وتؤكد الحكومة على استقرار الاقتصاد السوداني وأنه يمضي نحو التعافي.. لكن كيف يقيم الخبراء والمراقبون الأداء على أرض الواقع؟
قال وزير المالية إن هناك خطوات وإجراءات لدمج الاقتصاد السوداني في الاقتصاد العالمي ومناهضة الفقر بجانب توفير خدمات الصحة والتعليم ومياه الشرب النقية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وكشف عن سياسات لتنظيم الأسواق وتفعيل القوانين الخاصة بالتجارة للتحكم في الأسعار، مبينًا أن الاقتصاد السوداني مستقر ومتوازن رغم الحصار والصدمات وتبعات انفصال الجنوب واتفاقية السلام الشامل التي أثرت على الموازنة، وألمح إلى معالجة مشكلات الاقتصاد تدريجياً، وقال: “بكل أسف أقولها (لما دخلت موارد البترول للاقتصاد حصل كسل من قبل المواطنين)”.
(1)
بالنسبة لعبد الحليم إسحق الخبير الاقتصادي، فإن قرار دمج اقتصاد السوداني مع الاقتصاد العالمي، سيسهم في زيادة التجارة وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وإنهاء العزلة الاقتصادية التي أثرت على البلاد لعقدين، وأشار إلى أن رفع العقوبات، سيسهم في تقدم السودان في الجوانب الاقتصادية بصورة كبيرة لأن البلاد تحظى بإمكانيات ومقومات كبيرة جدا بجانب احتياطيات الذهب والمعادن الأخرى.
ويتعين على السودان الحصول على موافقة جميع الدول الأعضاء للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية ومن بينها الولايات المتحدة التي مازالت تعتبر السودان ضمن لائحة الدولة الراعية للإرهاب.
ويؤكد الخبير الاقتصادي إسحق لـ(اليوم التالي) أن الانضمام للمنظمة جزء لا يتجزأ من الإصلاحات الاقتصادية السودانية، وأضاف: “نظرا لحجم السودان وموقعه الاستراتيجي بين سبع دول سيكون لانضمامه تأثير كبير على المنطقة”.
ومنذ محادثات السودان السابقة للانضمام، أدخلت منظمة التجارة العالمية قواعد جديدة لتيسير عضويتها أمام الدول النامية الصغيرة، وهو ما يعني أن محاولة الخرطوم لدخول المنظمة المؤلفة من 164 عضوا ربما تمضي بشكل أسرع مما كانت عليه الأمور قبل 13 عاما.
(2)
يرى محمود أستاذ الاقتصاد بجامعة السلام أن الاقتصاد السوداني ليس مستقرا، وإنما متذبذب، مشيرا إلى عدم ثبات سعر الصرف، وضيق المعيشة وسط المواطنين، بجانب زيادة الجمارك والضرائب.
ويدعو آدم محمود إلى إصلاح الحال الاقتصادي بإزالة تلك التشوهات، ويحذر من انعكاس زيادة الدولار الجمركي على مناخ الاستثمار بالبلاد لجهة إحجام المستثمرين عن الدخول في شراكات أو استثمارات جديدة بحجة التغييرات المفاجئة في السياسات الاقتصادية، معتبرا أن زيادة سعر الدولار الجمركي، ستؤثر على مشاريع التنمية التي وضعت برامجها في موازنة العام الحالي.
وقلل أستاذ الاقتصاد آدم من إجراءات وزارة المالية مثل رفع الدعم لزيادة الإيرادات، وطالب بالعمل بجدية على خفض الإنفاق الحكومي وزيادة الإنتاج الذي قال إن تراجعه تسبب في ارتفاع غير مسبوق في حجم الواردات، بالإضافة إلى إزالة التشوه في ميزان المدفوعات من خلال خفض الاستيراد، ووقف استيراد السلع التي تشكل عبئا على ميزان المدفوعات، مشيرا إلى أن الكثير من سلع الوارد تعتبر هامشية وليست ضرورية. وتوقع أن تزيد ميزانية هذا العام في التنمية وفي الخدمات خاصة بعد وقف العدائيات وتقليل الحرب في دارفور ونزع السلاح وتعويض الموازنة المخصصة للحرب لصالح مشروعات التنمية.
ورجح أن يساهم توسع الاقتصاد في توفير الوظائف للخريجين واستيعابهم في الحزم الاستثمارية التي بدأت تنهال على البلاد منذ إعلان رفع الحظر الجزئي والعمل على زيادة الإنتاج والإنتاجية.
(3)
في السياق يقول حسين القوني ـ خبير اقتصادي لـ(اليوم التالي) إن زيادة الصادر تدفع بالاقتصاد السوداني إلى الاندماج مع الاقتصاد العالمي، خصوصا وأن البلاد كانت في السابق محظورة من التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع الدول الصديقة لأمريكا، وبالتالي لا يملك السودان تفاعلا وتبادلا أو نشاطا تجاريا مع هذه الدول.
