رأي ومقالات

هل يواجه السودان حربا من الجيل الرابع (4th Generation War)

يمر السودان بمنعطف خطير غير مسبوق يواجه فيه تحديات تحكمها معطيات داخلية وخارجية مختلفة من بينها تدهور الوضع الاقتصادى بصورة مريعة فى ظل أوضاع ساسية أكثر تعقيدا أما على المستوى الدولى فتواجه البلاد محاور استقطاب بين شركاء متشاكسين تتقاطع مصالحهم القومية بحثا عن موطء قدم فى القرن الإفريقى والبحر الأحمر والموارد الاقتصادية بل فوق هذا وذاك أن أدوات هذا الاستقطاب قائمة على الوكالة أو ما يعرف بـ (proxy)، لذا الحديث هنا ليس عن الحكومة أو المعارضة بل عن السودان الوطن مما يحتم على الجميع اليقظة و الحذر والتحلى بروح المسؤلية حيال الوطن. مدار الحديث هنا عن بعض ما أري أنه خطر ماثل يتعرض له السودان و يحمل ذلك الخطر ملامح مما يعرف بحرب الجيل الرابع التى أحدى سماتها إصابة مؤسسات الدولة خاصة الاقتصادية بحالة شلل كامل. ولمعرفة ذلك نورد تصنيفا للحروب التى أوردها خبراء العسكرية على النحو التالى:

أجيال الحروب:
يرى العديد من المحللين الاستراتيجيين والعسكريين أن التأريخ للحروب الحديثة يرجع إلى توقيع (معاهدة صلح وستفاليا (Peace of Westphalia) عام 1648 التي ارتبطت بنشأة الدول القومية واحتكارها الاستخدام الشرعي للقوة. حيث تم التمييز بين عدة أنواع من الأجيال للحروب وصلت لستة أجيال،نذكر منها: (أ) حروب الجيل الأول اعتمدت على استخدام البنادق والمدافع البدائية، (ب) حروب الجيل الثاني ارتبطت نشأتها بظهور معدات عسكرية حديثة، مثل المدرعات الثقيلة، والطائرات المقاتلة، فضلاً عن الاستفادة من الاقتصاد الصناعي للدول الأوروبية لإنتاج العتاد العسكري بكميات ضخمة، (ج) حروب الجيل الثالث ظهرت أثناء الحرب العالمية الثانية وأهم سماتها التطور التكنولوجي، خاصة ظهور الدبابات، وتطور الطائرات المقاتلة ونظم الاتصالات، مما ساعد على القيام بـالمناورات العسكرية بدرجة لم تكن معهودة سابقاً و (د) حروب الجيل الرابع وهو مفهوم أبتدره ضابط أمريكى يدعى وليم س. ليند فى عام 1989م وظهر فى مقالة له تحت عنوان:
“Thr Changing Face of War: Into the Fourth Generation”
شرح فيه المفهوم ومن ثم توال تأطيره من عدة جهات، هذا وقد لخص د. احمد المرهبى -فى مقال تحت عنوان :” الجيل الرابع.. المواطن جندي في جيش عدوه”- اهم عناصر هذا الجيل كما يلى: الحرب بالإكراه أي أن على العدو قبول الحرب رغما عن إرادته (الحرب على الإرهاب، سواء كانت التنظيمات محلية أو متعددة الجنسيات)، زعزعة الاستقرار الذي يأخذ صورا متعددة، (كاستخدام الضغوط السياسية والاقتصادية والحقوقية والعسكرية لتشكيل حالة من الإرباك وعدم الاستقرار، الغزو الثقافي (تفتيت الدولة الواحدة واستخدام تكتيكات التمرد لإفشال الدولة من أجل فرض واقع جديد و استخدام القدرات العقلية، أو ما يعرف بـالقوة الذكية (حرب الإعلام والإشاعات). وتستخدم في كل هذا وسائل الإعلام الجديدة (مواقع التواصل الاجتماعى) والتقليدية ومنظمات المجتمع المدني للمعارضة والعمليات الاستخبارية والنفوذ وغيرها من الوسائل.

