رئيس مفوضية الانتخابات د.مختار الأصم : أتوقع أن تشهد الانتخابات القادمة تنافساً حاداً وكبيراً، وأرجو أن تكون البداية لاستقرار السودان
أودعت الحكومة مشروع قانون الانتخابات لسنة 2018م، الذي أعلنت عدد من الأحزاب رفضها له بحجة عدم مشاورتها فيه، وجاءت أبرز تعديلات قانون الانتخابات في المادة “10” المتعلقة بانتخاب ولاة الولايات بواسطة المجالس التشريعية بدلا عن تعيينهم من الرئيس، كما حرم القانون الجديد من يحمل جنسية أخرى هو أو زوجته أو أحد والديه من حق الترشح للرئاسة، في هذه المساحة نطرح بعض التساؤلات على رئيس مفوضية الانتخابات د.مختار الأصم.
بحكم خبرتك في مجال الانتخابات كيف تُقيِّم قانون الانتخابات؟
في حديثي كخبير في مجال الانتخابات أستطيع أن أقول إن القانون الجديد احتوى على أغلب التعديلات التي أتت من المفوضية التي عملت بهذا القانون لعشر سنوات منذ تكوينها في العام 2008 ولديها خبرة في إدارة عمليتَي انتخابات، القانون السابق كان محتشدا بالمواقيت، وكان يحدد لكل إجراء أسبوع أو عشرة أيام أو ستين يوماً وهكذا باختلاف الإجراء الانتخابي، وهذا أمرٌ مزعج، والآن كل هذه المواقيت إجرائيا سُحبت من القانون الجديد، لكن بصراحة القانون في مجلس الوزراء ومن الأحزاب التي شاركت في الحوار أثار نقاشاً حول نقاط ما تزال تحتاج لاتفاق النقطة الأولى هي انتخاب الوالي عبر المجلس التشريعي للولاية بأغلبية الثلثين، وبأغلبية الثلاثة أرباع يستطيع أن يعزل الوالي، بعض الأحزاب كان لديها رؤية بانتخاب الوالي مباشرة من جماهير الولاية وليس عبر المجلس التشريعي.
التصور الحالي يجعل المجلس التشريعي للولاية مع الوالي حكومة برلمانية، ويصبح بذلك النظام الانتخابي في السودان رئاسيا على أن تُدار الولايات بنظام برلماني هذه نقطة خلاف سياسي وبعدها تصبح الاختلافات ليست جوهرية ولا تخْلق نزاعاً حقيقياً، وهناك نقاط صغيرة.
مثل ماذا؟
بعضهم يتحدث عن وجود نائبين للدائرة، وعن ترشح منافس الوالي الذي يحل في المركز الثاني ضمن القائمة وهكذا.
ثمة ملاحظة تتعلق بأن النظام الانتخابي لم يراعِ التغييرات الهيكلية التي خلقتها نيفاشا باعتبار أن المجلس الوطني ذو طابع استراتيجي ولا يُعنى بقضايا الخدمات وتفصيلاتها؟
هذه ملاحظة ذكية، وأُحدِّثك أنا كخبير، فقد عاصرت أكثر من رئيس للبرلمان وكلهم تحدثوا عن أن نوعية النواب في البرلمان تحتاج لدعم مما جعل البرلمان المركزي ليس بالقوة التي يرغبون فيها باعتبار طريقة الانتخاب عبر الدوائر الانتخابية الجغرافية، وطرح بعضهم التفكير في النظام الانتخابي إبان فترة الرئيس الأسبق جعفر نميري عبر الدوائر الفئوية (دائرة مزارعين، عمال، الخ…)، وطبعاً القانون (ما ممكن يمشي) لهذا المستوى.
النقطة الثانية دستور السودان جعل الخدمات من مسؤولية الولايات، لذلك أي إنسان يُريد أن يتحدث عن خدمة لمنطقته فعليه أن يذهب لمجلس الولاية حيث يتم التقرير في هذه المسائل، أما المجلس الوطني فلا علاقة له بحاجة أو خدمات الولايات وإنما يُعنى بوضع السياسات العامة ويُمارس الرقابة المركزية على الأداء، ويحتاج إلى أناس لديهم المقدرة على التفكير الاستراتيجي لكن كما يقول المثل (العافية درجات)، وأنا واحدٌ من الناس الداعين لأن تكون كل دوائر المجلس الوطني بالتمثيل النسبي، باعتبار أن تأخذ الناس مرة واحدة لنظام التمثيل النسبي صعب، فما يزال الناس مشغولين بالتفكير بنائب الدائرة. القانون الجديد جعل النسب كالنسب السابقة 50% مباشر، و30% للمرأة و20% للأحزاب، الأمر باعتبار ألا داعي للتسرُّع، والأمر ما يزال رهيناً بالنقاش في المجلس الوطني ومن هنا إلى شهر أكتوبر ما تزال الفترة مفتوحة للنقاش والتعديل.