لكن الوضع تغير الآن كما يقول القوني، إذ أصبحت الفرصة متاحة للإندماج بالنظام العالمي، مشددا على ضرورة أن يكون الاقتصاد السوداني جزءا من المنظومة العالمية للتجارة، وأكد أن السودان لازال في قائمة الدول الراعية للإرهاب، مما يحرمه من بعض الحقوق الدولية، منها مساعدات المنظمات الدولية وشراء السلاح وغيرها من الحقوق، مبيناً أن نشاط البلاد الاقتصادي كان ضئيلا بالإضافة إلى ضعف الصادرات، داعيا إلى الاتجاه نحو زيادة الإنتاج لدعم الصادر عن طريق خفض بعض الرسوم المتعلقة بالإنتاج الزراعي وغيره للمنافسة خارجياً.
(4)
وتعليقا على كلام وزير المالية (الاقتصاد السوداني يشهد استقراراً)، قال القوني إنه لا يوافق الوزير على هذه النقطة، في ظل الزيادات الدورية بتكاليف المعيشة وفي ظل التضخم المرتفع وتصاعد أسعار الدولار بالسوق الأسود بالإضافة للعجز المستمر في ميزان المدفوعات والعجز في ميزانية الدولة سنوياً، بجانب عدم الاستقرار في سياسات الحكومة المالية والاقتصادية.
وأشار الخبير الاقتصادي القوني، إلى أن التدابير في إدارة الأسواق لم يفصح عنها الوزير لكنها تحتاج للتفصيل حتى يستطيع المراقبون والمتعاملون في الأسواق التعرف على مصداقية الحكومة من خلالها، موضحاً أن السياسات الحكومية ما تزال (خاربة للأسواق) لكونها تفرض رسوما وضرائب وزيادات سنوية غير مبررة لا تتناسب مع الخدمات التي تقدمها، وأردف: دائما الزيادات تأتي مع نهاية السنة المالية دون مراسيم تشريعية، مما يعتبره القوني مخالفا للدستور، لافتا إلى أن زيادة الرسوم دائماً ما تجاز قبل شهر من الموازنة حتى لا تظهر في الموازنة كزيادات مما يشكك في أن الإدارة الاقتصادية تستخدم أسلوب (التمويه) في الإجراءات الاقتصادية المؤثرة على المواطن.
وحول حديث الوزير: (لما دخلت موارد البترول للاقتصاد حصل كسل من المواطن)، علق القوني بالقول: مثل هذا التصريح غير مبرر خصوصاً وأن أي مواطن يسعى لزيادة دخله، لكن القوني يعتقد أن زيادة الدخل قد تزيد من (جشع التجار).
وينتقد القوني في شدة الرسوم التي تضعها الدولة بشكل مباشر وغير مباشر على أسعار السلع قد تصل إلى (200 % ـ 300 %)، وشدد على ضرورة توفير المناخ الاستثماري المناسب للإنتاج، وبين أن سبب انتشار العطالة نتيجة لقصور موارد الدولة وموارد الحكومة وسياساتها في تحقيق أهداف المواطنين.
(5)
تقول الحكومة إنها وضعت معالجات لتخفيف أثر تحريك أسعار الدولار الرسمي والجمركي وإنها عملت على تلافي ارتفاع الأسعار عبر خفض الرسم الإضافي لعدد من السلع وإعفاء بعض السلع من الجمارك.
بيد أن عبد العظيم المهل الخبير الاقتصادي يقول لـ(اليوم التالي) إن المعالجات على بعض السلع بإعفائها من الرسوم الجمركية، غير كافية، واعتبرها معالجات مكررة تقوم بها الحكومة كل عام، موضحا أن الحكومة ظلت توعد المواطن بالدعومات، وتذهب الوعود أدراج الرياح ولا تنفذ وكل ما ينفذ من إجراءات في غير مصلحة المواطن على حد قوله.
ولفت المهل إلى حديث وزارة المالية عن دعم إجتماعي، معتبرا إياه (مجرد كلام انتقائي) وأوضح أن الأسعار بدأت في الارتفاع منذ نهاية العام الماضي، وصار الغلاء فوق طاقة المواطن، لافتا إلى أن الحكومة تقول إن تحريك الدولار الجمركي لن يؤثر على السلع لكن ذلك غير صحيح، داعيا الحكومة إلى ما أسماه (احترام المواطن) والوضوح مع الشعب، ونادى المهل بشفافية القرارات الحكومية والكشف بتبسيط عن تفاصيل الموازنة العامة وتحديد نوع الزيادات والحجم الحقيقي للإيرادات وإلى أين تذهب.
ورأى المهل أن هناك عدم وضوح في عائدات البترول والذهب في ميزانية الدولة، منتقدا الصرف على الأمن والدفاع، في ظل عدم توفر دعم كاف للخدمات، مشيرا إلى أن ميزانية الصحة والتعليم لا تزيد عن 1% و(بعد ذلك تأتي الحكومة وتقول إن الأمور سوف تتحسن) على حد قوله.
وقال المهل إن الوضع الاقتصادي في البلاد يشوبه الحذر، وأي قفزة أو زيادة كبيرة لا تقابلها أي زيادة لمحدودي الدخل والفقراء .
حسبنا الله ونعم الوكيل