ورطة المعارضة
ما يدور في صفوف وأروقة المعارضة خاصة مجموعة باريس، أمر جالب للشفقة، فمع الخلافات وتباعد المواقف والمنصات التي يقف عليها كل فصيل من الفصائل،
إلا أنها تجتمع وتنفض وتناقش مسائلها المتعلقة بالإجرائيات الداخلية، دون أن تدخل في صلب الموضوع وتحسم مواقفها النهائية من بقاء النظام الحاكم هل هو بالقوة العسكرية التي لا تستطيعها ولا تملك كامل الجاهزية عليها، أم بقوة العمل السياسي والتكتل التحالفي لخوض الانتخابات القادمة في 2020م.
> ولا تبدو الحيرة لدى المعارضة أقل من حيرة القوى الدولية التي تدعمها وتقف معها، فقد عجزت المعارضة التي دعمت بكل ما يمكنها عن إطاحة الإنقاذ بالوسائل المسلحة، وقدم لها حلفاؤها في المجموعة الدولية العتاد الحربي والغطاء السياسي والقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والعقوبات الاقتصادية وإجراءات المحكمة الجنائية الدولية والحصار الخارجي والتشويه الداخلي للسودان كحكومة ومواقف، لكن ذلك لم يفد في شيء ولم تستثمره المعارضة السياسية والعسكرية لإسقاط الحكم وصناعة بديله، فعجزت عن المواجهة المسلحة في دارفور حتى انهارت الحركات المتمردة وهربت خارج الحدود إلى ليبيا ودولة جنوب السودان، وأخفق قطاع الشمال عندما كان موحداً في إحداث أية نجاحات على الأرض تحسب لصالحه وتضعف وضع السلطة الحاكمة، فكل هذه الحقائق والمعطيات رسمت مساراً وخطاً بيانياً منحدراً ومتراجعاً للعمل المعارض وحكمت عليه بالفشل الذريع الكامل.
> إزاء هذه الصورة المأساوية للعمل المعارض في شقه العسكري الميداني، تحقق المعارضة أعلى درجات الإخفاق في العمل السياسي، فقد كانت كل الظروف مهيأة أمامها للضغط السياسي على الإنقاذ والفت في عضدها وتخذيل صفوفها والتأليب الداخلي والخارجي عليها، لكن أحزاب المعارضة كانت أوهن من أن تقتل ذبابة وتخيف عصفوراً مرتعداً ينتفض إذا بلله القطر … فما الذي تستطيع المعارضة فعله بعد اجتماعات باريس الأخيرة ؟؟!
> الإجابة عن هذا السؤال واضحة مما تمخض عنه الاجتماع الأخير، وقرارات الداعمين الغربيين وتوجيههم المباشر للمعارضة بأن تختار طريقاً آخر بعد أن عجزت في كل المراحل السابقة، وهذا الطريق هو الانخراط في العمل السياسي والمشاركة في الانتخابات القادمة في 2020م، وإقامة أكبر تحالف معارض لمواجهة المؤتمر الوطني وشركائه ومنافسته انتخابياً، والاتفاق على مرشح واحد ينافس البشير في الانتخابات الرئاسية، وتطمح الدوائر الغربية وبعض القوى الإقليمية إلى إسقاط الحكم القائم في السودان بأدوات العمل الديمقراطي التي ارتضاها الحكم نفسه بمخرجات الحوار والوطني والوثيقة الوطنية والمنازلة الديمقراطية.
> وبالطبع لا تستطيع المعارضة بكل صنوفها وأشكالها أن تتفق على الحد الأدنى إذا كان الخيار ديمقراطياً، لعلم ومعرفة جميع المعارضين أن بضاعتهم كاسدة في سوق الجماهير، ولا تملك أية فرص تؤهلها للنجاح، كما أن الظروف الموضوعية بمنطق السياسة المحض ليست متوفرة للحركات المسلحة والتنظيمات واللافتات السياسية التي ظهرت أخيراً كالنبات الشيطاني، وهي بلا رصيد أو تاريخ يجعلها تقدم نفسها الجماهير في مضمار العمل السياسي وحلبة الانتخابات!! فضلاً عن كون الساحة السياسية في ميزان الجمهور والوزن الشعبي لا تعرف لأحزاب اليسار غلبة أو وجوداً يؤهل ويدفع بها إلى هذا الطريق.
> وخلاصة القول إن المعارضة وأحزاب تحالف ما يسمى نداء السودان أو مجموعة باريس، تعيش في ورطة حقيقية بعد تهديد القوى الغربية بوقف دعمها واحتضانها لهم، فليس لديهم خيار سوى الرجوع والانصياع للنزال الديمقراطي، وهذا لا يقدرون عليه، أو المناداة والمطالبة بتسوية سياسية تقوم على فترة انتقالية يشارك فيها الجميع في الحكم، وهذا طرح مرفوض ولا يمكن قبوله على الإطلاق.
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة
ربنا يخلصنا من الحكومة والمعارضة والحركات المسلحة في نفس الوقت..اامين يا رب