تحقيقات وتقاريرمدارات

قصة شاب سوداني اعترف تحت الضرب والتعذيب من الشرطة بجريمة قتل لم يرتكبها وتمت محاكمته بالإعدام.. كيف ظهرت براءته؟


أصدر مدير عام الشرطة فريق أول هاشم عثمان الحسين توجيهاً لمنسوبيه منع بموجبه إكراه المحتجزين بالحراسات على الاعتراف أو تعريضهم للضرب والتعذيب المميت ووجه منسوبي الشرطة الجنائية بالبحث عن البينات والأدلة الظرفية والتعامل مع المتهم بوصفه بريئا حتى تثبت إدانته.

لحظات عصيبة مرت بالشاب (أ) وهو داخل زنزانته بسجن كوبر ينتظر إنفاذ عقوبة الإعدام عليه، فكان كلما سمع صرير بوابة الإعدام انقبض قلبه وتسارعت نبضاته وجف الدم بعروقه بل وبلغ أكثر من ذلك حيث أنه كلما سمع أصوات اقدام تقترب من زنزانته ظن أنه سيساق إلى حبل المشنقة وهو يعلم في قرارة نفسه أنه لم يقتل أحداً ولكنها ربما قسمة من الله سبحانه وتعالى أن يُعاقب بذنب لم يرتكبه.

قبل عدة أعوام كان الشاب (أ) قد ألقت الشرطة القبض عليه بسبب وجود بصماته بمسرح الحادث وذلك حينما تلقت الشرطة بلاغاً بمقتل شاب بحفل بمنزل بمدينة بحرى. وسارعت الشرطة للموقع وحرزته وألقت القبض على الشاب (أ) بعد أن أشارت إليه أصابع الاتهام وتم إيداعه الحراسة وتم ضربه وتعذيبه إلى أن أقر بارتكابه للجريمة وأحيل للمحكمة حيث صدرت في مواجهته عقوبة الإعدام وانتقلت أوراق القضية إلى محكمة الاستئناف ومنها للمحكمة العليا وتم تأييد العقوبة بكافة مراحل التقاضي وأمرت المحكمة العليا بتنفيذ عقوبة الإعدام في مواجهة المتهم والذي ظل بزنزانته ينتظر تنفيذ العقوبة عليه وهو يصلي ويبتهل ويدعو الله أن تظهر براءته.

بينما كانت الشرطة تجري تحريات واسعة في جريمة وقعت حديثاً ألقت القبض على المتهم بارتكاب تلك الجريمة. وأثناء التحري معه فاجأ المتهم الشرطة بأنه سبق أن ارتكب جريمة قتل بشعة وبينما يتحرى المتحري فوجئ بالمتهم يسجل اعترافاً بكل سهولة بارتكابه لجريمة القتل التي وقعت بمنزل الحفل فكانت الطامة وسارع المتحري ليبلغ رؤساءه وبإعادة استجواب المتهم أقر بارتكابه للجريمة وتناول تفاصيلها بالكامل وكيف ارتكبها فجاءت اعترافاته مطابقة لحيثيات مسرح الجريمة بل وأجابت عن كل التساؤلات التي لم يُعثر فيها على إجابة من المتهم الأول الذي ثبت أنه بريء لتسارع الشرطة وتوقف الإعدام وتمت مخاطبات عدة أسفرت عن إعادة ملف القضية للتحري وجاءت أقوال المتهم الحقيقي متطابقة مع الجريمة والبينات الموجودة وتم إطلاق سراح الشاب (أ) الذي اتهم زوراً وكاد يفقد روحه جراء انتزاع اعترافات منه عن طريق الإرهاب والضرب وثبتت براءته بالاعترافات التي تصادف أن أطلقها المتهم في قضية لا علاقة لها بالقضية الأولى.

