كاتب سوداني يدعو قيادات الحكومة الى التبرع بنصف ثرواتهم للخزينة العامة
عندما أحس الرئيس الراحل جعفر نميري بالمأزق الاقتصادي لحكومته قدم بيانه بمنتهى الصراحة قائلاً :”سبب زيادة الأسعار هو انخفاض سعر الجنيه السوداني أمام الدولار, و لأنني رفعت الدعم عن جميع السلع فالدولار أصبح الآن يدوخ جميع العملات و قد يأتي وقت تمتلئ فيه جيوبكم بالجنيهات وتكونوا غير قادرين على شراء شيء .. علينا أن نقتصد في كل شيء, من يأكل ثلاثة و جبات يأكل وجبتين, و من يأكل وجبتين يأكل واحدة , و من يأكل وجبة واحدة يأكل نصف وجبة.. لماذا نشتري المعلبات الغذائية و الصلصة؟! نحن يا جماعة نأكل الويكة” .
* ليست القيمة في استحضار الخطاب نفسه والحقبة الزمنية، لكن يمكن استحضار معنى الوضوح والاعتراف بالفشل بدلا من الانكار، فنحن لا نعاني اليوم اقتصاد ندرة، كل شيء متوف وغالي ويعاني أغلبنا في الحصول عليه لكنه متوفر، ما هو غير متوفر مخاطبة مخاوف الناس ورغبتهم في معرفة ما يجري بالضابط، وهل يعاني مبارك الفاضل وزير الاستثمار والركابي وزير المالي مثل ما نعاني، هل يعاني سكان القصر العالي مثلنا ؟ كيف يدبر رئيس مجلس الوزراء حاله في البيت؟ وماذا عن الطاقم الاقتصادي في الحزب الحاكم، هل يعافرون مثلنا في الحصول على الخبز والسكر؟
* أروع ما في النميري أنه فتح قلبه وقدم الحقيقة عارية، وبمنتهى الشفافية، وبدا بنفسه في التقشف، ولعله أدرك أن السودانيين بطبعهم، يحبون الوضوح ومن يقتسم معهم الرزق القليل ويواسي جراحهم، لا أن يخرج كل يوم سياسي ويمتن عليهم، فمنهم من ردد على مسامعنا : “لو رجعناكم سنة 1989 حتمشوا المقابر” وأحاديث (الصابونة، ودولاب الملابس ونحن لمن استلمنا البلد دي كنتوا وكنتوا “.. نفس اللغة الفقيرة والأسلوب المستفز لأمة تعيش حياتها بشرف، وتتمزق أخر الليل كالفراشات على فم المصباح .
* ولعل أهم ملاحظة، أو هى الشرط الأساسي إذا أردتم منا أن نحتمل الأزمة والغلاء، ولا يوجد سبب واحد يجعلنا نحتمل الغلاء، فكونوا مثلنا _ على الأقل- شاركونا قصعة التقشف، من كان يمتلك سيارتين فليتبرع بواحدة، ومن كان يمتلك عمارتيتن فليتخلى عن واحدة، ومن يمتلك الشركات والأرصدة في دبي وماليزيا، عليه أن يعيدها، هى في النهاية أموال الشعب، ومن عرق الكادحين، وفقر السودانيين المدقع، وحتى أموال الحركة الإسلامية إن كانت لها أموال خفية يجب أن تعود إلينا، من حقنا عليهم أن يقتسموا معنا حصاد سنوات السلطة، وأن تتنزل معاني المواخاة الصادقة التي حدثت بين المهاجرين والأنصار، وأذابت الفوارق تماما .
* مطلوب بيان بالعمل، وليبدأ العرض المنتظر بوزير المالية، بوصفه المعني أكثر من غيره بتبعات سياساته الاقتصادية، عليه أن يتخلى عن راتبه ومخصصاته والجيش الجرار من الوزراء والبرلمانيين، ، وبالمقابل أيضاً الوزير السابق علي محمود الذي دعانا للعودة لـ”الكسرة” وتفرغ هو للمتاجرة بالعقارات المليارية، ومن ثم رهط رجال أعمال الحزب الحاكم، وهم مثل (الهم على القلب) .. فليتبرعوا بنصف ثرواتهم، والتي عندنا فيها حق معلوم، كفاهم ترف ورحلات دولارية، وعمارات استطالت، ومشاريع فاشلة لم تسهم في رفع الناتج القومي، حتى نمت طبقة أطلق عليها العامة (أثرياء الغفلة) .. وهى اليوم لا تشعر بالضيق وفداحة الأمر .
* أما البعثات الدبلوماسية، والوفود المتناسلة لمشاركات خارجية بلا معنى، والمهرجانات الفاشلة فهذه فاتورة باهظة الثمن، ندفعها نحن الغلابى، ندفعها من قوت أولادنا، وكثيراً ما نسمع ببعثة دائمة، وبعثة مشاركة قوامها العشرات، ومهرجانات ولائية، تكلف الخزينة مليارات الجنيهات، دون أن تحدث أثرا، بل تبدو تلك الرحلات والمهرجانات ذات عوائد شخصية، أكثر ما يحظى بها الأصدقاء والأقارب.. الأمر الأن بيد الدولة في أعلى سلطاتها، لا بد من قرارات شجاعة، ترشد الحكم، وتحارب الفساد كيفما يكون، وتعترف بالأزمة وتضبط الإنفاق العام، وتعيد للجنيه اعتباره وتتخذ سياسات ناجعة بما يعود ريعه مباشرة على “قفة الملاح” . أما الخطاب الذي ننتظره فهو خطاب الاستقالة.
بقلم
عزمي عبد الرازق
ده الكلام الصااااااااااااااح المزيد المزيد المزيد في هذا الموضوع وعلى نطااااااااق اوسع
لا فُض فوك.والله قلت كلام تمام وفي الصميم لكن هل هناك من أذن واعية وعقل يتفهم وقلب [يحن] للمشاركة في تقاسُم الالم والانين؟ ما اظن ح يحصل خصوصا ممن ذكرتهم بالاسم فهؤلاء يعيشون في ابراجهم العاجية وبعضهم تربى على كسرة الدوكة والان لا يعرفون كيف تُعاس الكسرة بل يستعملون افران المكيرويف وقد لا يأكلون الكسرة لاها في اعتقادهم للفقراء فقط وهم ليسوا فقراء بل يتمرغون في نعيم الثراء (المغشوش). شكرا ايها الكاتب فقد اسمعت ناديت حيا.