هناك شَبَهٌ بين الدكتور مرسي والدكتور آبى أحمد.. تعيش إثيوبيا كدولة فى مهب الرياح
إنما الأفعال بمآلاتها . (الإقليم الخامس) الصومال الغربي نموذجا
……………………………
رصد الفقهاء مسائل الفقه الإسلامي ، وقعدوا لها قواعد فقهية من أهمها خمس قواعد تعود إليها جل المسائل الفقهية ، وتتفرع منها قواعد كثيرة تدخل فى مسائل غير قابلة للحصر ، ومن أعظم القواعد الفقهية قاعدة ( الأمور بمقاصدها ) ، وتلك قاعدة معتبرة عند أئمة الفقه من جميع المدارس ، وعدٌها الإمام الشافعي قاعدة كبرى ، وإليها تعود ثلث المسائل الفقهية ، وتدخل كما قال الشافعي أكثر من سبعين بابا .
فى السياسة قاعدة فقهية ، ولكنها سياسية بالإمتياز ، وهي قاعدة ( مراعاة المآل ) ، ولهذا قلت : إنما الأمور والأفعال بمآلاتها ، لا بوقائعها ، ولهذا فلا بد من رصد الأفعال قبل حدوثها ، وأثناء حدوثها لمعرفة مآلاتها ، وهذا ليس أمرا سهلا ، بل هو مرتبط بالحال والماضى فهما ودراية ، وبالمستقبل توقّعا وتنبؤا ، ومن هنا تصبح الدراسة للوقائع مطلبا مُلحّا ، ولكن من جانب المفكرين ، والخبراء السياسيين ، فالحدث السياسي لا يأتى من الفراغ السياسي ، ولهذا فلا بد من رصد مستمر للأحداث .
ماذا عن مجريات الأحداث فى الإقليم الخامس ؟
…………………………………
من المعروف أن السيد عبدى عمر ( عبدى إيلي ) رئيس الإقليم كان جزءا أساسيا من الدولة التى ثار عليها الشعب ، ولكن الدولة العميقة لا تسقط بسقوط الرأس ، فهذا فخ سياسي تقع فيه دوما القوى الثورية ، وهناك شَبَهٌ بين الدكتور مرسى والدكتور آبى أحمد من جانبين ، فالجانب الأول هو غياب ( الظهير السياسي ) المكون من الجيش ، والشرطة ، ورجال الأعمال من عمق الدولة ، والأمر الآخر هو صناعة العلاقات من خارج الأطر القانونية ، أي العلاقات الدبلماسية الشعبية ، وهذا جيد ، ولكنه ليس هو الذى يجعل الدولة تحت السيادة الحقيقية للزعيم .
إن السيد عبدى عمر ( إيلي ) لديه أوراق ثلاثة إستخدمها حتى الآن بذكاء وهي المال السياسي ، فهذا المال الكثيف الموجود فى جعبة الرجل والذى جمع بغير وجه شرعي تم توظيفه فى صناعة الولاءات القبلية من جانب ، والولاءات المصلحية من جانب آخر ، ومن هنا نجح الرجل فى إيجاد نوع من الظهير السياسي ( المؤقت ) ، والأمر الثانى هو الإتصال العميق ، والفعال مع الدولة العميقة الممثلة فى القومية التغرانية ، ولهذا ربط حبال دولته بمصائر الدولة هناك ، وبينهما مصالح مشتركة ، ومن هنا يلعب كل واحد منهما دورا تم ترسيمه من قبل ، والورقة الثالثة هي وجود شرطة قوية لديها شروط الجيش المنظم ، فهي ليست شرطة بالمعنى التقليدي لها ، كما أن شروط الجيش غائبة عنها ، وقد نجح فى صناعة هذه القوة مع الدولة السابقة ، وطالب منها أن تكون أداء هامة من أدوات صناعة الأمن فى الداخل ، وقبلت الحكومة السابقة لأنها رأت بأن الرجل يخفّف عنها عبء الحرب مع جبهة تحرير الأوغادين ، فرأوا بأن المهمة تكون مزدوجة ، فهي من جانب تحقق الهدف الحقيقي من وجود جيش منظم من قبل إثيوبيا ، وهي تحارب فى جبهات مختلفة ، فى الصومال ، وفى إريتريا ، والهدف الثانى يكون فى دحر القومية ( الصومالية ) حيث يحارب الأخ أخاه ، ولكن الرجل إستخدم نوعا من الذكاء السياسي فى هذا ، فقد أوجد جيشا صوماليا فى الداخل ، وهذا قريب مما صنعه السيد أورودوغان فى مواجهة الجيش .