ألا ترى أن النظام النسبي الكامل هو الأنسب لتعزيز المشاركة السياسية؟
التمثيل النسبي يحقق ذلك، فضلاً عن أنه يجعل للأحزاب اليد العليا، باعتباره أنه يختار أناساً أكفاء ومقنعين للجماهير في قائمته، بجانب محاولة إرضاء المزاج العام للناخبين مما يُسقط أصحاب الولاءات التقليدية، بينما نظام الدوائر الجغرافية يجعل الولاء للقبيلة وابن المنطقة، ويسمح للمرشح في حال (زعله) من الحزب بالترشح مستقلاً مما يزيد من الانفلات.
إلى أي حدٍّ سيستمر النظام الانتخابي بشكله الحالي؟
أتوقع أن تشهد الانتخابات القادمة تنافساً حاداً وكبيراً، وأرجو أن تكون البداية لاستقرار السودان، فالطريقة الوحيدة السليمة لتبادل السلطة عبر صناديق الاقتراع.
استمرار الاقتراع لثلاثة أيام يُثير العديد من الشكوك حول نزاهة العملية الانتخابية؟
نعم هذه واحدة من النقاط التي أثارت جدلاً واسعاً وسط دعوات لأن يكون الاقتراع ليوم واحد، لقد قمت بدراسات عملية في هذه المسألة منذ انتخابات 2010، ووجدت عبر التجارب العملية لحساب عملية التصويت، وتوصلنا إلى أنه مهما زدت من عدد مراكز الاقتراع فإنك لن ترضي أكثر من 20% من الناخبين، ولم يكن هناك حل سوى زيادة عدد الأيام. بعض الناس ومن بينهم الرئيس عمر البشير، تحدَّث معي شخصياً واقترح فرز الأصوات وإعلان النتيجة بشكل يومي لتكون هناك شفافية، وأنا لم آخذ بهذا الرأي لاعتبارات تتعلَّق بأن الإعلان اليومي لنتائج التصويت سيؤثر على الناخبين الذين سيدلون بأصواتهم في اليوم التالي (ممكن يقنعوا ويفضلوا عدم التصويت).
وماذا عن السجل الانتخابي؟
السجل الانتخابي بات يستند على الرقم الوطني، ووفقاً لهذا يتم تحديد حجم الدائرة وحدودها الجغرافية، والتسجيل في الدائرة الجغرافية يتطلب السكن لأكثر من ثلاثة أشهر، وهذه الخطوة ستُوفِّر ما بين 30-50% من تكاليف العملية الانتخابية، علماً بأن تكلفة الناخب الواحد قد تصل إلى 10 دولارات، وهذه تكلفة عالية ولكنها ضرورية باعتبار أن الصرف على السلم أفضل من الصرف على الحرب.
وماذا عن الجدل حول تصويت الرُّحَّل والقوات النظامية؟
مشكلة تصويت الرُّحَّل تم حلها بعد التسجيل بالرقم الوطني، ولكن المسألة المُزعجة هي مراكز التصويت، والسودان يُعاني من هذه المسألة، وهذا سببٌ في حديث الناس عن عدم نزاهة الانتخابات، خاصة فيما يتعلق بالمراكز التي تكون في مدارس قديمة أو بيوت مهجورة أو مراكز صحية غير معروفة أو حتى بعيدة عن الناس، ودولة مثل إثيوبيا جعلت كُلَّ مراكز الاقتراع في المجالس المحلية، وتقدَّمت باقتراح وافقت عليه المفوضية ومجالس الولايات بأن تخصص الوحدات الإدارية غرفة ثابتة للتسجيل والاقتراع ولو تم تنفيذ هذا المقترح ستزيح الكثير من الهم باعتبار أنها معروفة ومعلنة، وواحدة من نقاط الضعف في الانتخابات السودانية عدم وجود مراكز معتمدة وثابتة للاقتراع.
وماذا عن تصويت القوات النظامية الذي أثار جدلاً في الانتخابات السابقة؟
نعم أحدثت جدلاً في الدوائر الجغرافية، باعتبار أنهم يحرسون ويقومون بتأمين الانتخابات، فكيف يتم حرمانه من حقه في التصويت، من ضمن المعترضين على تصويت القوات النظامية على الدوائر الجغرافية رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي حيث أعاب عليّ الدولة عدم السماح للأحزاب بالدعاية الانتخابية داخل ثكنات الجيش وبقية القوات النظامية، وهذه المسائل تحتاج لتروٍّ وتفكير.
هل سيُسمح للأحزاب بالدعاية في الثكنات العسكرية؟
ليس بعد ولكن الأمر يحتاج لنقاش.
