رأي ومقالات

صحفي يحكي عن مواقف جمعته بالراحل “بيكلي” مدير سد النهضة الأثيوبي.. يكن مودة خاصة للسودانيين

إجتهدت منذ الصباح في التعامل مع حادث موت المهندس (بيكلي) مدير مشروع سد النهضة كخبر امام نطاقات صحفي وباحث ومهتم ؛ اذكر جيدا اني حين تلقيت الخبر في حينه من صديق وكنت في مكتبي اني نهضت قائما واضعا يدي فوق راسي ؛ جلت في فراغ المكتب ! تركت ضيفا دثرني بثرثرات متقطعة منذهلا يلاحقني (مالك في شنو !) كنت قد خرجت لفضاء بالساحة الخارجية حصلت على سيجارة لا اعرف ممن إنتزعتها ؛ نفثت دخانها بشفطة واحدة ثم كسرت ما تبقى منها غير مبال ببعض حريق منها طال اصبعي ! وللعلم لست ممن يدخنون السجائر ؛

انحنيت في ركن ذاهل الملامح ؛ استعيد احاديث مع الرجل الفقيد ؛ كنت اقف امامه في احد القاعات بوسط اديس ابابا قبل اشهر اعيد ترتيب ثيابي بعد ان خضعت لتفتيش حذق اماط عني حزامي وبعثر جنبات قميصي ! يوم (النيل) هي المناسبة ؛ لقيته يرفل في بذلة وقميص ابيض بلا ربطة عنق ؛ وذقنه المسدلة مثل شيخ تيجاني ! قلت له (سستالا) اي اني استبشعت صرامة الإجراءات اكتفي بابتسامة اكملها عنه المهندس (قوديون) رئيس اللجنة الفنية الاثيوبية الذي قد يحدثك عن تاريخ نبي الله سليمان واغاني (ملوكن) وذائقة الاطعمة الشعبية المشتركة وقد يحدثك عن بروفيسير سيف حمد لكنك وان دققت عنقك لن يقرب معك جدول ماء او اثر ندى من ماء النيل ! سالت (بيكلي) عن (اللجوج) اي صغاره اجاب شاكرا الله كان بيننا ود غذاه حرصي علي تحاشي جره للاحاديث الرسمية وحتى الحوار الوحيد الذي اجريته معه ذات ملتقي طلب مني وبعد ان راي الترويج ان اسحبه وقد فعلت رغم اني (روجت) بعناوين عبر اخيرة صفحة (الصحافة) وهو ما ضاعف من اتساع مساحات الود بيننا ؛

لمست في الرجل مودة خاصة للسودانيين لم اعرف مصدرها وعددتها من عموم روابط شعبه بنا كما توسمت فيه بساطة مع وفاء لبلده حد الوطنية المتطرفة سمعته مرة يهمس لاحد مساعديه وقد اصطف حشد من الصحفيين الافارقة وبينهم اثيوبيين يهمس طالبا مع اللقاء العام تخصيص مكان قرب اقامته لصحفي بلده ؛ تحدث بالامهرية فتبسمت من قوله فانتبه لالتقاطي فضحك مستشعرا الحرج الذي ازلته عنه طالبا منه ان يتجاوز فهذا حقه و(الصلاة بها السر والجهر) توثقت صلاتنا كان يعجبني كشخص نابه رصين السمات ؛

زرته مرة في منزله فوجدت نفسي امام شخص من العامة يبجل (الانجيرا) ولا يتمايز عن عامة الناس بمسكن ومقام اذ اظنه حاز سكنا في مجمع سكني (كندمنيوم) وان انتقل فحتما لضغوط سلطانية لكنه كان في المجمعات مثله مثل صديقي الاستاذ بجامعة اديس (مسفن) المولع بمرويات التاريخ وقصث مملكة (شوا) والراس (منجشا) قتيل الصالون الاخضر في عهد هيلاسلاسي ؛ انفتحت مع (مسفن) علي مجتمع اثيوبي صاف المودة ؛ شد عزم وجداني للناس والظلال لدرجة اني حين اهبط الزهرة الجديدة يندهش رفاقي حين اقول اني ذاهب لاداء واجب عزاء او الالتحاق بمناسبة عرس ! كانت نصيحتهما ان اثيوبيا في البيوت والاسر و(بيتا سب) كان رفاق ترحالي من السودانيين يضحكون يظنون اني اكذب ! لست معنيا بتوجيه تهمه ولا ينبغي لي لكني اعلم كل اثيوبيا تحب هذا الرجل وتجله ؛ وقد يقتل اي لكنهم لن يفعلوها و(بيكلي) اكاد اشهر قسما في هذا ستبر به الايام ؛ هذا الرجل الذي عرفت لا يجروء اثيوبي على مسه .

هم ان مسوه فقط ليقبلوا راسه المرهق من السهر هذه شهادتي في رجل حزنت له وعليه بصدق وحب فلترقد في سلام كما يقول النصارى او فليرحمك الله كما نقول في الإسلام والله حتى اللحظة لا اعرف هل الرجل مسيحي ام مسلم او من اي جهات اثيوبيا هو ولو انه حذق العربية لما ترددت في الزعم انه سوداني ودنقلاوي اذ فيه ملمح نوبي بسمرتهم وبياض سريرتهم ؛ رحمة الله عليك ففي الحد الادني فقد عبرت كما يعبر النيل العظيم في موسم الفيضان ضاج بالحياة في عنوان موت.

بقلم
محمد حامد جمعة
*كاتب سوداني
81706