حوارات ولقاءات

زوجة الراحل “مصطفى سيد أحمد”:أعمل على مشروع فني قادم لأغنيات مسجلة بالعود لم تذع من قبل


{ الناس ممكن تغني أغاني “مصطفى” فهو ملك للكل لكن يغضبني التشويه والمتاجرة والتكسب المادي
{مصطفى ليس شيوعياً وكان أقرب لليسار حسب اعتقاد البعض

{“مصطفى” ظلم ظلماً شديداً في حياته.. ويوم وفاته عشت في كابوس
{يومياً ولمدة ثمان ساعات استمع لصوت “مصطفى” خاصة أغنيتي (الحزن النبيل) و(يا سر مكتوم)

{ هل أثر رحيل “مصطفى”، في معجبيه والمهتمين بفنه؟
إطلاقا، فخلال كل زيارة سنوية أقوم بها إلى أرض الوطن، يزداد عدد عشاق ومعجبيه من روابط وطلاب وأجيال ولدت بعد رحيله.. جميعهم يأتون إلى البيت، بالرغم من أنهم لم يتواصلوا مع “مصطفى” من قبل، ولم يشاهدونه قط، هذه الأجيال العشرينية تحتفي “بمصطفى” من خلال أعماله الفنية.. فلم يذكر “مصطفى سيد أحمد” إلا وذكرت الأشياء الجميلة والأخلاق النبيلة.. لم يختلف عليه الناس أبدا.. بل هو الفنان السوداني الوحيد الذي اجمع على حبه كل ألوان الطيف السياسي في اليسار واليمين والوسط، والمجتمع بمختلف فئاته وطبقاته وميوله وجماعاته.

..{ليس شيوعياً كما أسلفتي، فهل كان أقرب إلى اليسار؟
كان أقرب لليسار حسب اعتقاد البعض، ربما لأن معظم أن لم يكن كل الشعراء الذي تغنى بقصائدهم ينتمون لتلك المدرسة السياسية.
{ كيف كانت الأيام الأخيرة في حياة “مصطفى”؟
الأيام الأخيرة في حياة “مصطفى” كانت في الدوحة (وهنا صمتت قليلا ثم واصلت حديثها بحرقة وألم بائن) الحمد لله من رحمة ربنا بي أنني كنت بعيدة في الإسكندرية مع “سيد أحمد وسامر” لأنهم كانوا منتظمين في الدراسة “سيد أحمد” كان في سنة خامسة و”سامر” في سنة رابعة، وكان الاتصال بيننا ومصطفى يومياً.. لكي يطمئنني عن أحواله.

{هل كان الحديث بينكما مجرد اطمئنان برب الأسرة الذي يعاني من مشاكل صحية؟
بالمناسبة نحن كنا أصحاب قبل أن نكون أزواجا، وكان يستشيرني في كل تفاصيل حياته اليومية الصغيرة.. بل كان يسمعني ويستشيرني عبر الهاتف حول تلك الأعمال التي أنتجها في الدوحة إبان فترة مرضه.. وأذكر عندما أعطى الفنان الشاب “خالد الصحافة” بعض الأعمال قلت له.. يا “مصطفى” أنت الأغاني دي بتغنيها بطريقة جميلة، قال لي يا “بثينة” أنا لازم أقيف مع الفنانين الشباب وأنا مؤمن تماماً بفكرة تواصل الأجيال.. ومساعدتهم حتى يستلموا الراية من بعدنا.

{..كيف كانت بداياته خاصة وأنه قدم مدرسة جديدة للغناء؟
حورب في بداياته كان يريد أن يمهد الطريق ويمد يد العون لكل الفنانين من بعدهم..

{كيف تلقيتي خبر وفاة “مصطفى سيد أحمد” في تلك اللحظات، وأنت في الإسكندرية؟
ـ أطرقت للحظات وصمتت لبرهةــ: أنا اليوم داك زي كنت في كابوس وما كنت متخيلة في يوم من الأيام.. أن “مصطفى” يمشي أو يسافر مننا وما يرجع تاني .. أو يموت.. استغفر الله العظيم.. ولم أتخيل كل ذلك السيناريو من المرض والأحداث التي صاحبت مرضه وأيامه الأخيرة ما بين موسكو والقاهرة والدوحة.

..وفي القاهرة حدث خطأ من طبيب بعد أن أجرى “مصطفى” العملية في موسكو.. وأحداث الدوحة وغيرها.. بحس كل هذه اللحظات والأيام كأنها كابوس وحلم مزعج.

