خروج اليوناميد .. ومنطقة جيبوتي الحرة
بيان وزارة الخارجية الصادر أول من أمس، حول الخروج النهائي لبعثة اليوناميد، أمر خطير يستحق الاهتمام به أكثر من وسائل الإعلام والأوساط السياسية، خاصة الإشارة الواضحة في البيان إلى تحركات من بعض الأطراف الدولية لوضع العراقيل أمام خروج البعثة التي وضعت استراتيجية خروجها منذ عام 2014م ووقعت بين حكومة السودان والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في فبراير 2015م، بجانب وجود قرارات دولية صادرة عن مجلس الأمن الدولي (القرار2363)، وما أمن عليه مجلس السلم والأمن الإفريقي في عدة مرات آخرها في 11 يونيو 2018م بناءً على توصيات فريق المراجعة الاستراتيجية الصادرة في 1/6/2018م، وكلها تدعو إلى خروج اليوناميد بالكامل من السودان مع حلول عام 2020م.
وبنيت استراتيجية خروج اليوناميد وما تلاها من اجتماعات وفرق عمل ولجان مشتركة وتقارير دولية ومن الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، بنيت على تحسن الأوضاع في دارفور وعودة الحياة إلى طبيعتها عدا بعض الجيوب الصغيرة جداً في منطقة جبل مرة، وقد تم الإقرار بهذا التحسن من كل الأطراف الدولية سواء كانت دولاً أو منظمات، خاصة مع نشوء ظروف إيجابية في دارفور بعد التنفيذ والتطبيق الكامل لاتفاقية الدوحة والاتفاقيات الأخرى، وعودة العديد من الحركات المتمردة إلى باحة السلام والانخراط في الحوار الوطني، وبعد عملية جمع السلاح من أيدي الأفراد والمجموعات، فكل الأوضاع قد تغيرت من فترة الحرب إلى مرحلة الاستقرار والسلام، ولم يعد هناك ما يستدعي بقاء اليوناميد، خاصة بعد أن قررت عدة دول سحب قواتها من البعثة مثل جنوب إفريقيا.
وكنا نظن أن خروج اليوناميد من بعض مقراتها في دارفور وتصفية وجودها هو مقدمة لخروج القوات، لكن فوجئنا بأن بعثة اليوناميد ركزت وجودها في منطقة جبل مرة ونقلت رئاستها إلى أعلى جبل مرة في منطقة قولو، والغريب أن هناك خريطة تسربت من البعثة حول نطاق التفويض الذي تريده يشمل مناطق جبل مرة وما حولها تحتوي على أجزاء من ولايات جنوب وشمال ووسط وغرب دارفور، في إشارة إلى أهمية جبل مرة لدى الجهات التي توجه وتستخدم قوات اليوناميد، أما لماذا جبل مرة فهذا حديث يطول!!
وقد ظهر خلال الأيام الأخيرة من تحريك لقوات المتمرد عبد الواحد محمد نور في أعلى جبل مرة لتنفيذ هجمات على مناطق مختلفة عند سفوح جبل مرة، أن هناك أهدافاً محددة تُراد من هذه التحركات العسكرية لتبرير التحركات التي تقوم بها جهات وأطراف دولية للإبقاء على هذه القوات في دارفور.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن وجود قوات حفظ السلام في بلدان العالم الموبوءة بالحرب وعدم الاستقرار، هي عملية معقدة للغاية تتحكم فيها مصالح سياسية واستراتيجيات دولية، كما يوجد فيها ما يشبه التجارة الدولية، فمن بين (37 عملية حفظ سلام نفذتها الأمم المتحدة في 37 بلداً) لم تخرج القوات الدولية إلا من دول قليلة، وتساق نفس الحجج الحالية من أجل بقاء قوات حفظ السلام، لأن في ذلك مصالح تجارية لشركات ارتبطت بكبار المسؤولين في المنظمات الدولية تمتص كل الميزانيات الضخمة التي تخصص لعمليات حفظ السلام.
