تحقيقات وتقارير

ارتفاع أسعار الأدوية.. (المريض) ضحية الداء والدواء

على رأسها أصناف الأمراض المزمنة وبعضها بنسبة (200%)

قد تتوقف بذلك عجلة الحياة، أو هكذا تُقرأ الأزمة، إذ رسمت الأخبار صورة قاتمة لما قد يؤول إليه الحال إذا استمر ارتفاع أسعار الأدوية.. وقال صيدلاني: (قد يعيش الإنسان بخبز حاف، لكن لا أنصاف حلول مع الدواء إما العلاج أو تدهور حالة المريض، وقد يفقد الحياة).
وتحت وطأة الحيرة بين علاج الداء وتكلفة الدواء.. صراع مؤلم سيواجه (المرضى) من أصحاب الدخل المحدود والمتوسط، وأزمة إجبارية يتحملها المواطن على عاتقة، عندما تضطره الظروف ويحاول جاهداً التصدي لها بمفرده باحثاً عن بصيص أمل لتسكين معاناته.
اختفاء مفاجئ لبعض الأدوية لا سيما المستوردة منها، في مقابل ارتفاع أسعارها بشكل يومي، وربما تزايدت مع القرارات الاقتصادية التي صدرت مؤخراً بشأن ضبط العملة الأجنبية، زاد من معاناة المواطنين الذين حوصروا بشبح ارتفاع الأسعار.
(المجهر) زارت عدداً من الصيدليات لمعرفة حجم الزيادة التي طرأت، واستطلعت واستفسرت مختصين وعاملين في المجال لمعرفة إمكانية تلافي الأزمة وما هي الأسباب الحقيقية وراء هذا التصاعد الملحوظ في أسعار الدواء.

{ زيادة فاقت الـ(200%)
في الوقت الذي زادت فيه أسعار الأدوية المستوردة بنسبة تفوق (200%) خلال الأيام الأخيرة، ارتفعت أيضاً الأصناف المنتجة محلياً بنسبة (40%) عما كانت عليه في آخر زيادة شهدتها الأسعار خلال هذا العام، ويستورد السودان سنوياً أدوية تتجاوز قيمتها (200) مليون دولار، وفق إحصاءات صادرة من المجلس القومي للأدوية والسموم الحكومي، بينما تغطي الصناعة المحلية حوالى (40%) فقط من حاجة السوق، ويبلغ عدد المصانع العاملة في صناعة الأدوية نحو (27) مصنعاً، تُنتج نحو (232) صنفاً، من بينها أدوية الضغط والسكري والأزمات القلبية والمضادات الحيوية بأنواعها ومخفضات الحرارة، وأدوية الملاريا. وطالت الزيادة الجديدة الأدوية والعلاجات المنقذة للحياة، إلى جانب أدوية السكر والضغط وأمراض القلب والشرايين وغيرها من الأدوية.. هذا الارتفاع غير المتوقع في الأسعار، أثار الذعر وسط المواطنين، والقلق وسط الصيدلانيين.

البرلمان يتقصى
كانت لجنة الصحة بالبرلمان قد أعلنت عن ارتفاع أسعار الأدوية بنسبة (200%) بالمستشفيات والصيدليات مقارنة بالأسعار قبل ارتفاع الدولار، وأكد رئيس اللجنة بالإنابة “صالح جمعة” وجود نقص كبير في المحاليل الخاصة باستزراع الكلى بمستشفيات البلاد، مشيراً إلى أن عدداً كبيراً من مرضى الكلى ينتظرون توفير المحاليل بعد توقف الشركات عن استيرادها منذ (3) أشهر بسبب ارتفاع الدولار وتذبذب قيمة الجنيه أمامه، مشيراً إلى أن الشركات المستوردة عجزت عن توفير العملات الأجنبية لتوفير المحاليل الخاصة بمرضى الكلى، وقال إن عدم التزام وزارة المالية بتوفير الأموال تسبب في هذه المشكلة.
وقال “جمعة”: (فواتير الدواء أصبحت مديونية على الشركات وهذا يعرقل عملية الاستيراد)، مشيراً إلى أن سوق الدواء بالبلاد يشهد فوضى كبيرة وعدم انضباط والتزام بأسعار الأدوية)، وأضاف إن أسعار الأدوية متضاربة بين المستشفيات الخاصة والعامة وبين الصيدليات.
ويرى خبراء أن زيادة الأسعار تعد خرافية، خاصة وأن الزيادات بدأت مع بداية هذا العام، واستمر الارتفاع دون أن تتدخل الدولة وتضع الضوابط اللازمة لكبح جماح السوق.