هذه أوراق ثلاثة فى يد السيد عبدى عمر ( إيلي ) ، ولكن السؤال ، ما هي الأوراق التى تملكها المعارضة فى هذه المرحلة ؟
هناك ورقتان مهمتان ، الأولى تتمثل فى شرعية الثورة ، وهي أن مرحلة ( عبدى عمر ) إنتهت ، وبدأت مرحلة أخرى ، ولهذا تجتمع فى هذه الأيام القوى الثورية فى مدينة ديريدوا لأجل صناعة المستقبل ، أي ما بعد عبدى عمر ، أما الورقة الثانية فهي دعم الحكومة المركزية ، والتى جاءت بعد الثورة الشعبية ، ولهذا تدخّل الجيش الإثيوبي ، وتم محاصرة المؤسسات القومية فى أربع وعشرين ساعة ، ولكن التدخل المؤقت لم ينجح ، كما أن المجتمعين فى مدينة ديريدوا لم ينجحوا فى رسم المستقبل السياسي ما بعد هذه المرحلة .
إلى أين تسير الأمور ؟
…………………………
فى القراءة المتأنية ، والهادئة تنبئ بأن المنطقة فوق بركان شبه ساخن ، ذلك لأن الرؤية غائبة عن الفريقين معا ، فالفريق السياسي الذى يعمل مع السيد عبدى عمر ( إيلي ) لا يملك مشروع الخروج من الورطة السياسية ، فهو يميل حينا مع الثورة ، وحينا آخر مع الدولة العميقة ، ويلعب مؤخرا بورقة رابحة عند الإنسان الصومالي ، وهي ورقة ( الإستقلال ) عن إثيوبيا ، والفريق السياسي المعارض ليس لديه أجندات سياسية واضحة ، بل عنده ضبابية سياسية ، ولهذا تجد المشروع السياسي للمعارضة غير واضحة ، ومن هنا فهي تشبه سفينة بلا قائد .
إن السيد عبدى عمر نجح فى خلط الأوراق فى هذه المرحلة ، وذلك بيّنٌ فى أمرين ، الأول هو أنه نقل المعركة من طلب الحقوق إلى مربع آخر وهو الدفاع عن مصالح القومية الصومالية من الهجمة الأورومية ، ومن هنا أصبح الخوف سيد الموقف فى الإقليم ، فقد حملت إلينا الأخبار من مدينة ديريدوا قتل أكثر من عشرين شخصا من القوميتين الصومالية والأورومية ، كما أن بعض البيوت تعرضت للحريق من قبل بعض الناس فى هذه المدينة ، ومن الذين تعرضوا للقتل ، والحريق جيبوتيون جاءوا للمصيف كعادة الجيبوتيين فى هذه اللحظة ، ولهذا يسود الخوف ، بل ربما ، ينتقل العدوى إلى جيبوتى ، حيث تعيش هناك جالية أورومية معتبرة .
هناك أمر آخر نجح فيه السيد عبدى عمر وهو أن الحكومة المركزية لم تستطع التخلص منه بالقوة ، فقد خرج من الورطة بسبب وجود جيش شبه منظم لديه ، ولهذا فقد قام بخلط الأوراق من جانب الثوار الصوماليين ، ومن جانب الحكومة المشغولة بالعاصمة فقط ، وبالعلاقات الخارجية .
