تحقيقات وتقارير

الحركة الإسلامية.. ماذا يحدث قبل المؤتمر العام؟


بقوة عادت الحركة الإسلامية للتوهط في منتصف المشهد السياسي عقب تركيز أكثر من قيادي عليها..
والتحدث باسمها أو ممثلاً لأمينها العام في ولايات البلاد المختلفة.. بيد أن العودة الحقيقية للحركة في تصدر المسرح السياسي يربطه الكثيرون بعبارة الرئيس البشير يومذاك (نحن حركة إسلامية كاملة الدسم) باعتبراها كلمة السر التي أعادت للإسلاميين أصواتهم بعد طول خفوت.

آخر محطات الحركة إعلامياً جاءت عقب تصريحات النائب الأول السابق علي عثمان محمد طه بالأبيض أمس الأول بأن الحركة مطالبة بإعادة مراجعة للأفكار والأطروحات الخاصة بها، وهو الأمر الذي اعتبره كثيرون صعباً على ضوء التفاعلات الحالية.
الإسلاميون برمتهم لا يبدو أنهم على قلب رجل واحد وهم يستقبلون مؤتمرهم العام القادم الموسوم بالرقم (9)؛ فمنهم من يرى أن الحركة مطالبة بتقديم تنازلات جوهرية لامتصاص حالة الاحتقان في الشارع العام الذي يلقي بأعباء ما وصلت إليه الحالة المعيشية على كاهل عضويتها، بينما يذهب آخرون إلى ضرورة الصمود ولنظر لتلك الاتهامات في سياق محاولات التقويض التاريخية لمسيرة الإسلاميين منذ بداية ظهورهم وصراعهم المستميت مع اليسار السوداني..
غض النظر عن هذه الرؤية أو تلك، إلا أن الوقائع تقول بأن الحركة أكملت عملياً مؤتمراتها القاعدية والولائية باستثناء ولايتي الجزيرة والخرطوم وتقرر انعقادهما الأسبوع المقبل.
الخطوة الثانية في أعقاب ذلك اكتمال عملية التصعيد للمؤتمر العام الذي تحوز فيه الولايات على نحو 60% من العضوية، بينما تستكمل قطاعات الحركة المركزية نسبة الـ40% المتبقية..

الأجواء العامة التي أحاطت بمؤتمرات الحركة وحراكها في الولايات طبقاً لمراقبين تشير لارتياح عام من العضوية عقب الالتزام بقرار بقائها على قيد الحياة. ولكن باعتقاد ذات المراقبين لم يكن عسيراً رصد ذبذبات التباين التي ربما استقرت على موجات تيارين يسابقان المؤتمر العام منذ فترة ليست بالقليلة.
التيار الأول بحسب متابعات (السوداني) لا يخفي مطالبه بأن تصبح الحركة جماعة دعوية تكتفي بإسهامها العضوي والقيادي في حزب المؤتمر الوطني بعدما أسسته كجناح يعبر عن رؤيتها السياسية، ثم ما لبثت وأن تنازلت عن ذلك وارتضت أن تكون جزءاً منه بعد عملية الانفتاح التي شهدها الحزب بدخول مجموعات لا تنتمي أصالة للحركة الإسلامية، قبل أن يتجه الحزب في مرحلة تالية للدخول في شراكات سياسية مع أحزاب أخرى.
بينما التيار الآخر أو الثاني ما يزال يتمسك بالحلم القديم، المتمثل في أن تظل الحركة ناظماً ومرجعية للمؤتمر الوطني، وصاحبة الكلمة العليا في قضايا البلاد الكبرى، وهو ما وصفه كثيرون بالتيار السلفي أو تيار المتشددين ويطلق عليهم داخلياً بتيار الصقور الذي لا يراعي التحولات الكبيرة التي تكتنف الدولة جراء عمليات الانفتاح.