كانت لتلك التصريحات التي أطلقها مدير عام الشرطة أثر كبير ووجدت تجاوباً من قبل الرأي العام فضلاً عن أن عدم تعذيب المشتبه فيهم داخل حراسات الشرطة يعد أمراً ومسلكاً طبيعياً تسلكه جميع الدول المتقدمة والتي تُراعي حقوق الإنسان وحقوق المتهم باعتباره بريئاً حتى تثبت أدانته. وتجدر الإشارة إلى أن تصريحات مدير عام الشرطة لم تأتِ من فراغ ولعل تلك التصريحات جاءت عقب العفو العام الذي أصدرته قبيلة البطاحين عن (5) من عناصر الشرطة بينهم ضابط برتبة الملازم كانت المحاكم السودانية قد أدانتهم بتعذيب وقتل أحد المشتبه فيهم بسرقة مواشٍ وكان القتيل وآخرون قد أُلقي القبض عليهم على ذمة التحقيق إلا أنهم تعرضوا للضرب والتعذيب إلى أن لقي أحدهم مصرعه متأثراً بإصابات متفاوتة حسب تقرير الطبيب الشرعي.
حادثة أخرى كانت قبل أكثر من عام ونصف العام، حيث اتُّهم اثنان من عناصر الشرطة بتعذيب متهم داخل إحدى حراسات الشرطة إلى أن توفي متأثراً بإصابته عقب نقله إلى المستشفى وجاء قرار الطبيب الشرعي ليؤكد أن المجني عليه توفي بنزف في الرأس نتيجة الضرب المبرح. وأوقفت الشرطة المتهم بسرقة مولد كهربائي بمدينة أم درمان. وبحسب المتحري في القضية، فإن الشرطة أوقفت (2) من أفرادها وأخضعتهما للتحقيقات، إلا أنهما أنكرا ضربهما للمتهم فيما وجهت النيابة تهمة تحت المادة (21/130) من القانون الجنائي المتعلقة بالاشتراك في القتل العمد وأحالت الشرطيين لمحكمة جنايات أمبدة للفصل في القضية.
في العام 2015م توفي شاب داخل حراسة الشرطة بأحد أقسام الحاج يوسف، وكانت الوفاة غامضة وتمت إحالة جثمانه للمشرحة لتحديد أسباب الوفاة، وجاء قرار الطبيب يؤكد أن سبب الوفاة تهتك الإمعاء الدقيقة وجرح في الرأس وتجمعات وكدمات في منطقة الجمجمة وضرب في البطن وكان المتوفى قد ألقي القبض عليه من قبل الشرطة على ذمة اتهامه بالسكر والإرهاب وأودع بحراسة الشرطة حيث لقي حتفه بداخلها.

في العام 2009م ألقت شرطة الدروشاب القبض على شاب اتهمته بالسرقة وتم إحضاره إلى القسم وهناك حاول الشاب مقاومة الشرطة إلا أنه تعرّض للضرب وبعدها توفي ووقتها رفضت أسرته تسلّم جثمانه إلا أنها تسلّمت الجثمان عقب اتخاذ الشرطة للإجراءات القانونية في مواجهة عدد من منسوبيها.

يرى الناشط والمستشار القانوني مجاهد عثمان أن للمتهم حقوقا نص عليها قانون الإجراءات الجنائية ونص عليها الدستور، بأن الحد في الحرمة من التعذيب وعدم إجباره على تقديم دليل ضد نفسه وأن المبدأ الأساسي للتعامل مع المتهمين هو أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته وأن لديه الحق في تكليف محامٍ للدفاع عنه وأن لديه الحق في تبليغ أسرته بالقبض ولديه الحق كذلك بتبليغه لحظة القبض عليه عن أسباب قبضه، ويضيف مجاهد أن أي تعذيب وضرب للمتهم أمر غير قانوني ويعتبر إخلالاً بسير العدالة ويُعرّض النظامي نفسه للمساءلة القانونية في حال قيامه بتعذيب أو ضرب أي متهم وذلك بموجب المادة 115 من القانون الجنائي لسنة 1991م وتصل فيه العقوبة للنظامي للسجن لمدة عامين بالإضافة للمساءلة القانونية بموجب قانون الشرطة.

يقول الخبير الجنائي عقيد (م) أحمد عوض إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته وفي حال تعرض المتهم وهو بريء للتعذيب والضرب، فعلى من سيكون حقه في حال ثبت عدم تورطه فالجريمة لا تعالج بجريمة، وحسب القانون فإن تعذيب شخص بغرض انتزاع اعتراف منه هو جريمة، فالمتهم يجب أن يعامل معاملة كريمة وعدم تعذيبه نفسياً أو بدنياً وتصريحات مدير عام الشرطة جاءت طبقاً للقانون، ويضيف الخبير أحمد أن عدم تعذيب المتهم لا يمكن أن يكون مدعاة لعدم لتحقيق العدالة فهناك وسائل وأساليب أخرى غير التعذيب يمكن أن تحقق سير العدالة مثل البينات التي يتم الحصول عليها بواسطة المعامل الجنائية والبينات التي تتوفر عن طريق مسرح الحادث فضلاً عن ذكاء المتحري في الحصول على المعلومة التي يريدها دون تهديد وإرهاب أو تعذيب. ويرى أحمد أن تعذيب المتهمين داخل الحراسات يسيء للشرطة ويظهرها بمظهر غير لائق مع المواطنين لذلك يجب الالتزام بموجهات مدير عام الشرطة وإيقاف كل أشكال التعذيب والضرب بحراسات الشرطة بأكملها.

تقرير: هاجر سليمان
السوداني


‫4 تعليقات

  1. المشكلة كل أفراد الشرطة فاقد تربوي والاخطر أن هنالك مجرمين وأصحاب سوابق انتسبوا لها.. ولاعلاج الا باستيعاب أفرادها من المؤهلين أكاديميا بالاضافة للشروط الاخري وقبلها بالطبع تحسين شروط خدمتهم.. اما في الوضع الراهن فالاصلاح مستحيل والقرارات لن تجد نفعا.