداني ؟
بلا شك.. العلاقة بيننا ممتازة وعلى أعلى مستويات التعاون والتنسيق وتبادل المعلومات ونعمل بمساعدة الجهاز السياسي والتنفيذي في الدولتين، وسنستمر في هذا التنسيق حتى يتحقق السلام والأمن.