هل “المساواة في الميراث” اجتهاد سائغ أم تحريف للدين؟
أعلن رئيس حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي أن حركته “ستتفاعل مع مبادرة رئيس الدولة حول الإرث حين تقدم رسميا إلى البرلمان، بما تقتضيه من الحوار والنقاش للوصول إلى الصياغة التي تحقق المقصد من الاجتهاد”.
وأضاف في منشور له على صفحته الرسمية على “الفيس بوك”: “وتجعل من تفاعل النص مع الواقع أداة نهضة وتجديد وتقدم، لا جدلا مقيتا يفرق ولا يجمع، ويفوت على التونسيين والتونسيات المزيد من التضامن والتآلف”، وهو ما عرضه لانتقاد شديد لموافقته على إخضاع حكم شرعي ثابت ومقطوع به للتداول والنقاش بحسب منتقديه.
وكان الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، قد أعلن في وقت سابق من هذا الشهر “عن اقتراح مشروع قانون على مجلس نواب الشعب للمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، بدلا مما نصّت عليه مجلة الأحوال الشخصية بخصوص أحكام الميراث”.
وكما كان متوقعا فإن دعوة الرئيس التونسي للمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة لن تمر بهدوء، بل ستثير جدلا قويا وصاخبا داخل تونس وخارجها، لما تمثله من جرأة بالغة على أحكام الشريعة الثابتة والمجمع عليها، وفقا لتقريرات، علماء الدين، والمؤسسات الدينية العريقة.
من جهته علق رئيس قسم الشريعة والقانون بجامعة الزيتونة، الدكتور إلياس الدردور على مشروع القانون المقترح بقوله: “إذا تم المساس بأحكام الميراث في تونس، فأغلقوا المصاحف وضعوها على الرفوف، ولا داعي لتلاوة القرآن لأنكم ستكونون من الذين يقرؤون القرآن، والقرآن يلعنهم إذا لم تدافعوا عن أحكامه”.
وأيدّ أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله بدار الحديث الحسينية للدراسات الإسلامية العليا بالمغرب، الدكتور الناجي لمين الدردور في تحذيراته من المساس بأحكام الميراث في تونس، مبينا أن “الله تعالى تولى تفصيلها في القرآن، ولم يترك للسنة إلا فروعا يسيرة، كما أن ألفاظها وعباراتها المستعملة في بيانها واضحة الدلالة، وتختم بقوله تعالى “فريضة من الله، وقوله “تلك حدود الله”، وقوله تعالى “يبين الله لكم أن تضلوا” أي لكي لا تضلوا.
وأرجع الناجي أسباب إثارة هذه القضايا من قبل بعض المسلمين إلى “جهلهم بخصائص الإرث، فإضافة لما ذُكر سابقا، فإن الصحابة تحدثوا في كل مسائل الإرث، والخلاف بينهم قليل جدا وفي فروع غير ذات أثر كبير، لا يدخل فيه مسألة المساواة وعدم المساواة إلا في المسألتين المعروفتين بالغَرّاوَيْن”.
وتابع حديثه لـ”عربي21″ قائلا: “كذلك فإن الفقهاء بعد الصحابة لا حظ لهم في مسائل الإرث، فهم إما مقلدون في الغالب لزيد بن ثابت كمالك والشافعي، أو علي بن أبي طالب كأبي حنيفة، وقد خالف مالك زيد بن ثابت في مسألة واحدة فسُميت بالمالكية، والشافعي اجتهد في كل أبواب الفقه إلا الإرث، فقد قلد فيه زيد بن ثابت، كما ذكر المزني في مختصره”.
من جهته قال أستاذ الحديث النبوي وعلومه في جامعة الزرقاء الأردنية، الدكتور أسامة نمر عبد القادر: “لقد درّست مادة الميراث ما يقارب عشر سنوات، ولم أجد خلال هذه المدة من التدريس والبحث رأيا واحدا يخالف المقرر في أحكام الميراث، حتى لو كان رأيا شاذا”.
وأضاف لـ”عربي21″: “كما أن النظر من جهة دلالة آيات الميراث لا يحتمل أدنى احتمال لفهم آخر، فهي من قبيل النص بمعناه الأصولي الذي يعني أن النص لا يحتمل إلا معنى واحدا متعينا، ولا يحتمل بحال معاني أخرى”.
وناقش عبد القادر عنوان “تاريخية النص” الذي يحاول بعضهم إلغاء أحكام الميراث أو تعديلها كالدعوة إلى المساواة بين الذكر والأنثى، بقوله: “دعوى تاريخية النص في أصلها ملتبسة ويكتنفها قدر كبير من المراوغة، ويراد بها في نهاية المطاف تعطيل بعض النصوص الشرعية بذريعة أنها نزلت لتعالج أوضاعا تاريخية محددة، من غير أن تحمل صفة التشريعات الدائمة والباقية”.
وحذر عبد القادر من الدعوات التي تطلق بين الفينة والأخرى تحت عناوين براقة، كالدعوة إلى إعادة قراءة النصوص وفهمها وفق سياقاتها، وظروف نزولها التاريخية، مشددا على “ضرورة التفريق بين أسباب النزول وتاريخية النص، فأسباب النزول تعين على فهم المراد من الآيات على وجه أدق، لكن تاريخية النص تنزع إلى قصر تلك الأحكام على حالات تاريخية بعينها، فهي خاصة بها وليست عامة لكل زمان”.
وأشار عبد القادر إلى أن أحكام الميراث ليست مناطة بواقع بعينه، حتى يقال إن تغير الواقع يمكن أن يؤثر في أحكام الميراث، إذا ما أعدنا قراءة النصوص الواردة في ظل واقع آخر يختلف عن الواقع الذي نزلت فيه.
وختم حديثه بمطالبة كل “من زعم أن أحكام الميراث خاصة بواقع بعينه، بإقامة الدليل على زعمه ذاك، وكذلك من زعم أن آيات الميراث ليست قطعية الدلالة، عليه إقامة الدليل المعتبر شرعا على أنها تحتمل معاني أخرى غير ذلك المعنى المتعين، الذي فهمه منها أئمة الإسلام وعلماء الأمة قاطبة؛ قديما وحديثا”.
عربي21