اقتصاد السودان المنهك بانتظار مآل عقوبات واشنطن
أنهكت العقوبات الأميركية المفروضة على السودان منذ عام 1997 اقتصاد البلاد المتخم أصلا بعوامل ضعف ذاتية عديدة، ويترقب السودانيون بحذر قرارا من البيت الأبيض قد يقضي برفع العقوبات، ويتيح ترميم الوضع الاقتصادي المتردي.
وشملت العقوبات الأميركية مختلف القطاعات المهمة، وفي مقدمتها القطاع المصرفي الذي خرج عمليا من المنظومة المالية العالمية، والنقل والزراعة والصناعة، وتأثرت البنى التحتية بشكل واسع جراء الحظر.
وفي غياب إحصاءات دقيقة عن إجمالي الخسائر التي لحقت بالسودان جراء العقوبات، كشف وزير المالية والتخطيط الاقتصادي بدر الدين محمود في يناير/كانون الثاني الماضي عن أن خسائر الخرطوم بلغت 45 مليار دولار خلال الفترة الماضية، بينما يرجح خبراء أن الخسائر تصل إلى أربعة مليارات دولار سنويا.
وأشار تقريرلـصندوق النقد الدولي صدر في يناير/كانون الثاني الماضي إلى أن “السودان يعد بلدا هشا، منخفض الدخل يواجه قيودا محلية ودولية شديدة واختلالات اقتصادية كبيرة”. وتوقع تراجع معدلات النمو الاقتصادي في 2017 إلى 3.2% من 3.5% خلال 2016 مع معدلات تضخم تصل إلى 17.8%.
فقدان الخرطوم نحو 75% من موارده النفطية لصالح الجنوب فاقم وضعه الاقتصادي (الجزيرة)اقتصاد منهك
وتشير التقديرات إلى أن الاقتصاد السوداني يفقد سنويا جراء العقوبات ما يقارب 18 مليار دولار من الصناديق المانحة، والتي يبلغ عددها 16 صندوقا ومنظمة، كما فاقمت أزمة انفصال الجنوب عام 2011 من وضعه، حيث أصبحت الخرطوم مستوردا للمشتقات النفطية بعد سيطرة الجنوب على نحو 75% من حقول النفط، والتي تُمثل نحو 50% من الإيرادات العامة للبلاد.
وطيلة سنوات الحظر، ارتفع حجم الدين الخارجي للسودان ليصل إلى ما يقرب من 47 مليار دولار في الربع الأول من العام الجاري، وفق تقرير لصندوق النقد الدولي، وهي تمثل نحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي- وذلك جراء ارتفاع أرباح الديون بشكل مطرد.
وأدت العقوبات إلى عرقلة إعفاء البلاد من الديون الخارجية -ضمن مبادرة “الهيبك” لإعفاء الدول الفقيرة المثقلة بالديون- وارتفع تصنيف المخاطر السودانية من قبل المؤسسات المالية الدولية مما حد من قدرتها على الحصول على تسهيلات وتمويلات.
وتأثرالقطاع المصرفي كثيرا بالعقوبات، وخرج عمليا من المنظومة المالية العالمية، حيث توقفت التحويلات المالية بالدولار، وامتنعت الكثير من البنوك الأجنبية الأوروبية عن التعامل مع المصارف السودانية، وكذلك الشركات الأجنبية، خاصة في مجال البترول والاتصالات، وهو ما عطل الاستثمار الخارجي، وقلص إلى حد كبير مصادر العملات الصعبة.
وتضرر قطاع النقل بشكل كبير، جراء النقص الحاد في قطع الغيار، كما فقد قطاع السكك الحديدية 83% من بنيته التحتية، وتأثرت مئات المصانع بالعقوبات بسبب عدم حصولها على قطع الغيار أو المعدات والبرمجيات الحديثة.