حياة تحت رحمة الأسعار!!
وذكر صيدلاني في حديثه لـ(المجهر) أن هنالك زيادات بنسبة كبيرة في أسعار الأدوية تراوحت ما بين (100 – 200%) عن الأسعار السابقة، وأن هنالك ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار أدوية الأمراض المزمنة كالضغط والسكري، وأن أسعار أقراص (دواء اتاكات) الخاص بتنظيم ضغط الدم ارتفع من (280 إلى 418) جنيهاً وارتفع سعر أحد أصناف أدوية السكري من ( 550 إلى 1037)، فيما كشفت الجولة عن انعدام بعض الأدوية كبخاخ الربو نهائياً.
ويشار إلى أن معظم شركات الأدوية المستوردة زادت أسعارها، فيما زادت أسعار الأدوية المصنعة محلياً، وقال إن هنالك شركات أوقفت التوزيع حالياً حتى تتبين استقرار أسعار الدولار، وقال: (قد تتوقف بذلك عجلة الحياة)، وأردف: (قد يعيش الإنسان بخبز حاف، لكن لا أنصاف حلول مع الدواء إما العلاج أو تدهور حالة المريض، وقد يفقد الحياة).

المواطنون يصرخون
قال مواطن: (بالرغم من أن المرض يفاجئ البعض منا، كما يفاجئنا الموت في أي وقت ولحظة، فكلاهما من عند الله وحده، إلا أنه لم يعد هناك مال لدينا لعلاج المرض، فالميزانية لم تعد تتحمل أو تسمح لنا بأي مرض، حتى ولو كان مرضاً بسيطاً، كالالتهابات مثلاً، وما أكثره عند أطفالنا، فإذا مرضنا وكان المرض في بدايته نهمله حتى نفاجأ بتدهور حالتنا نسبة لارتفاع سعر العلاج)، وأضاف: (هل نأكل لنحافظ على الحياة أم نتعالج لنعيش.. خياران أحلاهما مر).
وتتزايد شكاوى المواطنين من ارتفاع أسعار الدواء واختفاء بعض أصنافه الحيوية، فيما يُتساءل عن صمت الدولة دون أن تحرك ساكناً تجاه قضية من أكثر القضايا التي تهم المواطن.

حماية المستهلك تطالب بعودة دعم الدولة
إن كان بوسع المرضى مقاطعة الدواء لفعلوا مثلما قاطع بعضهم اللحوم عندما (ارتفع سعرها)، هذا لسان حال حماية المستهلك عندما طالبت الدولة بإرجاع الدعم مرة أخرى للأدوية، وقالت إن الارتفاع نتيجة للفوضى في سوق الدواء، وأرجع رئيس جمعية حماية المستهلك السودانية د. “نصر الدين شلقامي” في حديثه لـ(المجهر) أزمة الدواء في البلاد إلى اتجاه الشركات المستوردة لتلبية احتياجاتها من العملات الأجنبية والتي أصبحت من الصعوبة بمكان عقب القرارات الصارمة تجاه السوق الموازي، خاصة وأن البنك المركزي كان يغطي ما نسبته (20%) من احتياجات الاستيراد والمقدرة بنحو (350) مليون دولار أمريكي.
وأبدى “شلقامي” أسفه من تعامل الدولة مع الدواء كأي سلعة أخرى، مطالباً إياها بإرجاع الدعم للدواء، حاثاً كل الأطراف المسؤولة على وقفة جادة من أجل إيجاد حل عاجل للمشكلة.

انهيار وشيك
سبق وحذر الصيدلانيون من أن سياسات الحكومة بتحرير أسعار الدواء ستؤدي إلى انهيار الخدمات الطبية في البلاد، وأن هذا الإجراء يعني تلقائياً مضاعفة أسعار الأدوية ويجعلها خارج السيطرة تماماً، وسيلقي بظلاله وآثاره السلبية في انعدام حق الفقير في الحصول على العلاج والدواء، وربما هذا ما أكده الحال الآن وخبراء يتوقعون انهياراً وشيكاً لقطاع الصحة بالبلاد ما لم تتدخل الدولة لضبط وتنظيم استيراد الأدوية.
وحسب خبراء، لم يمنع قرار توطين صناعة الدواء في السودان من تجدد أزمة زيادة أسعار العقاقير.

صحيفة المجهر االسياسي.