تغيير فئة الخمسين جنيهاً.. سر الورقة البمبيَّة!
أُمسية الأربعاء الماضي، أعلن بنك السودان المركزي عن طرح ورقة نقدية جديدة من فئة الخمسين جنيهاً خلال الفترة القادمة، وذلك استناداً الى سلطات البنك واختصاصاته الواردة بقانون بنك السودان المركزي للعام 2002م.
وقبل أن يكمل الناس قراءة منشور البنك المركزي طفقوا يسألون ويتساءلون عن دواعي هذه الخطوة، ولماذا تم لها اختيار هذا التوقيت بالتحديد؟!
صوت الجمهور
إنْ جاز لنا أن نبدأ بوجهة نظر المواطنين، فنجد أنّ تفسيرهم للأمر انحصر في أنّ الجهات المُختصة وبعد الإجراءات الاقتصادية التي أدت إلى تحجيم السيولة، فقد الكثيرون ثقتهم في النظام المصرفي واحتفظوا بأموالهم في منازلهم ما جعل الجهات المُختصة تشعر بخطر تسلُّل الكتلة النقدية من بين أيديها، ولاستعادة الأمور إلى نصابها لجأت إلى فكرة سحب فئة الخمسين جنيهاً لاسترداد الكميات المهولة المُكدَّسة بخزائن المُواطنين.
ويقول أحمد فضل الله – رجل أعمال – لـ (السوداني) إنّه يُودع يومياً مبالغ مالية بحساباته المفتوحة بعدة بنوك، مشيراً إلى أنّ ما يُقال حول أنّ واحداً من أسباب تغيير فئة الخمسين جنيهاً هو التزوير الذي طال هذه الفئة، هذا الكلام قد يكون عبارة عن (مسرحية) تَمّ إعدادها بعنايةٍ فائقةٍ لإدخال الأموال التي في حوزة الجمهور إلى (مصيدة البنوك مَرّةً أخرى)، مُشيراً إلى أنّ هذه الخُطة غير مُوفّقة، لافتاً إلى أنّه لو كان ذلك كذلك فواجب الحكومة هنا عمل توعوي للمُواطنين وتبيين الورقة المُزوّرة من الأصلية حتى يسهم المُواطن مع جهات الاختصاص في كشف المُزوَّر من العُملة، وقال فضل الله إنه لم يسمع طيلة الفترة السابقة بمُحاكمة شخص بتُهمة التزوير في العُملة بعد الإجراءات الاقتصادية الأخيرة وتجفيف السيولة بالبنوك، مُؤكِّداً أنّ المبالغ التي بحوزته من فئة الخمسين جنيهاً لن يسلمها للبنك حتى لو اضطر إلى استثمارها في مشاريع جديدة مثل شراء العقارات والعُملات الأجنبية، بجانب استبدالها بفئات أصغر في حال عجزه عن تلك المشاريع.
تكلفة باهظة
ويرى الخبير المصرفي محمد عبد الرحمن أبو شورة أنّ الحكومة أردات أن تُرسل رسالة للمُواطنين مفادها أنّ الخيار الأوحد في ما يلي السيولة هو إيداعها في البنوك وليس الاحتفاظ بها في (البيوت)، وأشار في حديثه لـ (السوداني) الى أن مُبرِّر تغيير الخمسين جنيهاً نسبةً للتزوير الذي طرأ عليها غير مُقنعٍ، وإلا فما الضمانات التي تمنع تزوير واختراق العملة الجديدة، وقال أبو شورة: كان الأفضل للحكومة طباعة أرقام جديدة من الفئات الصُغرى بدلاً من تغيير الفئة الأكبر، مُعلِّلاً بأنّ تكلفة تغيير العُملة عالية وبأرقام فلكية، مُبيِّناً عدم وجود أرقام دقيقة ونسب واضحة تُؤكِّد كمية المُزوَّر من فئة الخمسين جنيهاً، ومضى الرجل بقوله: أيضاً ربما أرادت الحكومة بهذه الخطوة تحجيم التضخم الذي ارتفعت نسبته بشكلٍ كبيرٍ جداً، لكن هنا لا بُدّ من التأكيد أنّ أسباب التضخُّم الرئيسية هي المبالغ التي تمّت طباعتها من قِبل بنك السودان لتمويل العجز الذي يُصاحب المُوازنة، وتحسَّر أبو شورة على إحجام المُواطنين من التعامل مع المَصَارف وفقدان الثقة في البنوك، وقال إنّ التضخم أدّى إلى تآكل رؤوس أموال البنوك السودانية، مُشيراً الى أنه في عهد الإنقاذ حَدَثَ تغييرٌ كاملٌ للعُملة في العام 1992، وتم تغيير كامل آخر للعملة من الجنيه الى الدينار وحينها رفضت الحكومة للمُودعين سحب أموالهم من البنوك مِمّا انعكس على إحجام المُواطنين عن الإيداع وإضرابهم عن التعامل المصرفي والتّغيير الأخير بعد اتفاقية السلام (نيفاشا) تم إرجاع الجنيه مَرّةً أخرى بدلاً من الدينار.
