عالمية

الأميركيون في أنقرة.. لأجل برونسون أم السلاح؟

فتحت زيارة وفد الكونغرس الأميركي إلى تركيا الإثنين الماضي نافذة أمل بإمكانية تحسن علاقات البلدين التي واصلت تدهورها مؤخراً، بعد العقوبات الأميركية التي تسببت بأضرار بالغة للاقتصاد التركي ولسعر صرف الليرة.
ولم يغب ملف القس الأميركي المحتجز لدى أنقرة أندرو برونسون عن الزيارة، لكن ملفات أخرى تتعلق بصفقات الصواريخ الروسية والطائرات الأميركية تقدمت عليه في أجندة الحوار بين الطرفين.

ومثلت قضية برونسون المحتجز منذ أكتوبر/تشرين الأول 2016 بتهمتي التجسس والإرهاب عنواناً لتوتر العلاقات الأميركية التركية، في أزمة لم تشهد بوادر انفراج قبل زيارة الوفد الأميركي الذي التقى مسؤولين أتراكا من وزارتي الدفاع والخارجية.

ووفقاً لوسائل الإعلام التركية، فإن زيارة الوفد الأميركي هدفت بشكل مباشر إلى إقناع أنقرة بوقف تنفيذ صفقة شراء صواريخ “أس-400” الروسية، مقابل إتمام واشنطن تنفيذ صفقة طائرات “أف-35” الأميركية التي عرقلت جهود المحافظين الأميركيين تسليمها إلى الأتراك.

وتعد الزيارة أولى خطوات الحوار مع تركيا في ظل الأزمة الأخيرة، كما تأتي وسط تواتر الأزمات الداخلية التي يواجهها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفِي ظل نجاح تركيا في مواجهة الضغوط الأميركية على اقتصادها.

الأزمة تراوح مكانها
ويعتقد مراقبون للشأن التركي أن العلاقات العسكرية بين الدولتين العضوين بحلف شمال الأطلسي (ناتو) “يمكن أن تشكل ضامناً للحفاظ على التحالف بينهما، وتقدم بالتالي مدخلاً لاحتواء الخلافات في الملفات الأخرى”.

لكنهم في ذات الوقت يرون أن دخول العلاقات الأميركية التركية مسار المصالحة ما زال بعيداً بالنظر إلى حسابات الوضع الداخلي للإدارة الأميركية، والمرتبط بضغوط الإنجيليين والانتخابات المقبلة.

ولا يرى المحلل السياسي سعيد الحاج في زيارة وفد الكونغرس الأميركي إلى تركيا دليلاً على تحسن العلاقات بين الجانبين، بقدر ما يعتبرها مؤشراً على حرص الطرفين على إبقاء باب الحوار الدبلوماسي مفتوحاً بينهما لحل الخلافات.

ويشير الحاج إلى ضرورة الالتفات إلى دلالة أخرى للزيارة، وهي الضغط الأميركي الذي تسعى واشنطن للإبقاء عليه مسلطاً نحو أنقرة عبر مطالب بإطلاق برونسون دون ربط ذلك بتعهد برفع العقوبات، موضحا أن هذه الضغوط تبين أن احتجاز القس مجرد عنوان للأزمة وليس سبباً للخلافات بين الطرفين.

ويشير -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن ملف الصفقات العسكرية يمكن أن يساهم في صناعة اختراقٍ يحلحل الأزمة بين الطرفين، لكنه يلفت النظر إلى أن الزمن تجاوز ذلك بعد تأكيد أنقرة أنها أتمت الصفقة مع الروس بكل الأحوال، وأنها ليست بوارد التراجع عن ذلك.

وكان الأتراك قد أبلغوا وفد الكونغرس رسمياً أن لا نية لديهم للتراجع عن صفقة شراء منظومة الصواريخ الروسية التي تم توقيعها رسميا، ودفع جزء من مبلغ الصفقة لموسكو التي أعلنت بدورها عن تقديم موعد تسليم المنظومة إلى الأتراك.

الضغوط المتبادلة
ويرجح الحاج أن تستمر الأزمة بالأفق القريب، بل يتوقع أنها مرشحة لتصعيد أكبر حتى موعد الانتخابات النصفية للكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل على الأقل.

ويذهب إلى ذات التوقع الكاتب والمحلل السياسي أوكتاي يلماز الذي يرى أن ترامب قد يتجه أكثر للتشدد خارجياً كلما زادت عليه الضغوط الداخلية، لكسب ود الإنجيليين وصقور المحافظين.

كما يرى أن تكلل مساعي عزله من منصب الرئاسة لن ينعكس إيجابا على مسار الأزمة مع تركيا، نظراً لأن خليفته سيأتي من ذات المدرسة اليمينية المتشددة من المحافظين، وفقاً لتعبيره.

ويشير يلماز -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن زيارة الوفد الأميركي حافظت على “المسار الدبلوماسي” لحل الأزمة باعتباره حاجة للبلدين، لكنه شدد على أن تركيا حرصت على توجيه رسائل واضحة للأميركان حول كيفية تعاملهم معها كدولة قوية.

وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد أعلن أن بلاده “سترد على واشنطن إذا تصرفت مثل رعاة البقر” وهو التصريح الذي رأى فيه مراقبون استمرارا تركيا في التعامل بسياسة “الرد بالمثل” على المواقف الأميركية.

وقال يلماز إن تركيا تهتم بسيادتها واستقلالها كدولة كبيرة وفاعلة، وإن تصريحات أوغلو تمثل دعوة لواشنطن لتغيير أسلوب خطابها والتراجع عن فوقيتها في التعامل مع الأتراك قبل الشروع بأي عملية تفاوض.

المصدر : الجزيرة