تحقيقات وتقارير

من الفلاشا إلى ما بعد نيفاشا برينستون ليمان.. إذا كانوا فقط يستمعون إليه


غيب الموت الجمعة الماضية الدبلوماسي الأمريكي السابق برينستون ليمان عن 82 عاما بسبب سرطان الرئة حسبما قالت عائلته. الدبلوماسي الأمريكي الذي أدى أدواراً كبيرة في السياسة الأمريكية في القارة الإفريقية خاصة في السودان وجنوب إفريقيا.

مهب التحديات

بينما كانت طائرة المبعوث الأمريكي الجديد للسودان برينستون ليمان تستعد للهبوط في مطار أديس أبابا لمتابعة مباحثات شريكي نيفاشا المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حول ما تبقى من قضايا عالقة، رنت في أذنيه تصريحات الرئيس الأمريكي وقتها باراك أوباما فور تعيينه مبعوثا لدولتي السودان عندما قال: “بفضل خبرته الطويلة في العمل في معظم التحديات الملحة في إفريقيا، فإن ليمان مؤهل بشكل فريد لمواصلة جهودنا في دعم مستقبل سلمي ومزدهر للشعب السوداني”، مما جعله يشعر بالزهو وهو يتابع الهبوط ومعالم الأشياء من تحته تتضح شيئاً فشيئاً.

ومنذ أغسطس 2010م عُيِّنَ ليمان قائداً لوحدة دعم مفاوضات السودان لمساعدة الشمال والجنوب على حل المسائل المعلقة المتصلة بتنفيذ اتفاقية السلام الشامل، وانضم لفريق المبعوث الخاص للسودان غريشن، المكون من مساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية جوني كارسون، والقائم بالأعمال روبرت وايتهيد في الخرطوم والقنصل العام ويكلي باري في جوبا، لتكون هذه المجموعة نواة لمجلس الأطلسي أحد مراكز اتخاذ القرار الأمريكية المهتمة بالسودان.

بعدها انخرط ليمان بشكل كامل في الشأن السوداني كمبعوث خاض خلال الفترة من مارس 2011 حتى مارس 2013 مكلَّفًا بتنفيذ اتفاق السلام الشامل لعام 2005 وتطبيع العلاقات مع الخرطوم التي كانت تخضع للحظر الاقتصادي وما تزال في قائمة الدول التي ترعى الإرهاب.
ولكن علاقة ليمان بالشأن السوداني أعمق من الألفية الجديدة؛ ففي منتصف الثمانينيات أسند مكتب الشؤون الإفريقية في وزارة الخارجية مهمة الإشراف على ترحيل اليهود إلى ليمان، ولتلك الغاية تم ترتيب لقاء مطلع العام 1984 في نيروبي لقاء سري بين أرييل شارون والرئيس السوداني جعفر النميري، وكان ليمان برفقة مدير السي.آي إيه بيل كازي. ووفقا لكتاب (الركيزتان الأساسيتان لعاصفة الصحراء) للأمريكي هاوارد تايشر فإن ليمان وسط نائب الرئيس السوداني لإقناع نميري باللقاء مقابل 150 ألف دولار.
وقد قال أوباما في بيان تعيين ليمان: “مثلما اعتمدت الولايات المتحدة على مهاراته الدبلوماسية للمساعدة في دعم الانتقال السلمي من التمييز العنصري إلى الديمقراطية عندما كان سفيرا للولايات المتحدة لدى جنوب إفريقيا، فإنني على ثقة بأن خبرة السفير ليمان العميقة في القارة الإفريقية ستدفع المصالح الأمريكية وطموحات الشعب السوداني إلى الأمام”.

استراتيجية ثلاثية

حددت واشنطن حدود تفويض ليمان بوضوح عبر استراتيجية قامت على ثلاثة محاور أساسية تمثلت في استكمال تطبيق اتفاقية السلام الشامل، وحل أزمة دارفور سلمياً، والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب.
برينستون ليمان الدبلوماسي الملتحق بخدمة الخارجية الأمريكية في عام 1961 عمل سفيراً للولايات المتحدة في نيجيريا، ثم إلى جنوب إفريقيا، حيث ساعد في هندسة الانتقال من حقبة الفصل العنصري.

