الصادق الرزيقي

مجرد مقارنة


قبل أيام على شاشة (بي. بي. سي) (BBC) ظهر في برنامج (هارد توك) وزير الخارجية الروسي (سيرجي لافروف) حول قضايا الراهن الدولي، خاصة الحرب في سوريا بعد الضربات الأمريكية الأخيرة والاتهامات الموجهة لسوريا في ما تسميه الدول الغربية جرائم الحرب التي ترتكبها دمشق في حق مواطنيها وقصف الغوطة الشرقية ومنطقة دوما بالسلاح الكيميائي،

ثم تناول الحوار المثير الذي يشبه التحقيق الجنائي من مقدم البرنامج الشهير (ستيفن ساكر)، الاتهامات البريطانية والغربية لروسيا في موضوع العميل الروسي المزدوج (سيرغي سكريبال) الذي تعرض هو وابنته في منطقة (سالزبيري) جنوب بريطانيا لإصابة بالتسمم نتيجة مادة نسبت إلى غاز الأعصاب عالي الجودة في مارس الماضي، وطردت عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة أعداداً كبيرة من الدبلوماسيين الروس، وردَّت موسكو بالمثل وأوقفت الاتصالات البريطانية الروسية.

> المدهش في حديث وزير الخارجية الروسي، ليس لأنه كان حاضر الذهن متقد الذاكرة قوي الحجة كما بدا، لكن لدقة المعلومات لديه خاصة المعلومات العلمية الدقيقة عن غاز الأعصاب والأسلحة الكيميائية، يتحدث كأنه خبير متخصص في صناعة هذه المواد، حتى لتحار في المقارنة بين صفته ككبير الدبلوماسية الروسية والخبرة الفنية العلمية الوافية، فقد فند موضوع المادة التي زعم أن روسيا استخدمتها في محاولة اغتيال سكريبال، مبيناً أصلها ونوع تركيبتها وكثافتها وكتلتها المولية ودرجة غليانها وانصهارها ونوع ضغط البخار الخاص بها ونقطة وميضها وتصنيفها كنوع من غاز الأعصاب(VX) (IUPAC)، وتوجد أنواع من غاز الأعصاب (تابون، سارين، سومان، في إكس). وأشار لابروف إلى أن هناك عالماً في زمن الاتحاد السوفيتي هو الذي طور غاز الأعصاب وتركيبته المميتة، لكنه هرب إلى الولايات المتحدة، وعملت معه المخابرات المركزية الأمريكية على تطوير نوع غاز الأعصاب الذي اخترعه كسلاح، وأشار إلى أن تركيبته وخواصه الكيميائية ليست لدى روسيا وحدها.

> وما يهمنا في إفادات عميد الدبلوماسية الروسية ليست قضية غاز الأعصاب، وإنما القدرات الهائلة والاستعداد الذهني والمعرفي للمسؤولين ومن يتصدون لخدمة بلادهم من منصات الوزارات والحكومات في بحار السياسة الدولية المتلاطمة الأمواج العاصفة بأنوائها وأعاصيرها العاتية، فأية مقارنة بينه وبين زراء الخارجية في كثير من دول العالم منعدمة، خاصة في منطقتنا العربية حين ترى البؤس والجهل يمشي على قدمين!!
> ويجب أن نتعلم من هذا النوع من المسؤولين الذين يظهرون في أوقات الأزمات الكبيرة والتحديات، فيبرعون في خوض المواجهات ويقدمون صورة زاهية للسياسة عندما تمسك بأطراف العلم والمعرفة والثقافة، وهي أهم سلاح بات يتمنطق به السياسيون.

> لم تعد السياسة وممارستها وتطبيقاتها ومجالاتها الحيوية مجرد بلاغة كلامية ولا تلاعب بالألفاظ، كما نمارس نحن في منطقتنا وبلادنا، فالسياسة علم وقدرات هائلة ومعلومات طازجة وإلمام بالتاريخ والجغرافيا والعلم الحديث والعلوم التطبيقية، واستعداد لتوظيف كل هذا الرصيد لتقوية الحجة السياسية والوصول للحقيقة الموضوعية ودحض الافتراءات المعادية والأكاذيب التي تملأ أباطح الإعلام الدولي وأسافيره.

> ولو لم يكن وزير الخارجية الروسي جاهزاً ومسلحاً بالمعرفة والمعلومات العلمية الدقيقة، لهُزم هزيمة نكراء من محاور جريء ومتمرس في توريط القادة والمسؤولين في سقطات كلامية تسبب الإحراج، وطريقة تقديم البرنامج ( one on one ) السهلة المباشرة بلا مقدمات طويلة أو استطرادات، وهو ما يجعل الضيف يتفاجأ بأسئلة لم تكن في حسبانه، كما أن البرنامج لا يقدم محاور للضيف ولا أسئلة مسبقة.

> طبيعة إعداد وتكوين المسؤولين المعلوماتي والنفسي والمعرفي يجب الاهتمام بها في بلدنا ومحيطنا، وهي ضرورة لازمة للتطور السياسي والتنفيذي، فالمعارك السياسية العالمية اليوم تشبه أيام الحرب الباردة عندما كان الكبار في العالم يستقطبون الاهتمام الدولي، وتتطاير تصريحاتهم إلى كل مكان في العالم عبر الأثير والصحافة الدولية والإذاعات، قبل أن يجتاحنا الفضاء الإلكتروني الذي أذهب الدهشة وأورثنا حالة من اللامبالاة إلا قليلاً.

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة


‫2 تعليقات

  1. من هذا المنطلق نطالب بأن يكون السيد/ نجيبا ليكم طازه نجيبا ليكم شركه وزيرا بوزارة الخارجيه ولا الراي شنو ؟!