من يقوم بالأعمال القذرة لفيسبوك وغوغل؟
تلك هي الصفقة بين وسائل التواصل الاجتماعي والمستخدمين في العالم الرقمي، وهي تشبه صيغة الزراعة بالمشاركة التي كانت سائدة قديما في الجنوب الأميركي، حسبما وصفها البروفيسور المتخصص في الفهم العام للتكنولوجيا بجامعة أوبن، جون ناوتن.
والزراعة بالمشاركة هو شكل من أشكال الزراعة التي يسمح مالك الأراضي فيها للمستأجر بالانتفاع من الأرض مقابل حصة من المحاصيل المنتجة. غير أن “ملاك الأراضي” في النسخة الرقمية يختلفون في درجات الكرم، بحسب ناوتن.
فعلى سبيل المثال، يعطي فيسبوك حصة “صفر” لمن يستخدمون أرضه. وعلى النقيض، فإن يوتيوب التابع لغوغل يتيح للهواة محطات إذاعية مجانية يستطيعون من خلالها تحميل أفلامهم ، وإذا انتشرت بشكل يجلب إعلانات، فإن لهم حصة صغيرة من العائدات، وقد يجنون أموالا إذا اجتذبت أعدادا كبيرة من المشاهدين.
وقد حقق نظام المحاصصة نجاحا هائلا منذ عام 2006، عندما اشترت غوغل يوتيوب وفتح فيسبوك أبوابه أمام المواد العفوية. لكن مع مضي الوقت اكتشف المستخدمون أن الأخبار المزيفة والمحتوى التافه وجد فرصة أفضل في الانتشار من المعلومات الجدية التي تتمتع بمصداقية .
كما انتشرت المحتويات العنيفة وتلك التي تحوي خطابات كراهية وعنصرية وإسلاموفوبيا. وبينما يعتقد كثيرون أن مواقع التواصل مثل مرآة تعكس الطبيعة البشرية، إلا أن ما نراه على سطحها ليس جميلا بالضرورة.
وقد حاول مالكو المنصات الإلكترونية تجاهل هذه المشكلة عن طريق دعوة المستخدمين إلى “الإبلاغ” عن أي محتوى غير لائق. لكن مع إتقان جماعات إرهابية مثل داعش التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، تغير المحتوي غير اللائق من كونه مزعجا إلى كونه مهددا للحياة.
لذا قرر المعلنون الكبار، على سبيل المثال، رفض عرض إعلاناتهم على مقاطع فيديو لقطع الرؤوس، ووجد المسؤولون التنفيذيون في وسائل التواصل الاجتماعي أنفسهم أمام لجان استجواب في الكونغرس الأميركي وتلقوا تهديدا من الاتحاد الأوروبي بعواقب وخيمة إذا لم ينظفوا ممارساتهم.
جيش تنظيف المحتوى
ولمواجهة هذه الإنذارات، لجأت مواقع التواصل إلى تجنيد موظفين إضافيين للتعامل مع المحتوى غير النظيف. فعلى سبيل المثال، يعمل في فيسبوك وحدها 10 آلاف شخص إضافي مهمتهم ضمان السلامة والأمن بشكل عام، فيما يتوقع أن يرتفع عددهم إلى الضعف بنهاية عام 2018.
وأعلنت المديرة التنفيذية في يوتبوب، سوزان وجسيكي، عن هدفها المتمثل في جلب ما يزيد عن 10 آلاف شخص لتنظيف المحتوى في عام 2018.
لكن ما يثير الاهتمام هو عدم تحديد ما إذا كانت الغالبية العظمى من هؤلاء المستأجرين سيحظون بعمل ثابت أم سيعملون كمتعاقدين خارجيين.
ويقول ناوتن:”حدسي يقول أنه الاحتمال الآخر”، متسائلا:” لكن ما نوع العمل الذي سيقومون به وتحت أي ظرف؟”.
ويتابع:” هذا مهم لأن الكثير من المحتوى المرفوض الذي يتم تحميله على وسائل التواصل الاجتماعي هو حقا مقزز”.
وأشار إلى عواقب نفسية مؤلمة يعانيها ضباط الشرطة الذين يطلب منهم مراجعة مقاطع الفيديو التذي يظهر بها سوء معاملة للأطفال، من أجل متابعة إجراءات التقاضي.
“لكن حتى الآن لا نعرف شيئا تقريبا عن الظروف التي يتم العمل على تنظيف المحتوى في فيسبوك وغوغل”.
وذكرت الأستاذة في جامعة كاليفورنيا سارة روبرتس في مؤتمر عقد في لوس أنجلوس قبل أيام، إن المتعاقدين يحصلون على نحو 20 سنتا عن كل صورة يراجعونها.
وبحسب ناوتن فإن ذلك يدق ناقوسا بشأن التأثير النفسي الذي يخلفه هذا النوع من الأعمال.
وقال أحد المتعاقدين أمام المؤتمر أنه عندما ترك العمل في موقع ماي سبيس للتواصل الاجتماعي، “لم أصافح أحدا لثلاث سنوات على الأقل.. فقد اعتقدت ان الناس مقززون”.
وأضاف:” لم أستطع لمس الناس، كنت أشعر بالاشمئزاز من الإنسانية عندما تركت العمل هناك. وكذلك كان زملائي في العمل.. فقد تركناه ونحن محملين بمشاهد فظيعة”.
ويسلط ذلك الضوء على الجانب المظلم من العالم الشبكي، فلا يوجد بحسب ناوتن شيء مجاني على الشبكة، فـ”السلامة على الإنترنت لها ثمن”.
سكاي نيوز