“زوجتي لا تستطيع مناداتي باسمي في الأماكن العامة”
خيل أنك في مطار مزدحم، في أوروبا أو الولايات المتحدة. وستقابل زوجتك هناك، ولنسمها هنا ليلى، بعد العمل وأنتما في الطريق إلى قضاء رحلة قصيرة. ولكن الزوجة تأخرت، وجلست أنت لذلك في مقهى في انتظارها.
وغرقت في التفكير، فلم تعد ترى محبوبتك وهي تلوح لك من بعيد. فكيف يمكنها أن تجذب انتباهك؟ أحد الطرق أن تناديك باسمك. لكنها إن فعلت ذلك فسوف تثير رعب الموجودين. وقد يتجمع أفراد الأمن من حولك.
وقد يؤدي ذلك بك – وأنت شخص ملتزم بالقانون – إلى إمساك الشرطة بك واصطحابك إلى غرفة جانبية للتحقيق معك لساعات.
ولكن ما المشكلة؟
زوجتك مسلمة ملتزمة، واسمك “جهاد”.
ولكن كيف كانت الحياة حينما منحاك والداك المحبان لك وأنت طفل اسما أصبح يثير الصدمة، والمعاملة الفظة أحيانا، والنكات المحرجة في كثير من أرجاء العالم الغربي؟
حكاية ثلاثة رجال يسمون بـ”جهاد”
سألت بي بي سي ثلاثة رجال يحملون اسم “جهاد”، وهو اسم طبيعي جدا لتسمي طفلك به. لكن الاسم أصبح – بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001، وفي أعقاب الحرب على الإرهاب – مرتبطا في خيال الناس بالقتل الجماعي، بحيث فقد وظيفته الأساسية، مثل أي اسم آخر.
1- جهاد عبده الممثل السوري
وكان هذا الاسم، بالنسبة إلى جهاد عبده، أحد الممثلين السوريين المشهورين، هو الذي جذب ملايين المحبين له ممن يتابعونه. وهو نفسه الاسم الذي أدى إلى تحطيم سيارته عندما شعر بعض الناس أنه انتقد الحكومة السورية في صحيفة لوس أنجليس تايمز.
وأمر عبده بإجراء لقاء تلفزيوني تأييدا للرئيس بشار الأسد.
ولكنه رفض، وفر من البلاد.
وكانت الولايات المتحدة هي ملجأه، غير أن اسمه أثار بسرعة بعض العقبات.
ويشرح عبده في مقابلة عبر الهاتف من باريس خلال تصويره لمسلسل “باتريوت” الأمريكي الساخر “سارعت إلى أمريكا في تشرين الأول 2011. وبسرعة رأيت رد فعل الناس عندما قدمت نفسي، خاصة في منطقة وسط غرب أمريكا”.
ويقول “حينما سمعوا اسمي “جهاد” فإن أول صورة جاءت إلى مخيلتهم هي صورة الانتحاري، والجهاديين الذين يهاجمون الجيش في أفغانستان والعراق”.
ولم يستطع عبده – الذي يحظى برنامجه التلفزيوني الشعبي بمشاهدة 50 مليون مشاهد – قضاء إجازة قصير في لوس أنجليس، وكان قد فشل في 100 اختبار تمثيل، ولم ينجح في وظيفة موزع بيتزا لشركة دومينوز.
وأدرك عبده أنه لكي يحافظ على عمله، عليه أن يغير اسمه.
ويقول “تخيلت الموقف المعاكس في بلدي، إن كان هناك شخص يسمى باسم نخاف منه. فإنه لن يسمح له بالشهرة في مجال الترفيه.
ويضيف “وكما قال شيكسبير قبل 400 سنة (ما الذي يشكله الاسم؟) قلت لنفسي فلأغيره. إنني أحب اسمي، لكني أيضا أريد أن أبقى على قيد الحياة. إنني أعتبر نفسي متفتح العقل، وكذلك زوجتي. أقول بتواضع، إننا لا نهتم بحمل هذا الاسم أو ذاك. ما نهتم به هو مهمتنا في العالم، وقيمنا وإنجازاتنا”.