إلى أي حدٍّ استمعتم في القانون الجديد لملاحظات الأحزاب المُعارِضة؟
الآن تجري المشاورات معهم، وعلى سبيل المثال تمت مقابلة الصادق المهدي في القاهرة، وليس هناك حلٌّ أمام السودان غير الحوار، وليس أمام الوطني حلٌّ سوى قبول الآخر، وليس أمام المعارضة حلٌّ سوى القبول بالمؤتمر الوطني، وليس هناك بديلٌ للحوار غير الحرب والدم.
ماذا تتوقع للانتخابات القادمة، هل ستكون كسابقاتها أم أنها ستشهد تنافساً سياسياً؟
جميع أحزاب الحوار أعلنت أنها ستتنافس في الانتخابات القادمة، وحتى المعارضة التي قاطعت الحوار مثل المؤتمر السوداني أعلن نيته لخوض الانتخابات.
هذه المشاركة وفقاً لاشتراطات محددة؟
نعم، وحتى الإمام الصادق المهدي وضع اشتراطات للمشاركة في الانتخابات.
وما مدى إمكانية الاستجابة لهذه الاشتراطات؟
لا يوجد شيء لا يمكن تنفيذه، (إذا تطايبت النفوس السودان بشيل كل القبائل وكل الناس).
كيف تُقيّم هذه الاشتراطات؟
تحتاج إلى حوار، وفيها ما يمكن أن يُنفَّذ، فعلى سبيل المثال مطلب الحريات أمر متوافق عليه من كل الناس، وفي تقديرات العلوم سياسية الانتخابات تفضل الحزب المنظم فيكسب النتيجة، والحزب المنظم هو من يمتلك مجموعة من الكوادر المفرغة للعمل الحزبي ويعرفون كيف يخاطبون الجماهير، وصراحة أعتقد أن كل الأحزاب بما فيها المؤتمر الوطني طرحها للبرامج ضعيف، لأن البرنامج الانتخابي لا يقوم على الأمنيات فقط، بل يجب أن يتضمن تصوراً شاملاً من التخطيط والتمويل وانتهاءً بالتنفيذ، وهذه نقطة ضعف رئيسية للأحزاب السياسية، وقد استشعر الناخب السوداني هذا الأمر، وأخطر شيء هو حالة اللامبالاة التي باتت موجودة عند الناس، صحيح أن هناك نشاطاً للأحزاب ولكن دون كبير استجابة من الجماهير، فلا بد من عمل جاد وفقاً لبرنامج جاد يُوضِّح خطوات التنفيذ.
القانون الجديد تضمَّن اشتراطات جديدة بشان الترشح للرئاسة بحيث لا يكون هو أو زوجته أو والداه قد حصلوا على جنسية أجنبية؟
نعم هذه من الشروط الجديدة للرئاسة، وأنا ما زلتُ أرى أن الشروط الموضوعة للترشح لرئاسة الجمهورية قليلة، وقد تم تعديل تأييد الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية من “15” ألف ناخب في القانون الحالي إلى “18” ألف ناخب مسجل ومؤهل من ثلثي ولايات السودان على الأقل، على ألاّ يقل عدد المؤيدين في كل ولاية عن ألف ناخب.
لماذا تتحدث عن مزيد من العقبات أمام مُرشَّحي الرئاسة؟
لقد كنتُ أشعر بالحرج من نوعية بعض المرشحين للرئاسة في الانتخابات السابقة، لا يُشرِّفني أبداً أن يأتي إنسانٌ مُتواضعٌ ويكون رئيساً للسودان، وكنت أتمنّى وضع ضوابط أكثر، و(يا ريت) لو كانت هناك شرط بالحصول على تأييد عدد من أعضاء المجلس الوطني والمجالس التشريعية الولائية أو من الخدمة المدنية بدرجة محددة، بحيث تكون هناك ضوابط لا تسمح لكل من أراد أن يدفع (شوية قروش)، ويأتي للترشح لرئاسة الجمهورية، والرئاسة ليست مسألة للعبث، أنت تحتاج لشخص (ملو هدومه)، شخص يشرفك حتى لو لم تصوت له باعتباره يمثل رمزاً في البلد.
هل في تقديرك الترشح للرئاسة بات مسألة عبثية بحثاً عن الشهرة أو غيرها؟
ليس عندي شك في ذلك، ويمكنك أن تبحث عن مرشحي الرئاسة السابقين ومعظهم انزووا بعد أن وضعوا في سيرتهم الذاتية أنهم كانوا مرشحين للرئاسة.