تنقل الدبلوماسي العتيد بين العديد من العواصم الإفريقية، الأمر الذي جعله يشغل بسهولة منصب زمالة (رالف بنش) للشؤون الإفريقية في مجلس العلاقات الخارجية، كما تضمنت مهنة السفير ليمان السابقة في الحكومة الأمريكية مهام منصب نائب مساعد وزيرة الخارجية للشؤون الإفريقية (1981-1986)، وبين تلك الجولات لم تستغرق أزمة جهد ليمان وتفكيره كما الحال مع السودان بدولتيه حيث عمل مبعوثا خاص لدولتي السودان في الفترة من مارس 2011 إلى مارس 2013، وقاد سياسة واشنطن تجاه السودان.
حديث العقوبات

ليمان المولود في العشرين من نوفمبر في العام 1935م، بسان فرانسيسكو بكاليفورنيا في مجتمع يتسم بالتعددية لأسرة يهودية، حصل على البكلاريوس من جامعة كاليفورنيا، والدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة هارفارد، تنبأ في حديث سابق لـ(السوداني) منذ وقت مبكر من رفع العقوبات بأن القرار لن يحدث فرقا بالنسبة للاقتصاد السوداني لاعتبارات تتعلق بوجوده في لائحة الإرهاب مما سيحرمه من التمويل والاستثمارات طويلة الأجل، فضلا عن إعفائه من ديونه.

ليمان قال إن إدارة أوباما كانت قريبة من إزالة اسمه من لائحة الإرهاب، إلا أنه لم يكن يمتلك الوقت الكافي أو رأس المال السياسي لتحقيق ذلك قبل مغادرته السلطة.
في الوقت الذي أكَّد فيه المبعوث الخاص السابق (ليمان)، على أهمية دور السودان الإقليمي، وأن مستقبل السودان سيظل في يد الحكم الراهن.

وقدم ليمان، تحليلاً يبدو صادماً للبعض، حيث يقرر أنه رغم العقوبات الأمريكية، واستمرار الحرب في بعض المناطق، فإن الحكومة الراهنة في السودان، ليست في حالة انهيار وتصدع، بل إن مستقبل السودان السياسي ما يزال في يدها تماماً. وأكَّد أن انهيار السلطة بفعل الضغوط والإضعاف، أو اقتلاعها بالقوة الجبرية، لن يحقق أهداف وسياسات الولايات المتحدة الخارجية في الاستقرار والسلام والديمقراطية في السودان.
يدعو ليمان لاستخدام سلاح رفع العقوبات كحافز نوعي، وليس كأداةِ ضغطٍ استراتيجية للتأثير على توجهات السياسة السودانية نحو السلام والتحول الديمقراطي. ويعتقد ليمان، أن أفضل طريق لإحداث التغيير في السودان، هو تقديم تأكيدات قاطعة للمتشككين في داخل نظام الحكم، أن التغيير لا يعني أن تذهب الإنقاذ لمزبلة التاريخ، لكن أن تصبح جزءاً من الحل، وتقود التغيير نحو الحل الشامل، والسلام والاستقرار والديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، ليس على قاعدة المعادلة الصفرية، أي أن يكسب أحد وتخسر بقية القوى السياسية.

ويتفق ليمان مع الداعين لاستخدام العقوبات لإحداث التغيير في السودان، لكنه في نفس الوقت يعارض تمديد العقوبات، لأنها فقدت الفعالية والتأثير لإحداث التغيير المنشود، بل ينادي لتحويل النفوذ والتأثير الذي أحدثته هذه العقوبات من نفوذٍ (ساكن)، إلى نفوذٍ (متحرك وفاعل). مع استمرار إبقاء السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، والعقوبات المُوجَّهة للأفراد. ويشكك (ليمان) في حدوث تدفقات استثمارية كبيرة، طالما استمر بقاء السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، لخوف الشركات العالمية من المخاطر المالية.
ويمكن ملاحظة أن واشنطن باتت تتبنى هذا الاتجاه في التعامل مع الخرطوم الذي مفاده أن تحقيق الاستقرار يستوجب استمرارية المؤتمر الوطني في السلطة استناداً لخبرته في الحكم طيلة العقدين الماضيين مما يجعله عنصراً قادراً وفاعلاً على تحقيق الاستقرار مستقبلاً. ويمكن أن نلمح هذه الرؤية في تصريحات سابقة لليمان عندما قال: “صراحة نحن لا نرغب في الإطاحة بالنظام الحاكم في الخرطوم ولكن نرغب في إصلاحات عن طريق دستور ديمقراطي”.

إحدى أبرز القصص التي توقفت عندها وسائل الإعلام الأمريكية وهي تنعى ليمان مفادها أن الدبلوماسيين الذين سربوا وقائع الجلسة المغلقة للمبعوث الأمريكي السابق لدولتي السوداني برينستون ليمان أمام مجلس الأمن في نهاية فبراير 2012، أثنوا على ليمان ونهجه في إدارة الملف قبل أن يقول أحدهم: “لو كانوا فقط سيستمعون إليه”.

صحيفة السوداني.