تحوطات أمنية
من ناحيته، قال الخبير الأمني الاستراتيجي لواء ركن معاش حسن ضحوي لـ (السوداني) إنّ ما يُشاع عن تزوير في العُملة المُستبدلة هي نسبة ضئيلة جداً وإن وجدت وقد تكون غير مُلاحظة، لكن في العُموم المرجعية هي سياسة الدولة، مشيراً إلى أنّ استبدال العملة تُعتبر سياسة دولة وقد يكون من مسبِّباتها استرجاع ثقة المُواطن في البنوك، وكذلك حل الضائقة المالية التي تشكو منها البلاد، وإدخال نُظُم المُعاملات الإلكترونية بدلاً من التبادل بالعُملة النقدية.
وحول ما يُقال إنّ فئة الخمسين جنيهاً المُراد تغييرها سهلة الاختراق وعرضة للتزوير، قال ضحوي إنه كان ضمن الفريق الذي أشرف على طباعة هذه العُملة، وأكّداً أنّ العملة السودانية لها (7) تحوطات أمنية، في حين أنّ الدولار الأمريكي له فقط (5) تحوطات، وبالتالي فالعُملة السودانية من ناحية أمنية هي أعلى من الدولار من حيث التّحوُّطات، وإنّها عَصِيّة على الإختراق وأنّ التزوير الذي طَرأ عليها ليس تزويراً تصويرياً، وقد يكون بواسطة أجهزة عُليا وبجودة عالية، واختتم بقوله: إنّ كل دولة لها نظامٌ يميزها عن غيرها في طباعة عُملة بلدها، في نوعية الورق، اللون، شكل التموجات، إضافةً إلى المياه والمواد التي تُساعد على إخراجها بالطُـرق الآمنـة.
مصادر مُقرّبة
ولفتت مصادر مُقرّبة من بنك السودان المركزي لـ (السوداني) إلى أنّ طباعة البنك المركزي للعُملة فئة الخمسين جنيهاً وطرحها للتداول يُحقِّق هدفين للبنك، الأول هو تَجميع العُملة من الفئة الكَبيرة داخل البنك، فَضْلاً عن إرغام المُواطنين الذين يَحفظون عُملاتهم النقدية خارج النظام المصرفي من فئة الخمسين جنيهاً على الكشف عنها وإخراجها للعلن عند الاستبدال وتحجيم تَسليمهم لها كَاملةً مما يضمن إعادة الكتلة النقدية داخل النظام المصرفي مَرّةً أُخرى.
إعادة الكتلة النقدية
ويقول الخبير الاقتصادي د. محمد الناير إنّ تبديل العُملة ورقة فئة الخمسين جنيهاً خطوة اقتضتها الضرورة الحالية وما حدث للقطاع المصرفي ولإعادة الكتلة النقدية له، وأضاف الناير: لم يكن الدافع الأساسي قضية التزوير كما ذكر بنك السودان المركزي وهو وجود كميات كبيرة من فئة الخمسين جنيهاً مجهولة المصدر، مُشيراً إلى أنّ هذه الخطوة لم تتم بحسابات دقيقة وسوف تُصاحبها آثارٌ سالبةٌ، ولتحويلها إلى النواحي الإيجابية أولاً: يجب أن تُطرح بطريقة سلسة في الأسواق، ثانياً: ينبغي مُراعاة الدقة العالية فيما يختص بالمُواصفات التأمينية حتى لا تتعرّض للتزوير مَرّةً أخرى، ثالثاً: طرح سياسات مُحفِّزة لإعادة بناء الثقة لدى المواطنين حتى عندما تَعود الكُتلة النقدية إلى القِطاع المَصرفي لا تخرج مَرّةً أُخرى وزَرع الطُمأنينة وَسط العُملاء في جميع المصارف.