بالعودة للشرط الجديد المعني بالجنسية، ألا تعتقد أنه بمثابة سد الباب أمام من يحملون جنسية أخرى؟
لديَّ قناعة شخصية تتعلق بأن كل من يتقدم لشغل منصب دستوري يجب أن يكون أحاديَّ الجنسية، ويجب أن يكون سودانياً فقط، لا أريد أن أظلم من أراد أن يأخذ جنسية أخرى، ولكن أرجو ألا يأتي في منصب دستوري ولا أقبل هذا، وأعرف جيداً حجم الضغوط التي يمكن أن يتعرض لها الشخص في حال تعارض المصالح بين الدولتين، وكما هو معروف فإن هذا الأمر حدث في عهد المؤتمر الوطني الذي سمح بأصحاب الجنسيات بتولّي مناصب دستورية، أنا لا أشك في وطنيتهم ودافعهم حب السودان وتقدمهم ولكن النقطة الحساسة ماذا سيفعل في حال تنافر بين الدولتين سواء كان سفيراً أو وكيلاً أو وزيراً أو رئيساً، ماذا سيكون موقفه؟
ما هو مستقبل المفوضية الحالية خاصة بعد القانون الجديد؟
المفوضية الحالية سينتهي أجلها في يونيو 2020 لكن الحوار الوطني قرر أن تأتي مفوضية جديدة ويبدو الحل الطبيعي أن تذهب المفوضية الحالية.
هل أنتم على استعداد للرحيل؟
أنا على استعداد لتقديم الاستقالة لكي أتيح للقوى الوطنية، أن تتوافق على رئيس جديد للمفوضية.
وماذا عن بقية أعضاء المفوضية؟
فيما يتعلق ببقية أعضاء المفوضية يجب أن يسألوا عن رأيهم.
ألم تسألهم؟
لا.. هذه مسألة شخصية.
ولكن الحديث عن مفوضية جديدة وليس رئيس فقط؟
هناك من يعتقد ومن بينهم قانونيون، ألا داعي للاستقالة باعتبار أن المفوضية تم تعيينها من قبل رئيس الجمهورية وتمت إجازتها في 2008 من قِبَلِ البرلمان بالإجماع فرداً فرداً، وذاك برلمانٌ ضمَّ الشعبية والتجمع، ومن بين تلك العضوية بقي 4 أشخاص فقط، وأُضيف إليهم في 2014 أربعة آخرين، والآن في القانون الجديد يعينها الرئيس لأن ذلك الأمر بيده، وهناك من يتحدث عن خبرة عشر سنوات يمكن الاستفادة منها عبر جعلهم مستشارين أو غيره.
ما هي أبرز التحديات التي ستواجه المفوضية الجديدة؟
بالتأكيد سيكون عملها أسهل من سابقتها، والآن المفوضية وضعت مذكرة تسليم شاملة وقدمت تصوراً لتنفيذ الانتخابات، وعلى المفوضية الجديدة أن تدرس ما يُقدَّم إليها من أوراق لمدة أسبوعين، وسينالون الخبرة المطلوبة، أما أبرز ما يواجههم فهو عامل الوقت باعتبار أن الانتخابات يجب أن تتم في يناير 2020 أو نحو ذلك على أن تُعلن النتيجة قبل أبريل باعتبار أن دورة الرئيس ستنتهي في ذلك الوقت، وإذا لم تقم انتخابات ستكون البلد في مهب الريح، وهذا ما أصررت عليه في أبريل 2015 لضمان استقرار البلاد.
قانون الانتخابات الحالي يأتي قبل الفراغ من التعديلات الدستورية، ألا يؤثر ذلك؟
(لو داير الحقيقة دستور 2005 ما فيهو أي عيب)، وحوى كل المطلوب لحماية حقوق الإنسان، التعديلات المطلوبة لما يرضاه الناس لنظام الحكم، الدستور دا جميل، ولم يظلم أحداً، ولكن المشكلة كانت في تطبيق القوانين، والأحزاب السياسية عندما تشتكي من غياب الفرص فإنها لا تشير إلى الدستور وإنما اعتراضها على القوانين وتطبيقها، والآن هناك خلطٌ في الأذهان وكأن المشكلة في الدستور.
ولكن الدستور جاء في وضع انتقالي نتيجة لمحاصصة شريكي نيفاشا؟
هذا صحيح، وكما هو معلوم فإن مشكلات السودان الحالية اتت من حالة التشاكس بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، اللذين أدارا البلاد، وخلقا حكومة تُناقض بعضها البعض ويخرج وزراؤها في تظاهرات ضد سياسة الحكومة، وقد دفعت البلاد ثمن هذا التشاكس، وأنا واحد ممن ذرفوا دموعهم على انفصال الجنوب باعتبار أن الأمر لم يكن فكرة سليمة ولم تُجْرَ بشكل سليم وخدع فيها السودان والجنوب، فوقعت الواقعة.
صحيفة السوداني.