حرب الإعلام والإشاعات ضد المؤسسات الاقتصادية عبر مواقع التواصل الاجتماعي:
مجال حديثنا هنا هو أحد عناصر حرب الجيل الرابع وهى حرب الإشاعات التى تعج بها مواقع التواصل الاجتماعى واكبر هذه الإشاعات تلك التى تتعلق بالمؤسسات الاقتصادية السودانية و أهمها المصارف وعلى رأسها بنك السودان ، حيث تتنشر الشائعات حول أن البنك وضعا سقفا يحد من سحب العملاء لودائعهم فى البنوك السودانية أو شائعة أخرى أن عميلا واحد سحب فى لحظة واحدة 90 مليار جنيه وتبين أن ذلك مجرد شائعات أو أن البنوك على وشك الإنهيار أو أن الخبير الفلانى (أجنبى/سودانى) تحدث عن التضخم الجامع. وهنا لابد من أن نفرق بين نقد أو حتى معارضة الحكومة و مهاجمة مؤسسات الدولة، فالمؤسسات ملك للشعب وليس ملك للحكومة أو المعارضة. فماذا نجنى من أن نشكك فى مؤسسات البلاد الاقتصادية لنفقدها الثقة؟ ففقدان الثقة فى المؤسسات الاقتصادية و المالية يضر بالبلاد على المستوى المحلى و المستوى الدولي. فمحليا عندما تنعدم الثقة فى البنوك يبدأ كل من لديه ودائع سحبها ووضعها فى قيمة آمنة مثل الذهب أو العقارات أو شراء العملات الأجنبية خاصة الدولار مما يزيد الطلب على الدولار وبالتالى ارتفاع سعره مقابل الجنيه لأن الدولار اصبح كالسلعة وليست وسيط للتبادل، كذلك فقدان الثقة يساعد على هروب رأس المال المحلى لخارج السودان أما على المستوى العالمى فإن فقدان الثقة فى بنك السودان أو البنوك السودانية يساعد على هروب المستثمرين الأجانب فى السودان وخروجهم و تخويف الذين برغبون فى الدخول للسودان بل حتى تعامل المؤسسات المالية الدولية مع بنك السودان يتأثر بذلك وكذلك قطاع الصادرات والواردات يتأثر . ما ذكر هو فقط مثال بسيط على تأثير الشائعات الاقتصادية على الوضع القائم فهى لن تزيد الطين إلا بله والأوضاع تعقيدا وذلك ليس فى مصلحة الحكومة او المعارضة والخاسر هو المواطن البسيط والوطن ككل.

لا تصبج جنديا في جيش عدوك:
المعارضة حق مشروع لكل الأفراد والجماعات والأحزاب و لكن لا بد من التفريق بين سقوط الحكومة وسقوط الدولة،فالحكومات تأتى و تذهب وكذلك أحزابها ونفس الشئ ينطبق على المعارضة وأحزابها ولكن مؤسسات الدولة كُونت لتبقى فهى ملك للشعب وليس للحكومة أو المعارضة فماذا نستفيد من سقوط مؤسسات الدولة وخرابها؟ لذا لابد من التحلى باليقظة و المسؤلية حكومة ومعارضة تجاه مؤسسات الدولة ووضعها فوق الجميع ( أحزاب وافرادا) وعلى من يروجون للشائعات تحرى الصدق والدقة فيما يكتبون أو ينقلون لأن ذلك أمانه ينبغى مراعاتها بعيدا عن الكسب الضيق والإثارة و أحراز قصب السبق ضد من يخالفونهم حتى وإن كان ذلك يعنى ذهاب مؤسسات الدولة أو الدولة بأكملها. نحن فى عصر تقنية وسائل إعلام حديثة تنتشر بسرعة فائقة وفى لمح البصر وعبر عدة وسائط تخاطب عدة طبقات من المجتمع بمختلف مقدرته الذهنية والعقلية وحتى مستواه التعليمى لذا لابد من تحرى دقة وصدق المعلومة. ينبغى على وسائل إعلامنا تحمل مسؤلية النشر الصادق وتبنى المهنية بعيدا عن السبق الصحفى والإثارة الضارة وعلى إعلام الدولة نشر الحقيقة متحريا الصدق و الشفافية منعا للتشويش و تصحيحا للحقائق.
نسأل أن يلهم الجميع حكومة ومعارضة الصواب والرشد تجاه وطن لا يستحق إلا الإجلال والتقدير والمكانة الرفيعة فوق الهامات وأن يمن على الجميع بنعمة الإطعام من الجوع والأمن من الخوف

د. أحمد عبد الباقى