ويشكل القطاع الزراعي أكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي، وشهد تدهورا كبيرا جراء القيود على الصادرات ونقص قطع الغيار والمعدات والتقنيات الحديثة، التي تساعد في رفع الإنتاج وخفض التكلفة، وتراجعت فرص التمويل والاستثمار الخارجي، كما مر القطاع الصناعي -الذي يمثل نسبة 26% من الناتج المحلي الإجمالي- بالظروف نفسها، وتدهورت أوضاعه.
وضغطت العقوبات أيضا على القطاع الصحي جراء نقص الأجهزة الطبية والأدوية والمستحضرات، التي يمنع استيراد بعضها، وهو ما كان له تأثير بالغ في تردي الخدمات الصحية، بما أثر بشكل واضح على أوضاع المواطنين.
معدل التضخم في السودان ارتفع بنسبة 17.8% في الربع الأول من سنة 2017 (الجزيرة)آثار اجتماعية
وكان للأزمة الاقتصادية تأثير واسع على الصعيد الاجتماعي، إذ ارتفع معدل التضخم السنوي بنسب كبيرة، واستمر ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة بعد خفض الدعم على الوقود، ومواد أساسية أخرى، مما أدى إلى احتقان اجتماعي وسياسي، تجلى خاصة في أحداث سنة 2013.
ووفق تقارير الأمم المتحدة، فإن 50% من السودانيين يعيشون تحت خط الفقر، بينما يبلغ معدل البطالة في البلاد 20.6%، في حين يجد 70% من السودانيين صعوبة في الحصول على الماء والغذاء والتعليم والخدمات الصحية.
ويرى بعض الخبراء والمحللين أن العقوبات لا تعدو أن يكون جزءا من أزمة هيكلية للاقتصاد السوداني، وأن أسباب الوضع الاقتصادي المتردي يعود أيضا إلى سياسات وتقديرات خاطئة للحكومات المتعاقبة، التي ركزت على قطاع النفط وأهملت قطاعات أساسية مثل الزراعة والتجارة، والصناعة والتعدين وقطاعات إنتاجية مهمة، وبالتالي فإن رفع العقوبات لن يمثل الحل السحري بحسبهم.
لكن إنهاء العقوبات الأميركية بالنسبة للكثير من المراقبين والمحللين سيؤدي لا محالة إلى تعاف تدريجي للوضع المالي والاقتصادي للبلاد. ويعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور التيجاني الطيب أن العقوبات إذا رفعت كليا فسيكون لها أثر إيجابي على الاقتصاد السوداني، خاصة في مجال الاستفادة من القروض ومبادرات الديون الأميركية.
ويؤكد مسؤولون سودانيون أن البلاد لديها إمكانات اقتصادية كبيرة وعوامل جذب كثيرة تسمح -إذا رفعت العقوبات- بدخول استثمارات أجنبية، خاصة مجالات التعدين والذهب والزراعة والنقل وتجارة الصمغ العربي الذي بقي استثناء في ظل الحظر الأميركي- والاتصالات وغيرها
وتأمل الحكومة السودانية رفع العقوبات نهائيا بما يتيح استرداد الأصول المالية المجمدة بالولايات المتحدة، ورفع الحظر على المعاملات المصرفية والمالية مع الخارج، ويضمن كل ذلك عودة البلاد إلى النظام الاقتصادي العالمي، ويفسح المجال لوجود شركاء جدد بالسوق السودانية.
الجزيرة
عُمُوماً أكثر ما أثّر ويُؤثِّر على السودان هو الحصار الذي تفرضه عليه الحكومة نفسها من خلال حرمانه من الاستفادة من ثرواته، التي يُمكنها أن تُوفِّر للشعب مُستوىً جيداً من الرفاهية والتقدم ومُواكبة دول العالم، وما دامت حكومة المؤتمر الوطني باقية في السُّلطة فسيظل السودان في حالة حصار دائم.
فرفع الحصار لا ينزل دولاراً من السماء
حكومة الانقاذ رهنت السودان في حفرة