{كيف تكيفتي مع فكرة الرحيل؟
لن أذيع ليك سراً إذا قلت لك أنا ليوم الليلة بتكلم مع “مصطفى سيد أحمد” في أحلامي.. ويقظتي.. وأنا ليوم الليلة.. مش عدت (٢٢) سنة.. بتخيل “مصطفى” يجيء، طالع في أي وقت من الأوقات وأقوم اتكلم معاه واحكي ليهو عن الحاجات البتضايقني.. وهو كثيرا ما يزورني بصورة شبه يومية في الأحلام.. ويتكلم معاي ويوصيني ويجيب سيرة الأولاد.. لأنه كان بحبهم حب خيالي..

{ “مصطفى” خلق حالة من الحُب والأجواء، بينه وبين الشعراء الذين غنى لهم، وفرقته ووسطه الفني هل كان ذلك الأمر مصادفة أم أنه كان بترتيب؟
“مصطفى” كان مؤمناً بتجارب الشعراء الشباب ..والحداثة الشعرية في ذلك الوقت.. لذلك لم يتغن إلا في بداياته لشعراء، معروفين ثم واصل في استكشاف عوالمه الخاصة ومفرداته.. وكان لديه شيء معين إذا لم يحس بالعمل الشعري أو القصيدة لا يقدم مطلقا على وضع أي لحن لها.

{ هل هناك أعمال شعرية لم يلتفت لها؟
لا أذيع لك سرا.. هنالك العشرات بل المئات من القصائد والأعمال الشعرية والدفاتر والأوراق التي كانت بطرفه، ولكنها لم تحرك فيه ملكة التلحين ولم يقم بوضع اللمسات اللحنية لها لأنها كانت دون المستوى.. حسب تقييمه.. ولم يحس بها لذا لم ترَ النور.

{ماذا حصل في حياة “بثينة وسيد أحمد وسامر” بعد رحيل “مصطفى سيد أحمد” وأين ذهبت وكيف عشتم؟
بعد وفاة “مصطفى” ووصول الجثمان حضرنا إلى السودان ومراسم التشييع والدفن (بود سلفاب) التي مكثنا بها عشرين يوماً .. ثم عدت إلى بيت شقيقتي (ماجدة) بامتداد الدرجة الثالثة وقضيت فترة الحبس والحداد ثم بعد سنتين رجعنا الإسكندرية وكان ذلك في العام ١٩٩٨.لكي يكمل الأولاد المراحل التعليمية التي عشت فيها سنوات حزينة.. ثم هاجرنا إلى كندا عن طريق شقيقي “حسن” له الرحمة والمغفرة وشقيقتي اللذين كانا يعيشان في مدينة لندن.. أونتاريو.. التي مكثنا بها عدة سنوات ثم رحلنا وانتقلنا إلى مدينة هاملتون.. التي نقيم بها حاليا.. وكندا بلد جميل جدا ..وبها ميزات لا توجد حتى في انجلترا ولا أمريكا خاصة من ناحية الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي والعلاج والتعليم المجاني.. وكندا بلد تحترم الإنسان بمعنى الكلمة ونحن مرتاحين والحمد لله.. ولكن الغربة حارة جدا.. مهما كانت المغريات.. والأولاد واصلوا مسيرتهم التعليمية الجامعية وما شاء الله “سامر” تزوج و”سيد أحمد” لسه إن شاء الله قريباً ..ودوما نشتاق للأهل في السودان ود سلفاب أسرة “مصطفى” إخوانه وأخواته ورحم الله من توفي منهم وتحياتي وأشواقي للأحياء، منهم عبر هذا الحوار.. وكذلك لأفراد أسرتي وشقيقاتي وأبنائهم وبناتهم جميعا.. ونحن لم نقطع عن الوطن وسنويا نزور السودان.. والحمد لله ..ونحن شعب حنين..

{ متى تعودون إلى السودان؟
إذا كنت اضمن مستقبل أولادي في السودان لقررت العودة نهائيا اليوم قبل الغد ..ولكن الأوضاع لا تسمح بذلك..!!!..
{..ماذا تبقى من عطر الصبابة الما انسكب من “مصطفى سيد أحمد” في ذاكرتك.. وفي هذا المنزل وحياة “بثينة” والأولاد.. وإني أرى صورة أسود وأبيض معلقة على الجدار؟

