لماذا نكثر من تناول الطعام مع الآخرين؟
هل هناك من شيء أجمل من التفاصيل البسيطة التي تكلل حياتنا وتعطيها نكهة خاصة، كجلسة طعام ممتعة مع الأصدقاء والعائلة؟ ولكن على ما يبدو أن هناك ثمنا يجب أن نسدده نتيجة هذه اللذة.
ففي المرات التي نكون فيها بصحبة بعض المقرّبين منا، وأثناء انغماسنا في الدردشات وتذوق أشهى الأطباق، نلاحظ أننا أفرطنا في تناول الطعام لدرجة أنه لم يعد باستطاعتنا القيام بأي حركة. وفي المقابل، عندما نكون لوحدنا نكتفي بتناول وجبة بسيطة حتى أننا في بعض المرات ننسى أن نأكل، وهكذا يمرّ الوقت من دون أن نضع أي “لقمة” في فمنا. فكيف يؤثر محيطنا على ما نأكله؟ وهل بإمكاننا الاستفادة من هذه التأثيرات الاجتماعية لخفض الدهون والسكر في الدم وحتى لإنقاص الوزن؟
التأثير الاجتماعي
ربما بامكاننا توجيه أصابع اللوم إلى المجتمع في حال كنا من “محبي” الإفراط في الطعام. إذ كشفت مجموعة من الأبحاث أننا نأكل أكثر حين نكون بصحبة الآخرين، كما أننا نتأثر بما يأكله غيرنا. في الثمانينيات، قامت سلسلة من الدراسات كتبها عالم النفس، جون دي كاسترو، بتسليط الضوء على التأثيرات الاجتماعية لناحية الأكل. إذ عمد الباحث إلى جمع يوميات أكثر من 500 شخص يسجلون وجباتهم، والسياق الاجتماعي لكيفية تناولهم الطعام، سواء كان ذلك بصحبة أحد أو بمفردهم. وتوصلت الدراسة إلى الخلاصة التالية: يأكل الناس في مجموعات أكثر مما يفعلون عند تناول الطعام بمفردهم.
وقد أطلق دي كاسترو على هذه الظاهرة اسم “التيسير الاجتماعي”، واصفاً إياها بأنها “التأثير الوحيد الأكثر أهمية وانتشاراً للأكل والذي تم تحديده”. ووجدت دراسات أجراها بعض الباحثين أن الناس يتناولون المثلجات بمعدل 40%، والمعكرونة واللحم البقري بمعدل 10% أكثر من الحصة التي يأكلونها لوحدهم، عندما يكونون بصحبة الآخرين.
تمديد الوقت
ما الذي يجعلنا نأخذ وقتاً أطول حين نأكل مع شخص آخر، أهو الجوع، المزاج أو تشتيت التفاعلات الاجتماعية؟
كشفت الدراسات أننا نمدد وقت وجباتنا عندما نأكل في مجموعة، كما تبيّن أننا نأكل أكثر خلال هذه الدقائق الإضافية.
وفي التفاصيل التي كشفتها دراسة أجريت في العام 2006، جمع العلماء 132 شخصاً وأعطوهم إما 12 أو 36 دقيقة لتناول الكعك والبيتزا، واللافت أن المشتركين منحوا خيار تناول الطعام بمفردهم، أو على شكل ثنائي أو ضمن مجموعة مؤلفة من 4 أشخاص. وقد قدمت هذه التجربة واحدة من أقوى الأدلة على أن الوجبات الأطول كانت من نصيب المجموعات الكبرى: من المنطقي أنه عندما نتناول العشاء مع أصدقائنا، فإن الوقت الذي نستغرقه على الطعام يكون طويلاً مما يدفعنا مثلاً إلى تناول شريحة أخرى من قطعة الحلوى.
إشباع الرغبات
إن الرغبة هي التي تقود جميع تصرفاتنا حتى في مسألة تناول الطعام. إذ تبيّن أنه عندما نكون برفقة مجموعة، فإننا نميل إلى طلب المزيد من الطعام، وهذا ما تمت ملاحظته في أحد المطاعم الإيطالية: حين يكون هناك حفلة كبيرة، فإنه يتم طلب المزيد والمزيد من “الباستا” والحلويات، وذلك لكون هذه الحفلات الاجتماعية تجعلنا نشعر بالجوع، ونشبع رغباتنا حتى قبل أن نطلب الوجبات. وفي هذا الصدد، شدد عالم التغذية، بيتر هيرمان، على أن إشباع الرغبات هو جزء لا يتجزأ من الوجبات الاجتماعية، مشيراً إلى أننا حين نقيم علاقات اجتماعية فإننا نميل إلى تناول المزيد من الطعام دون الشعور بالذنب من إقدامنا على الإفراط في الأكل.
وعلاوة على ذلك، يمكننا التماس البهحة عند تناول الطعام مع شخص آخر، حتى ولو كان غير حقيقي. فمن خلال دراسة يابانية، طُلِب من الأفراد تناول الفشار، إما لوحدهم أو أمام المرآة، أو قبالة لوحة على الحائط. وقد تبيَّن أن أولئك الذين تناولوا الفشار أمام المرآة، استمتعوا به أكثر من غيرهم. وعليه هل لاحظتم يوماً عدد المطاعم التي تحتوي على مرايا بارزة في كل مكان؟
العربي الجديد