رأي ومقالات

هل يجوز للولايات رهن أصولها؟

في ولاية كسلا الآن مشكلة، حكومة الولاية رهنت عدداً من المرافق والمنازل الحكومية لأحد البنوك مقابل مشروعات تنفذ بالولاية. فشلت الولاية في السداد، عرض البنك المرافق والمنازل للبيع العلني لتحصيل المديونية.

الحقائق أعلاه تثير عدة أسئلة هي: هل يجوز للولاية رهن أصولها للحصول على تمويل؟ وإذ كانت الإجابة بنعم، ما هي حدود ذلك وضوابطه؟ ويستتبع ذلك سؤال هام أيضاً: هل يجوز للبنك بيع الأصل المرهون إذا فشلت الولاية في الوفاء بالدين؟

الدستور القومي ودساتير الولايات المتوافقة معه، وقانون الإجراءات المالية والمحاسبية أعطيا الولايات حق الاقتراض الداخلي والخارجي. للولاية بموافقة وزير المالية فيها أن تقترض داخلياً من البنوك أو غيرها من المؤسسات أو من الجمهور. وللولاية حق الاقتراض الخارجي ولكن بموافقة وزير المالية الاتحادي.

إذا ركزنا على حالة ولاية كسلا نجد أنه من المعلوم أن أي إقتراض يلزمه ضمانات، ولأن البنوك تفضل الرهن العقاري أو رهن الأراضي فقد قدمت الولاية للبنك المعني جزء من العقارات الحكومية بالولاية كرهن. أي بنك لا يقوم بإقراض أي جهة حكومية الا بعد الرجوع لبنك السودان ليتأكد من كفاية قيمة الرهن للمبلغ المقترض، ويراجع بنك السودان موضوعية القرض، وأنه لغرض ضروري ومتوافق مع السياسات العامة، وأن البنك لا يركز قروضه في ولاية محددة.

لقد تمت الإجراءات المتعلقة بهذا القرض، وبعد تنفيذ المشروع فشلت الولاية في السداد، هنا ووفقاً لقانون الأموال المرهونة للمصارف يجوز للبنك تسييل الضمان دون الرجوع لأي جهة. لأنه مسئول عن الحفاظ على ودائع الجمهور وحقوق ملاك البنك. ولكن في العادة فإن البنوك تلجأ للتفاوض مع الولايات قبل البيع العلني، وفي الغالب كذلك يتم التوصل لإعادة جدولة للدين.

من الواضح أن التفاوض ما بين البنك والولاية وصل لطريق مسدود ولم يكن أمام البنك إلا اللجؤ للبيع العلني، أما مسألة أن التنفيذ شابه الفساد فإن هذه مسئولية الولاية وليس البنك. لأن البنك يقوم بتسليم المقاول المكلف بإنجاز المشروع استحقاقه بموجب شهادة انجاز صادرة عن الشئون الهندسية بالولاية ومصدق عليها من وزارة المالية وهو غير مسئول عن حسن الإنجاز أو أي خلل فيه.

إن الدرس المستفاد هو أن المشروعات الاقتصادية وطرق تمويلها يجب أن يكون شأناً فنياً بحتاً لا دخل للسياسة فيه. السيد الوالي ووزراءه من حقهم رسم الاستراتيجيات والسياسات العامة، ولكن التنفيذ يترك للاقتصاديين والماليين والمهندسين. الكثير من المشروعات يمكن تنفيذها من خلال الشراكة مع القطاع الخاص، أو من خلال شركات المساهمة العامة، أو من خلال الاستدانة من الجمهور في شكل صكوك وسندات. في كل الأحوال فإن دراسة الجدوى المعدة من بيت خبرة، والتنفيذ بواسطة مقاول مقتدر، تحت رقابة استشاري مؤهل، هي أمور لازمة ومطلوبة لضمان التنفيذ الجيد وتفادي بيع الأصول المرهونة. والله الموفق.

د/ عادل عبد العزيز الفكي
adilalfaki@hotmail.com