روح “مصطفى سيد أحمد” تحلق في جميع أركان هذا المنزل، الذي تشرفتم بزيارتنا فيه.. وعلى فكرة (سامر) طالع رسام.. مثل أبيه.. و”مصطفى” كان يعشق الرسم ولديه لوحات كثيرة وكذلك ابننا “سامر” ..فهو يعشق الفنون والرسم كثيرا .. أما الابن “سيد أحمد” فهو أخذ من أبيه صفة الهدوء الشديد والتأمل والاستغراق، وهو حنين جدا ..وفيه حاجات كتيرة من “مصطفى” ولو عاين لي في وشي ساكت يسألني مالك يا ماما؟ ولو قلت ليهو زعلانة منك طوالي ببكي دمعتو قريبة زي “مصطفى” كانت تبكيه أبسط الأشياء.. الله يرحمه ولا أذيع لك سرا إذا قلت لك يوميا أنا بستمع لصوت “مصطفى” حوالي ثماني ساعات في كل أغنياته وبخاصة (الحزن النبيل).. و(يا سر مكتوم)..

{طيب أستاذة “بثينة” بمناسبة أغنيات الراحل ماذا تقولين لشركات الإنتاج الفني والشباب الذين يرددون أغنياته بطريقة غير لائقة؟
الناس ممكن تغني غناء “مصطفى سيد أحمد”.. فهو ملك لكل الناس.. لكن اغضب كثيرا عندما يشوهون أغنياته ويتاجرون بها بل يستنزفونها ماديا.. ولا اقبل بتشويه تجربته المتفردة.. والناس إذا عاوزين يغنوا غناء “مصطفى” يغنوه بنفس الطريقة بتاعتو.. يعني بنفس الصورة وما يشوهو.. وأنا ما عاوزة اذكر أسماء بعينها وهي عارفة نفسها وشوهت في الآونة الأخيرة غناء “مصطفى”.. ونحن ومازال الحديث “لبثينة”.. وطبعا ما بنحب نحرج الناس..

{طيب أستاذة “بثينة” هل تعتقدين أن “مصطفى سيد أحمد” حاقه الظلم من شركات الإنتاج الفني وبعض الجهات بدون ذكر أسماء والأمر متروك ليك في الأول والأخير؟
على فكرة ظلم ظلما شديدا في حاجات كتيرة جدا خلال حياته.. ليس في موضوع شركات الإنتاج الفني وحدها ولا الإذاعة والتلفزيون.. ولكن العزاء الوحيد أن الناس لغاية يوم الليلة تسمع في غناه جيلا بعد جيل وبلا انقطاع.. مصداقا لكلامي هذا عندما رجعت السودان في شهر أبريل الماضي ..هل تصدق أن هنالك روابط وجمعيات أدبية وثقافية وطلاب وكمية من الشباب والشابات من الجيل الجديد أعمارهم لم تتجاوز العشرينات وولدوا بعد وفاة مصطفى.. هل تصدق أنهم مازالوا يحفظون ويرددون أغنياته وتجربته.. وكانوا يسجلون لي زيارات في البيت وعاوزين يعرفوا كل يوم شيئا جديدا عن حياته ..وهذه في حد ذاتها محمدة بأن الأجيال الجديدة واللاحقة تحفظ أغنياته.. وأعماله وتواصل في ذلك المشوار.. وهذا يدل على الصدق الفني والتجويد والتعب خلال مسيرته..

{هل هنالك أغنيات “لمصطفى سيد أحمد” لم نسمعها بعد ولم تعرف لدى الناس والمتلقي؟
نعم هنالك عشرات الأغنيات التي لم تر النور بعد.. ولم تغن في حياته وتظهر لعامة الناس.. وهو كان غزير الإنتاج الفني والإبداعي واللحني.. برغم ظروفه المرضية القاسية.. وأغلب تلك الأعمال والأغنيات وهي بالعود.. ولدى مشروع فني قادم لا بد من تنفيذه.. ستطرح في وقتها إن شاء الله.. وفي الختام تقول “بثينة” رسالة لشركات الإنتاج الفني.. أن هنالك بعض الأشخاص ظلموا مصطفى حيا وميتا.. وتغولوا على حقوقنا وحقوق أبنائه.. وهي ذكرت لي تلك الشركات ولكنها طلبت حجب أسمائها.. حفظا للوداد زمنا صعب.. وتمنت أن ترد هذه الشركات والجهات والشخصيات الحقوق لأهلها من باب الوفاء للراحل المقيم “مصطفى سيد أحمد” الذي جمل وجدان الشعب السوداني وإكراماً لروحه الطاهرة وسيرته العطرة.

تورنتو ـ هاملتون ـ كندا : محمد عثمان يوسف (حبة)
صحيفة المجهر السياسي.