ما يستدعي التذكير أن شرطية باطشة أشعلت نار الغضب بتونس، ثم شأباً عذبته أجهزة القمع حتى مات أشعل نار الغضب بالقاهرة
جراح البيان ..!!
:: رحمة الله عليه، مآساة الشاب سامر الجعلي ليست الأولى بحيث نعيد إنتاج ذات الصخب الذي لا يُغير الحال نحو الأفضل.. وربما أن الدروس لم تعد ذات جدوى في الحياة العامة، ولايتعلم منها من يهمهم الأمر..ولو كانوا يتعلمون لما تكرر سيناريو المآسي بذات التفاصيل في حياتنا.. وعلى سبيل المثال، قبل الشاب سامر، رحل الشيخ أحمد يونس بذات السيناريو .. أحمد يونس كان شيخاً تجاوز العقد السادس عمراً، و مع ذلك يحيك ملابس الناس بالجلوس لساعات طويلة أمام ماكينته ليأكل حلالاً ، في محل يفتح على شارع الكلاكلة شرق ..!!
:: وتساجل مع جاره في أمر ما ذات صباح، واستنجد الجار بالشرطة، وجاءت دورية النجدة والعمليات، وأطلقت الرصاص على الشيخ الهرم وأراده قتيلا.. وكالعادة، أصدرت الشرطة بيانا موثقاً بالصحف، قال فيه بالنص : ( كان مجنوناً).. ولم يكن الراحل الذي يجاور منزله منزلنا مجنوناً..ومع ذلك فلنقل كان كذلك، فهل هذا يبرر للشرطي زهق روحه، أو كما برر البيان الرسمي؟ .. وبعد أشهر من بيان التبرير، وجهت المحكمة تهمة القتل العمد للشرطي، ثم حكمت عليه بالإعدام .. ومع ذلك، ليس فقدهم لعزيزهم، بل وقع البيان لايزال يؤلم أسرة وأهل شيخ أحمد..!!
:: وهكذا كان أيضاً سيناريو مأسأة المرحومة عوضية عجبنا .. وإن كان وقع الرصاص على جسد وروح عوضية مؤلماً، فان وقع البيان الذي صدر عقب الرصاص لايزال أشد إيلاماً على أسرتها وأهلها .. فالرصاص قتل عوضية فقط، ولكن وقع ذاك البيان القبيح أصاب الأسرة بالجراحات، والأهل جميعا، بل أصاب حتى قيم المروءة في بلادنا .. وقالها والي الخرطوم السابق في صيوان العزاء، ثم كررها وزير الداخلية السابق بالنص : ( سوف نصحح البيان ونعتذر)..ولكن قد يندمل جراح الرمح والسهم والرصاص، بيد أن جراح الكلمة يبقى نازفاً في النفوس .. !!
:: واليوم ايضاً، وكأن إدانة الضحايا – و إصابة أسرهم و أهلهم برصاص البيانات – هي الأصل، كما مات الشاب الأعزل سامر برصاص شرطي بشارع النيل، فان وقع التوضيح الصادر عن اللواء شرطة هاشم علي عبد الرحيم – مدير إعلام الشرطة والعلاقات العامة – سيظل الأشدً إيلاماً والأعمق جراحاً على أهله وكل أهل السودان ..عند ذكر الموتى، حتى ولو كانت رقابهم معلقة على مقاصل الإعدام، فان قيم الدين الحتيف ومكارم الأخلاق تأمرنا بالترحم عليهم ثم ذكر محاسنهم، وليس قتلهم (مرة أخرى).. !!
:: والمهم.. ما يستدعي التذكير هو أن شرطية باطشة كانت تلك التي أشعلت نار الغضب بتونس، ثم شأباً عذبته أجهزة القمع حتى مات هو من أشعل نار الغضب بالقاهرة.. وهكذا كل شعوب الأرض..فالشعوب قد تحتمل الجوع والحرمان من الحقوق حيناً من الدهر، ولكنها لاتحتمل أن تهان كرامة أفرادها باسم الدين أو الوطن أو القانون .. ومن يجب نقده ليس فقط الشرطي الذي يخطئ في تنفيذ قانون النظام العام، ولكن النهج الذي أوجد هذا القانون أيضاً .. بثغرات هذا القانون ( شالو حس البلد) في المحافل الدولية، ثم وفروا للشرطي (حق التربص)، و (حرية القتل )..!!
الطاهر ساتي