وفكر عبده في استخدام “جود”، لكنه في النهاية استقر على “جاي”، وهو اسم أمريكي بسيط ومحبوب.
وتغيرت الأمور بين يوم وليلة. يقول عبده “لأن جاي بالنسبة إلى الأمريكيين اسم محبوب، يذكرهم بجاي لينو، وبأناس آخرين محبوبين، أناس يشعرون معهم بالراحة. ولا يخلق الاسم أي حساسية”.
ولكنه يقول إن أسرته رأت أن الاسم الجديد بالنسبة إليها مضحك.
ويضيف “لكنهم يدركون الموقف، لأن الأمر نفسه حدث مع اسم “أسامة” قبل سنوات. وحدث الأمر نفسه أيضا في روسيا مع اسم “كوبا” بعد موت ستالين. ونفس الشيء مع “أدولف” في ألمانيا. وأنا لا أريد أي مشكلات بسبب اسمي، بينما عقلي وقلبي مختلفان تماما”.
ولا يزال جهاد عبده يستخدم اسمه الأصلي في سوريا، والعالم العربي. وقد رفض بعض الأصدقاء الأمريكيين الاسم الجديد.
ويقول “إنهم يسألونني: هل يمكننا أن نظل نناديك بجهاد؟”.
2- جهاد شوشارة طبيب الأطفال
“إذا كان طفل في الثامنة يستطيع قوله ..”
هذه هي فلسفة جهاد شوشارة، البالغ من العمر 49 عاما، التي يقدرها. وهو يعيش في شيكاغو طوال حياته، ويعمل كبير أطباء أطفال.
وقد ولد لأم مكسيكية-أمريكية، وأب سوري من دمشق، وقد سبب له اسمه وهو طفل بعض المشكلات.
ويقول “في سوريا ولبنان، ومنطقة الهلال الخصيب عموما، ليس هذا الاسم مثل يعقوب أو ما شابهه، تسمعه مرة من وقت لآخر، لكنه شائع بالتأكيد. وهو أيضا يستخدم للأولاد والبنات. وليس اسما إسلاميا، ولذلك هناك مسيحيون باسم جهاد”.
ولكن الوضع تغير في السبعينيات في أمريكا.
وقد لجأ جهاد شوشارة – مثل سميه الممثل السوري – إلى تغيير اسمه حينما كان في الـ12 أو 13 عاما.
ويشرح ذلك قائلا: “خلال مرحلة المدرسة، وحتى في الكلية، لجأت إلى جاي. ولم أخبئ اسمي الحقيقي، لكن جاي كان أسهل لتسيير الأمور والتعامل مع الصعوبات”.
ويتذكر حادثة خاصة حينما عاد إلى استخدام “جهاد”.
ويقول “كنت قد تخرجت في الجامعة، وكان أمامي عام قبل الالتحاق بكلية الطب. وأمضيت فصل الصيف في معسكر للشباب. وذهبت إلى المعسكر الذي كان موجودا في منطقة ريفية في ويسكونسين عقب تخرجي بيوم. وقدمت نفسي إلى الموظفين والأطفال … وحييتهم قائلا أنا اسمي جهاد، وحتى قبل أن أقول لكن يمكنكم تسميتي جاي، قالوا لي .. جهاد .. جميل .. لطيف. وظننت أنه إذا كان طفل في الثامنة يستطيع قول الاسم، فكذلك أستطيع “.
ويضيف “هذه الأيام يعد هذا الموضوع بداية عظيمة للحديث”.
وبالرغم من اختلاف الأسباب بين جهاد عبده، وجهاد شوشارة، فإنهما يتفقان في أنهما لا يمكن أن يسميا أي طفل لهما بهذا الاسم.
