قايلنّي السر الزمان؟
ايام حضوري للكورسات التنشيطية تمهيدا لجلوسي لامتحان القيد الصحفي .. حدثنا الأستاذ ( فيصل محمد صالح) في محاضرة التحرير الصحفي عن فن كتابة العمود الصحفي الراتب، وكيف أنه يعبر عن خلاصة تجربة صاحبه وخبرته في الحياة، ولذلك يجب أن يكون صاحب العمود ممن تدرجوا في الصحافة وفن الكتابة عبر السنوات حتى تجمعت له تجربة وخبرة يستطيع ان يعطي للقراء من ثمارها ما يفيدهم في الحياة، وهذا على العكس من الذي يحدث في صحافتنا الان ما زال الحديث للاستاذ حيث أن هناك من كتاب الاعمدة من يأتي من منزله ليصبح فجأة كاتب عمود .. من مكاني بين الدارسين أشرت بيدي إلى صدري لأستاذ فيصل بأن ( زي ناس حلاتي).
قد أجرو على مخالفة رأي الاستاذ في تعميم نظريته على جميع أنواع كتّاب الأعمدة، فكلامه ينطبق على كتاب أعمدة الرأي والتحليل السياسي، التي تعكس وجهة نظر كتّابها في الحراك السياسي والاجتماعي وغيرها من الامور الجادة التي تعترض مسار روتين الحياة العامة للبلد، ولكن تلك المعايير لا تنطبق على كتّاب الصحافة الاجتماعية ان جاز التصنيف فهنا الموهبة تقدم على التجربة، ومقدرة الكاتب على التعبير عن ما في نفسه وعن تفاعله مع ما ومن حوله، مع المقدرة على عكس ايقاع الحياة الاجتماعية اليومية البسيطة، وان يجيد توصيل ما في داخله لقرائه أو ضيوف صالونه .. فقد عبرت صديقتي )منى ابو زيد) عن ذلك خير تعبير، عندما قالت بأن العامود الاجتماعي يشبه صالون أو مضيفة الكاتب التي يستضيف فيها قرائه على سجيته وبي راحتو بدون الملابس الرسمية ..
للكتابة الاجتماعية خطورتها فكما أنها تستبيح حياة الكاتب الشخصية وتجعل منها مادة ونسة للشلل والتجمعات، كذلك فان ما يطرحه الكاتب عبر العامود يكون طبقا على مائدة الغداء التي تجتمع عليها الأسرة، فقد أخبرني أحد الاصدقاء عبر رسالة بالايميل ان مادة عمودي دائما ما تكون ونسة الغدا اليومية في البيت .. وقد يمتد الاثر فيعتبر القراء صاحب العمود واحدا من افراد الاسرة يحزنون لحزنه ويهمون بما يهمه فقد اسرتني احدى حبيبات اللطائف عندما اخبرتني انها تتذكرني طوال اليوم وكثيرا ما تسأل نفسها:
ياربي منى هسي قاعدة تعمل في شنو؟
قد تبيح هذه الحميمية الشديدة بين صاحب العمود وقرائه، الفرصة كي يمارس البعض منهم عليه الدلال فيرغبوا أن يرهن الكاتب نفسه تجاه ما يهمهم ويعبر عنهم من القضايا فقط، فقد وصلتني على بريد اللطائف رسالة عتاب بسبب مادة كتبتها عن الناس في الخليج عاتبتني صاحبتها على استحياء واتهمتني بأنني انضممت لطبقة الاثرياء وصرت اكتب عن اهتماماتهم مثل اقتناء الذهب وموديلات الموبايلات، وتركت الكتابة عن الغبش والبسطاء الذين لا يتمكنوا من العلاج في المانيا والتعريج على الخليج للتسوق، وتدعوني للعودة لكلام الحبوبات الزمان ..
بالجد الرسالة احزنتني شديد .. فصديقتي تلك لا تعلم بانني لا استنكف ان اعيش في بيت طين في العشوائي، مقابل ان يتقافز حولي صغاري تملؤهم الصحة والعافية، ولا استبدل ذلك بـ راحات المانيا وكنوز الخليج، لان المرض الذي يصعب علاجه في السودان ويجبرك على قطع القارات بحثا عن نفس العافية، ابتلاء حقيقي لا يعرفه إلا من عاشه وضاق مرارة الحرمان من نعمة العافية .. أما ما كتبته عن انواع الناس في الخليج فكان على سبيل التسلية ومشاركة اصدقائي في مغامراتي ( العوضية) وليس من باب البوبار.
فـ يا احباب اللطائف .. شيشكم علي .. انا امرأة من أوسطكم حالا لم اشكو والحمد لله من فقر أوشظف عيش يوما وما حصل (بتّا القوا)، ولكني بالمقابل ايضا لست بالمترفة ولا املك فائضا من المال المحرق روحي وما عارفة اسوي بيهو شنو، عشان اسافر وابعزقو في شراء الموبايلات، وان كنت لا انكر اني كلما استلمت (ماهية الحكايات) نظير نقتي اليومية على رؤوسكم، روحي قاعدة تحرقني شديد لاني بكون ما عارفة اسوي بيها شنو وما قاعدة تحوق في الدايراهو منها.
حكى لي (سيد الاسم) عن لازمة اشتهرت بينهم تقول (انتو قايلني السر الزمان)، فقد كان (السر) هو أحد رفقاء طفولتهم الذي كانت امه وقريباته يكثرن من ارساله طول النهار المرسال تلو المرسال للدكان بحجة ان اصغر القوم مرسالهم، إلى ان اتي بداية العام الدراسي ودخل السر لـ سنة أولى .. في نهاية اليوم الدراسي عاد السر يملؤه الزهو بحالة كونه بقى زول مهم .. طالب مدرسة وكده، لذلك ما ان نادته احدى الجارات في طريق عودته للبيت قائلة:
هوي يا السر .. النبي تعال اترسل لي الدكان.
ما كان من السر إلا ان حدجها بنظرة استعلاء قائلا:
انتي قايلاني السر الزمان؟!!
أقول لاحباب اللطائف: يانا الزمان يا ناس .. ياني (منى الزمان) لا جدّ ولا حا يجد – باذن الله – علي شيء يغيرني من البسوي فيهو فـ ما تملونا فقر ساي .. كدي ارضو عني وادوني الفاتحة !!
[/JUSTIFY]
منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]
تسلمي لينا يا غالية وربنا يديكي الصحة والعافية وما يحرمنا منك ومن كتاباتك الرائعة
رسالة للوالي – الكاتبة بتشجع السكن العشوائي