حتى لا تطيش السهام
على عهد العقيد القذافي، في نهايات عام 1996م، صمم العقيد الليبي وعقد العزم على محاربة الفساد واستئصال شأفته، في بلده المحاصر يومئذٍ، وكان المفسدون قد سدوا عين الشمس، وملأوا أباطح ليبيا وعرصاتها وفجواتها، وعشش فسادهم في كل دواوين الدولة وشركاتها ومؤسساتها، وصار التطاول في البنيان والتسابق في حرز الأموال وكنز الغالي والنفيس والصفقات المشبوهة والرشى هو موضة الحياة الليبية، فقرر العقيد القذافي رحمه الله تكوين ما سميت يومها (لجان التطهير)، وهي لجان عسكرية يكون على رأس كل لجنة ضابط من رتبة النقيب فما دون، شباب في سني خدمتهم الأولى، تصور القذافي أنهم بلا ماضٍ وبلا ارتباطات بدوائر الفساد، يحركهم طموح دافق للإصلاح يؤمنون بنهج الثورة الخضراء وشعاراتها، فاسند إليهم الأمر وسلحهم بسلطات وصلاحيات وإمكانات ومعينات حركية ومالية لا حد لها، وطفقت هذه اللجان تجوب الشركات ومؤسسات الدولة والمتاجر والأسواق والبنوك بحثاً عن غيلان الفساد، ورغم ذلك فشلت التجربة، ولم تمض إلا أشهر قلائل طاشت فيها سهام القذافي وأخرج الفساد لسانه ساخراً من لجان التطهير وتلكم الإجراءات.
> مساء أمس افتتح السيد رئيس الجمهورية مقر لجنة التحقيق في قضايا الفساد بشارع الجامعة، وهي اللجنة المنوط بها جمع المعلومات وإجراء التحقيقات والتحريات في ملفات وقضايا الفساد وتقديمها للقضاء، فما الفرق بين لجان القذافي وهذه اللجنة؟
> السودان ليس ليبيا القذافي بالطبع، وتجربة الحكم الناضجة عندنا لا علاقة لها بالنظرية الفوضوية التي طبقت في صحارى ليبيا وسواحلها، فالفرق بين هذه اللجنة وتلك التجربة البائسة رغم تشابه صور الفساد وانتشاره واشتهاره، أن فكرة اللجنة التي تكونت بتوجيه من السيد رئيس الجمهورية تحت إمرة جهاز الأمن والمخابرات الوطني، ليست لجنة تضم نظاميين وعسكريين على غرار التجربة الليبية السابقة، فهذه لجنة متكاملة تضم كل الجهات العدلية والنظامية والمالية، فهي تضم (القضاء، النيابة، الشرطة، جهاز الأمن، المراجع العام، بنك السودان، الجمارك، الضرائب وجهات فنية أخرى)، وتعمل بنظام منسق ودقيق ويستند إلى القوانين التي تحكم مختلف أنواع التعاملات المالية والإدارية والأنشطة الاقتصادية المتنوعة.
> تستطيع مثل هذه اللجنة وهي تعمل وفق تفويض مضبوط بلوائح وقوانين، أن تكون أكثر فاعليةً ودقةً في تقصي الحقائق وجمع المعلومات والبينات والبيانات والتقارير والأدلة والمستندات لتقوم بفصحها والتحقق منها، ومراعاة قيم التثبت وعدم الحكم على المظنة والشك، والابتعاد عن الاشتباه المنفلت، فقضايا الفساد ذات طبيعة معقدة ودروب لولبية شائكة يصعب معها التتبع، ولا تتيسر فيها الملاحقة بسهولة إلا بإجراءات محكمة وتنسيقات وافية تصل إلى لباب الحقيقة وقلبها، ولا تقوم على الجوانب القشرية العارضة.
> ومع ذلك فإن المتفق عليه أيضاً، هو أن تكون قضايا الفساد من الأمور التي لا تحتمل الصمت الطويل وتغطيتها بورق من توت الصمت، فهي تتطلب تطمينات للرأي العام في الوقت المناسب واطلاعه أولاً بأول على سير العدالة، ففي مراحل التحقيقات والتحريات قد يتقبل الناس عدم الإفصاح عن كامل المعلومات أو جلها، لكن من الضروري أن يرى الناس الجناة يساقون إلى ساحات القضاء العادل والمحاكم الناجزة، فلن يصدق أحد الدولة، إن تطاولت الإجراءات ولم تشهد المحاكم أياً من المفسدين الفاسدين وراء قضبانها.
> أما هذه اللجنة فهي تحدٍ كبير، وذات تفويض عالٍ، وسلطات لا تضاهى، وتقف الإرادة السياسية للدولة وقيادتها وراءها، وأعطى السيد الرئيس بافتتاحه مقرها رسالة سياسية واضحة تؤكد وقفته الصارمة في وجه الفساد ومحاربته له، فينبغي أن تجتهد اللجنة وتنجح في تقديم أبهى صور العدل في نزاهة عملها وانضباطه، وإشاعتها روح وعزيمة الإصلاح وتطهير المجتمع من بؤر الفساد وأباطرته وأساطينه، وجرهم إلى حيث الجزاءات النافذة.
> وعلى الدولة أن تنتبه إلى أن هذه اللجنة ستفقد بريقها وشرعيتها، إن تقاعست أو تراجعت أو فشلت في أداء مهمتها، فلم تتوفر للجنة في تاريخ السودان الحديث سلطات مثلها أو حظيت بدعم سياسي وصلاحيات تنفيذية واسعة وتفويض يجعلها قادرة على ما لم يستطعه الأوائل.
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة
اتعتقد أنا سج وجهلة لهذه الدرجة على الرئيس ان أرد ان يحارب الفساد قبل قيام اللجنة ان بيدا باخوانه وزوجاته ونفسه ووزرائه المعروفين لديه بعد ذلك أن تبدا اللجنة عملها عند ذلك سوف نصدق