وَأَكّدَ الناير أنّ قضية التزوير تُؤثِّر سلباً على اقتصاد كل دولة تحدث فيها وعلى المُستوى العام في ارتفاع الأسعار وانعكاسه على الجانب المعيشي للمُواطنين، وأردف أنّ طباعة جديدة لفئة الخمسين جنيهاً سوف تُكلِّف الدولة أموالاً ضخمة وذلك لضرورة استخدام تقنية عالية للعلامات التأمينية تَحَسُّباً من اختراقها مَرّةً أخرى، وتوقّع الناير نشاطاً وحركة دؤوبة للفئات الصُغرى من العُملة (10 و20) جنيهاً وعدم تعامل المُواطنين والتجار مع فئة الخمسين جنيهاً، خَاصّةً المُتعاملين بـ (الكاش) سيُقلِّلون التعامل مع الفئة القديمة، وسوف يعمل التُّجّار والعُملاء على تغيير المبالغ التي أحجموا عن إيداعها في البنوك إلى تغييرها بفئات صُغرى.
تغييرات العُملة منذ الاستقلال
وبالعودة إلى رحلة العُملة السودانية منذ بداية عهد الاستقلال، نجد أنه في 15 سبتمبر عام 1956م، تم إصدار أول عُملة ورقية سودانية لتحل محل العملات المُتداولة حينها، حيث صَدرت عُملات من مُختلف الفئات تبدأ بفئة العشرة قروش إلى العشرة جنيهات، غلب عليها اللون الدّاكن ورسمت في مُقدِّمتها صورة جامعة الخرطوم وفي ظهرها ساعي البريد على ظهر الناقة.
وخلال الفترة من (1960 – 1969)م تمت طباعة العُملة ثلاث مرات في يناير (1960)، وفي عهد أول محافظ في الاستقلال “الفيل”، وفي يناير (1967)، وفي فبراير (1968) عهد المحافظ “عبد الرحيم ميرغني” وفي ذات الفترة اكتمل إنشاء دار سك النقود وأصدرت سبع فئات من العُملة المعدنية وهي (واحد مليم، مليمان، خمسة مليمات أو تعريفة، عشرة مليمات أو قرش، قرشان وخمسة قروش) وجميعها من النحاس الأحمر (البرونز).
وبعد أربع سنوات تم إنشاء بنك السودان كبنك مركزي آلت إليه كل أصول لجنة العُملة السودانية، وتولى مسؤولية إصدار النقد، وعُيِّن “مامون بحيري” رئيس لجنة العُملة السودانية كأول مُحافظٍ له، وظهر توقيعه على كل العُملات الورقية التي طُبعت آنذاك.
في وعهد الرئيس “جعفر النميري” تحديداً عام 1973م، تَمّ تقليل حجم العُملة الورقية وتَغيير لون العشرة جنيهات، وفي يناير 1981م زاد عدد الأوراق المالية المُتداولة من (5) إلى (7) فئات وحَملت العُملة صورة الرئيس “النميري” مُرتدياً عمامته, وأضيف التاريخ الهجري بجانب الميلادي, وفي العام 1985 وفي شهر يونيو أُلغيت العُملة التي كانت تحمل صورة الرئيس “النميري” عقب إزاحته من الحكم, وتَمّت إعادة صورة البنك المركزي, وفي عام 1990 تم إصدار أول ورقة من فئة الـ 100 جنيه.
وفي مارس 1992 تمّ إصدار عُملة الدينار الجديدة وكان الدينار في هذا الوقت (10) جنيهات، وتمّ تداولها بجانب الجنيه، ثُمّ توالت فئات الدينار إلى قيمة أكبر حتى وصلت إلى الـ (50) ديناراً
وفي نفس التاريخ صدرت عُملة الدينار الجديدة “الدينار يساوي 10 جنيهات” صدرت منها فئات الخمسين والخمسة وعشرين، تداولت إلى جانب الجنيه، ثم تتالت فئات الدينار إلى قيمة أكبر حتى وصلت إلى ورقة الـ (50) ديناراً.
والعُملة المُتداولة الآن في السودان هي الجنيه السوداني، حيث أنّه حلّ محل الدينار أو بالأحرى يعود الجنيه مَرّةً أخرى بعدما أزاحه الدينار الذي طرحته حكومة الإنقاذ كبديلٍ للجنيه.
الجنيه السوداني هو العُملة الوطنية لجمهورية السودان، وقد تم استبدال مُسمّى العُملة إلي الدينار بدلاً من الجنيه في عام 1992م، وعند التوقيع على اتفاقية السلام بين الجنوب والشمال (نيفاشا)، كان من ضمن البنود تغيير مُسمّى العُملة السودانية إلى الجنيه بدلاً من الدينار، وقد بدأ العمل به اعتباراً من السابع من يناير 2007م، وأصبح العُملة الوحيدة في البلاد منذ الأول من يوليو 2007م والجنيه السوداني الجديد يُعادل 100 دينار قديم. وتَمّ إصدار عددٍ من الأوراق النقدية الجديدة مثل الجنيه والجنيهين والعشرة جنيهات وكذلك الخمسين جنيهاً.
صحيفة السوداني.