منطقة التجارة الحرة في جيبوتي
شارك السيد رئيس الجمهورية في احتفال افتتاح منطقة التجارة الحرة في العاصمة الجيبوتية، وهي تقريباً أكبر منطقة تجارة حرة في إفريقيا، أنشأتها جيبوتي بالتعاون جمهورية الصين الشعبية في إطار تواصلها وارتباطها الإيجابي مع البلدان الإفريقية بعد أن طرح الرئيس الصيني في عام 2013م مبادرة الحزام والطريق، لإحياء طريق الحرير القديم البري والبحري، وحضر الاحتفال زعماء السودان وإثيوبيا والصومال ورواندا التي ترأس الاتحاد الإفريقي ورئيس المفوضية الإفريقية ووفد كبير من الصين، وتبلغ تكلفة المنطقة ما يزيد عن المليار دولار قدمتها الصين التي تساهم الآن في إنشاء عدد من الموانئ حول العالم في إطار المبادرة، ويزيد افتتاح منطقة التجارة الحرة التنافس التجاري على موانئ البحر الأحمر مثلما يزيد فرص التعاون والتبادل التجاري والنهضة الاقتصادية في دول المنطقة وإفريقيا، وستزدهر المنطقة بحركة الاستيراد والتصدير والصناعة والنقل والشحن البحري. ولعل هذه المنطقة التجارية الحرة التي تطل على أهم ممر مائي عالمي للتجارة الدولية، ستكون نقطة تحول كبيرة في القرن الإفريقي وشرق القارة السمراء.
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة
تقوم شركة موانيء دبي العالمية بتشغيل ما لا يقل عن 40 ميناء حول العالم منها أرصفة الحاويات بميناء جدة وميناء العين السخنة في مصر وميناء عدن . سعت هذه الشركة في التسعينات للحصول على إمتياز توسعة وتطوير ميناء بورتسودان وإقامة منطقة حرة متاخمة ولم تحصل على موافقة الحكومة السودانية فإنصرفت إلى ميناء جيبوتي ووسعته وطورته حتى جعلت منه ميناء محورياً وتبعتها الصين بإنشاء المنطقة الحرة . مساحة جيبوتي 200ر23كيلومتر مربع أي مساحة ولاية الخرطوم تقريباً وهي محاطة بإثيوبيا من جميع الجهات ماعدا مساحة صغيرة ناحية الصومال وإريتريا والواجهة الرئيسية جهة البحر والتي تمتد سواحلها لحوالي 190 كيلومتر فقط بينما شواطيء السودان يبلغ طولها 750 كيلومتر ! وتتمتع بمواقع مرافيء طبيعية ، كما أن موقع السودان أفضل بكثير لخدمة الدول المغلقة مثل إثيوبيا وجنوب السودان وأوغندا وتشاد وأفريقيا الوسطى بخطوط سكة حديد وطرق برية ، لذا فقد فات على السودان دخل قومي أفضل من رسوم عبور النفط ، وبعودة العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا فإن أول إتفاق بينهما كان هو إستخدام إثيوبيا للموانيء الإريترية وبذلك خرجنا من حسابات إثيوبيا التي سعت كثيراً للإعتماد على ميناء بورتسودان ولكنها واجهت الكثير من المشاكل التي لم يعمل السودان على تذليلها منها ضيق الميناء وبطء المناولة وإنعدام الخدمات ووعورة الطرق الترابية ـ هل يعجز السودان عن تدارك ميناءه وهذا الوضع المزري ويوافق على إستخدام ميناء جيبوتي والمنطقة الحرة لإستقبال البضائع الواردة للبلاد ويقوم بمد سكة حديد لكل هذه المسافة وبتكلفة عالية وتستفيد جيبوتي من هذا كما تستفيد أيضاً من القواعد العسكرية التي إنتشرت فيها بإيجارات شهرية رفع الدخل القومي لهذه الدولة الصغيرة لمئات الملايين ؟ نحتفل معهم بإفتتاح المنطقة الحرة ونضع حجر الأساس لمنطقة التبادل التجاري لدول القارة في كيغالي ؟؟!! ونبقى نحن بلا مطار ولا ميناء ولا سكة حديد ولا طرق برية بالرغم التصريحات اليومية للمسئولين بتوقيع إتفاقيات شراكة إستراتيجية مع كل الدول الواردة بمعجم البلدان تقريبا !! فقد ذهبت كل الاستثمارات الصينية لجيبوتي وإثيوبيا وتستثمر تركيا في الصومال !!!