لم تنته المعركة بعد ، فليس ما فعله السيد عبدى عمر نجاحا كاملا ، ولكنه لم يسقط سياسيا ، بل هو ما زال موجودا ، ولديه رهق سياسي ، والمجموعة الأخرى لم تفشل فشلا كاملا ، ولكنها ما زالت تتعثر فى وسط الطريق ، فلا هي تواجه مشروع عبدى عمر بقوة الشارع الذى إنقسم بقوة ، ولا هي تعمل سياسيا لإسقاطه ، ذلك لأن الرؤية ما زالت غائبة .
إن مدينة ( جكجكا ) كانت فى يوم واحد شبيهة ( بيوم القيامة ) ، حرقت المعابد ، ومات العشرات من الناس الأبرياء بدون ما سبب ، وتدخل الجيش لسبب غير معلوم ، ثم خرج لسبب غير معلوم ، واختلطت الأوراق من جديد ، وظهر مرة أخرى السيد عبدى عمر ، ولكنه فى هذه المرة عاد كزعيم له بعض الشعبية هنا وهناك ، والسبب هو أن الإنسان الصومالي لا يقبل الإهانة ، فقد أحس بأن ثمة مشاريع سياسية غير واضحة ، كل ذلك يجعل مدينة ( جكجكا ) العاصمة فى مفترق الطريق .
إن مقولة ( الأمور بمآلاتها ) صحيحة ، فليس سياسيا من تحرك بلا مشروع سياسي ، ذلك لأن إقامة الموتمرات ( موتمر ديريدوا ) نموذجا بدون مشروع سياسي واضح فشل سياسي ، ولهذا غاب عن مؤتمر ديريدوا المشروع ( مشروع ما بعد المرحلة ) ، ولا يملك السيد عبدى عمر وفريقه السياسي مشروع الإنقاذ السياسي ، ولهذا فالإقليم فوق بركان ساخن .
هناك مستفيد وخاسر فى هذه المرة ، الجهة المستفيدة الحصرية هي الدولة العميقة ، وهذا هو الفخ الأول ، والمعدّ من قبل سلفا ، ومن هنا قد تتوالى المشكلات من هنا وهناك ، والخاسر هنا ممثل بالثورة الشعبية ، ولهذا يجب فتح العيون بقوة .
إن الجبهات والأحزاب فى الإقليم مدعوّة من جديد الإجتماع ، ولكن هذه المرة ليس لأجل الإجتماع فقط كما حصل فى مدينة ديريدوا ، ذلك لأن الإجتماع فى مدينة ديريدوا لم يكن حاملا شعاع الحرية بقوة ، وبعقلانية ، بل كان لأجل الإستعراض ، وتوجيه القرار السياسي الرسمي نحو الإقليم ، والإستعداد لتقسيم الكعكعكة ما بعد سقوط عبدى عمر ، ولكن هل تم مناقشة مشروع الإنقاذ ؟ لا أظن ذلك .
فى الوطن شبه فراغ ، ويجب ملء هذا الفراغ بسرعة ، ومن خلال الجبهات الكبيرة ذات الأوزان الثقيلة ، ومن أهم الثغرات الموجودة فى الجسد الصومالي ( القبيلية ) ، ولهذا فلا بد من مؤتمر قومي يمثل الشعور العميق لمواجهة الدولة العميقة ، وذلك قبل أن يسقط المشروع ، فيجب تجاوز مشكلة عبدى عمر كشخص ، بل يجب مواجهة المشروع بالمشروع .
تعيش إثيوبيا كدولة فى مهب الرياح ، ولكن الدولة فى إثيوبيا لها ( رب ) يحميها من السقوط النهائي ، وهي الحضارة الغربية ، ولكن ليست الحضارة الغربية ليست إلها لها القدرة الكاملة ، ولهذا فلا بد من رصد كل الخيارات ، وهي ممكنة الوقوع والحصول ، وهي عندى بالتساوى ، فقد تبقى الدولة قوية وموحدة ، وقد تتفكك وتتوزع ، وقد تحصل الحروب الأهلية لا قدر الله ، وكل ذلك ممكن ، ومن السذاجة أن لا نتوقع ، ثم نتباكى حين الوقوع .
بقلم الشيخ عبد الرحمن بشير
*كاتب جيبوتي