ويقول طبيب الأطفال “بالطبع لا، لأن التقليد الإسلامي لا يعرف استخدام نفس الاسم بين الأب والابن مع التفريق بينهما بوضع صفة (الصغير) أمام اسم الابن”.
ويؤكد الممثل “لا على الإطلاق”.
وبينما لا يعتبر جهاد عبده نفسه ملتزما بالدين، يقول جهاد شوشارة إنه حاول أن يكون مسلما ملتزما.
وقال “أحاول أن أكون ملتزما بأداء الشعائر. ولذلك أعد نفسي مسلما. لكن هل أؤدي جميع الصلوات؟ لا”.
3- جهاد فضة مهندس الاتصالات
“ليست لحية إسلامية”
وكان أصغر رجل تحدثت معه بي بي سي هو جهاد فضة، وهو في 32 من عمره، ويشعر أن اسمه قد عقد علاقاته بالدين، بسبب الافتراض الذي يصوره في أذهان الناس.
ويقول “لست شخصا متدينا، وهناك سؤال علي أن أجيب عنه: أين أريد أن أضع نفسي؟ أعرف أن للدين دورا في حياتي، لكنني ما زالت لم أحدد أين أضعه بالضبط”.
جهاد فضة مهندس اتصالات
ويضيف “أمام الناس يبدو أنه ليس أمامي خيار. فإذا سئلت مثلا “أنت لا تشرب الخمر لأنك مسلم؟، أقول أنا لا أشرب، نعم، ولكن هذا ليس بالضرورة لأني مسلم، فربما لدي أسباب أخرى”.
وقد جاء جهاد إلى بريطانيا من نابلس في الضفة الغربية المحتلة، قبل سبع سنوات، لدراسة الدرجة الجامعية الثانية في هندسة الاتصالات، في نيوكاسل.
وهو فخور باسمه لأنه كان اسم جده، وعندما فكر في السؤال: هل أكون “جهادا” أو لا أكون؟ قرر الاحتفاظ باسمه.
وأطلق جهاد – مثل كثيرين غيره من الشباب في لندن في سن الثلاثينيات ممن يحبون الرياضة – لحيته، لأن هذا كان موضة.
لكن بعض أفراد أسرته رأى في ذلك تناقضا، فلم يؤيدوه.
ويقول: “قالوا لي إن كنت مسلما فيجب أن تلتزم بلحية المسلم، لأن المسلمين لا يطلقون الشارب. إنه أمر غير صحي، لا يُتطلع إليه”.
وقد تكون المطارات أماكن مثيرة للضغط العصبي بالنسبة إلى الركاب المسلمين، لكن جهاد يعتبر نفسه من المحظوظين.
ويقول “لم يحدث لي شيء مأساوي. لكن اختيارك بطريقة عشوائية في المطار، ليس أمرا عشوائيا في الحقيقة”.
وهو يتجنب الحديث بالعربية في المطارات، ويعتقد أن عدم ارتداء زوجته للحجاب قد سهل الأمور بالنسبة إليهم.
ولكن ماذا عن السيناريو الافتراضي الذي بدأنا به هذا الموضوع، هل يقلقه؟
يقول جهاد وعلى وجهه ابتسامة “إذا فقدت زوجتي في مكان، فإنها عادة لا تنادي علي باسمي بصوت عال. وهذا ينطبق على أي مكان”.
ولذلك إذا أرادت زوجته أن تستدعيه في مكان عام فماذا ستفعل؟
يقول: “سوف تستخدم اسم التدليل”
“وما هذا ..؟”
“جو-جو … ونحن لم نفكر يوما في كتابة هذا الاسم”.
ويضحك جهاد مواصلا “كيف بشخص طويل مثلي، 180 سم، وبلحية، ويناديه شخص بـ”جو-جو
بي بي سي عربية