ما هو تنظيم “إيتا” المسلح القوي جدآ في غرب اوربا الذي اعلن نهايته
بعد ستين عاما من تأسيسها منظمة ثورية للتحرير الوطني الباسكي، وبعد خمسين عاما تقريبا من سقوط أول ضحايا هذه المنظمة المسلحة، أعلنت “إيتا” الجمعة رسميا عن اختفائها من الوجود في ملتقى دولي انعقد بقصر “أرناغا” ببلدة كامبو لي بان الواقعة بإقليم الباسك الفرنسي.
وقد تأسست منظمة “إيوسكادي تا أسكاتاسونا” (وتعني باللغة الباسكية “أرض الباسك والحرية”)، أو اختصارا منظمة “إيتا”، في عهد حاكم إسبانيا الجنرال فرانكو، ووضعت لنفسها هدف تحقيق استقلال ما تسميه الأراضي الباسكية، وهي مقاطعات آلابا وبيثكايا وغيبوثكوا بإقليم الباسك الإسباني (شمال إسبانيا)، بالإضافة إلى إقليم نافارا الإسباني المجاور، وثلاث مقاطعات تاريخية في إقليم الباسك الفرنسي الواقع جنوب فرنسا، وهي: لابور وسول ونافارا السفلى.
واختارت إيتا طريق “الكفاح المسلح” لبلوغ هذا الهدف الرامي إلى تأسيس جمهورية اشتراكية باسكية، وقد استخدمت فيما تسميه “الكفاح المسلح” أعمال الاغتيال والخطف والتفجير والابتزاز المالي، وارتكبت الغالبية العظمى من هذه الأعمال في إسبانيا، وأحيانا في فرنسا.
تضميد الجراح
“ستكون هناك حاجة إلى روح الكرم من أجل تضميد الجراح وإعادة بناء مجتمع مشترك”، كان هذا ما قالته إيراتي كويفاس (29 عاما) إحدى مواطنات مدينة غرنيكا الباسكية الإسبانية، والتي اختيرت ممثلة لصوت الشباب والمرأة لقراءة “بيان أرناغا” باللغة الباسكية.
ويعرب هذا البيان عن احتفاله بأن منظمة “إيتا” تعترف بالمعاناة التي تسببت بها، ويدعم المصالحة، ويؤكد أنه ما زالت هناك مسائل مهمة يجب حلها، مثل موضوع تقريب سجناء منظمة “إيتا” الموزعين على سجون إسبانيا إلى سجون تقع داخل إقليم الباسك، وأعضاء “إيتا” الذين ما زالوا فارين من ملاحقة العدالة، ويعيد التأكيد على الحاجة إلى جهود دائمة من أجل الوصول إلى تطبيع كامل للحياة اليومية والسياسية في إقليم الباسك.
لا تنازل
لكن هذه المطالب يبدو أنها لم تجد آذانا صاغية لدى الحكومة الإسبانية التي سارع رئيسها ماريانو راخوي إلى الإعلان عن رفض حكومته تقديم أي تنازل لسجناء تنظيم إيتا.
وأضاف راخوي أن “الرواية التي ستبقى بعد إيتا هي قصة فشل العنف أمام عظَمة الديمقراطية”، وأن حكومته ستسهر على حفظ هذا التراث الذي كلف الإسبان الكثير.
وأشار راخوي إلى أن “إيتا اعترفت اليوم بأن تاريخها كان فاشلا، فهي لم تحقق أية مكاسب من خلال القتل ولن تحصل على شيء من خلال قرار حل نفسها، والتحقيق في جرائم إيتا سيتواصل وسيتم تقديمها للعدالة، ولن يكون هناك إفلات من العقوبة”.
وأكد راخوي أن وزير الداخلية سيدعو الأحزاب المشاركة في معاهدة مكافحة الإرهاب إلى اجتماع خلال الأيام المقبلة لإجراء تحليل للوضع الراهن، ومواصلة الحفاظ على وحدة كل الذين يؤمنون بالديمقراطية في إسبانيا.
واختتم راخوي مؤكدا أن اليوم ليس يوم احتفال، بل هو يوم للذكرى (في إشارة لضحايا إيتا)، وأن حكومته ستسهر على عدم تكرار ما حدث في الماضي، وأن اليوم هو يوم تقدير لمثابرة الإسبان وإيمانهم بالديمقراطية في مواجهة الإرهاب، ولشعورهم بأنهم أعضاء في مجتمع يكافح ضد الذين يحاولون كسر التعايش بين الإسبان في سلام.
قلق
لكن تطمينات راخوي يبدو أنها لم تقنع شريحة واسعة في أوساط جمعيات الضحايا، التي ترى في إعلان منظمة إيتا محاولة لقلب التاريخ وتبييض وجهها القبيح، على حد تعبير إيريني مونيوث المحامية في جمعية “كوبيتي” لضحايا الإرهاب.
ولا تثق مونيوث في وعود الحكومة الإسبانية التي لم تمنحها ضمانات كافية حول عدم إمكانية تقريب سجناء المنظمة الباسكية إلى سجون الإقليم، وهي الفرضية التي يعتبرها الضحايا تخاذلا ورضوخا للقوميين الباسك.
وترى إيريني مونيوث أن إدارة راخوي منحت هامش مناورة لمن تصفهم بالإرهابيين الذين لم يقدموا اعتذارا للضحايا في بيانهم الأخير، وحاولوا إقناع الرأي العام الدولي بأنهم ليسوا جلادين وإنما ضحايا لنزاع مسلح.
مخاوف جمعيات الضحايا قد يكون لها ما يبررها، وهو ما لمّح إليه رئيس حكومة الإقليم الباسكي إنييغو أوركويو في حوار مع صحيفة “الباييس” الإسبانية، حيث أكد أن رئيس الحكومة الإسبانية بدا متفهما لمطلب تقريب السجناء إلى إقليم الباسك الواقع في شمال إسبانيا.
لكن ذلك -بحسب لويس أيثبيوليا، الصحفي المتخصص في شؤون “إيتا”- لا يمكن اعتباره نصرا لهذه المنظمة الانفصالية، بل نجاحا للمفاوضات بين الحكومة الإقليمية الباسكية والحكومة الإسبانية لنزع فتيل هذا النزاع الذي خلّف مئات الضحايا.
نزاع ترى جمعيات ضحايا الإرهاب أن جراحه لن تندمل دون الحصول على اعتذار كامل من طرف منظمة “إيتا”، ومعلومات عن كل الجرائم المجهولة الفاعل التي اقترفها أعضاؤها، الذين ما زال ما يناهز ثلاثمئة منهم موزعين بين السجون الإسبانية والفرنسية.
المصدر : الجزيرة