من هم المتنافسون؟

منذ قرار المؤتمر العام الثامن الذي اعتمد آلية تنسيقية عليا للحركة الإسلامية، يرى كثير من المراقبين أن هذه الخطوة تعني عملياً إفراغ منصب الأمين العام من قوته المستمدة بانتخابه المباشر من قبل هيئة الشورى المكونة من 400 عضو يجري انتخابهم من قبل 4 آلاف عضو.. هذا المشهد القديم ربما يساعد على فهم ما يجري حالياً في أروقة الحركة؛ فثمة من يريد أن تحتفظ بكيانها ولكن في إطار الدعوة والتزكية، دون اي تدخل في العمل السياسي والتنفيذي، بما يعني أن اختيار أمين عام يريد العزف المنفرد مستقلاً برأيه أو مقدراته الفكرية والسياسية ليس مطلوباً في هذه المرحلة.
أما بشأن المرشحين وفرص فوزهم فإن أسماء قليلة يجرى تداولها على نطاق محدود برغم أن ثمة تسريبات تؤكد حسم القيادة العليا لأمر اختيار الأمين الجديد الذي سيجري طرحه لأعضاء المؤتمر لتمريره، ولعل أبرز الأسماء المتداولة رئيس مجمع الفقه الإسلامي الحالي د.عبد الرحيم علي ومستشار الرئيس لشئون التفاوض د. أمين حسن عمر، وزيرة التعليم العالي المستقيلة البروفيسور سمية أبو كشوة ورئيس البرلمان الأسبق د.أحمد إبراهيم الطاهر ومدير جامعة إفريقيا د. كمال محمد عبيد ووزير الخارجية الأسبق علي أحمد كرتي، ومساعد رئيس الحزب الأسبق د. نافع علي نافع. بيد أن رصد (السوداني) للتطورات الداخلية يشي بأن ثمة أصوات تدعو لترشيح أمين عام لا يتجاوز سنه الـ50 أو الـ60 عاماً..
بالنظر لقائمة الأسماء المتداولة فإن الملاحظة الأبرز تقول بأن فرصها في الفوز متساوية، وإن كانت الكفة تميل لصالح عبد الرحيم علي لأسباب داخلية وعلي كرتي لأسباب خارجية ود. أمين حسن عمر لدواع فكرية وتجديدية، أما د. سمية أبو كشوة فهي الأخرى تميل كفتها من حيث فرضية تمثيل المرأة واختيارها كأول أمينة عامة للحركة.

الإسلاميون والوضع الدولي والإقليمي

عندما تم تأجيل انعقاد المؤتمر العام التاسع لمدة عام، بعد أن كان مقرراً له شهر نوفمبر من العام المنصرم، تم تفسير الخطوة بأنها تأتي في محاولة لامتصاص الأزمة الداخلية التي أنتجتها آراء جريئة لبعض القيادات التاريخية، وتلخصت في ضرورة حل الحركة في مؤتمرها المقبل.

مطلب الحل آنذاك أثار ردود أفعال داخلية عنيفة، ونحا كثيرون لتخوين القائمين على أمر الحركة واتهامهم بحلها وتصفيتها، في المقابل قدم دعاة حل الحركة مسوغاتهم وأسبابهم في مشروعية المقترح، فقد تركزت حول البيئة الإقليمية والدولية التي تشكلت عقب فشل معظم ثورات الربيع العربي، وما تبعها من تحركات دولية جادة لتصفية الإسلام السياسي، ووصم كثير من الحركات والجماعات الإسلامية التي تبدي اعتدالاً في ممارستها “بالإرهاب” ولذلك تخوف كثير من قادة الإسلاميين في السودان أن تلقَى حركتهم ومنسوبيها ذات نتائج الحركات الإسلامية الأخرى، فأرادوا حل الحركة وتحرير عمل مؤسسات الدولة، للإفلات من التضييق والعقوبات. إلا أن مراقبين وصفوا مطالب حل الحركة بأنها عملية خداع وتكتيك، أرادوا به الإفلات من العقوبات الأمريكية وتطمين بعض القوى الإقليمية التي تشارك السودان معها مؤخراً بعض الشواغل الأمنية.. وانتهت هذه القضية بالتوافق على رد الأمر لعضويتها لاختيار واحدة من ثلاثة خيارات وضعتها لجنة خاصة كونت لغرض مستقبل الحركة الإسلامية برئاسة أمينها العام السابق علي عثمان، وكان من بين الخيارات أن تُحل الحركة أو تدمج في المؤتمر الوطني أو تظل على ما هي عليه كحركة مستقلة، تحكم بذراعها السياسية ممثلاً في حزب المؤتمر الوطني، وقد أتت نتائج خيار العضوية مخيبة لآمال كثيرين حيث اختاروا أن تظل الحركة كياناً قائماً ومستقلاً. وقد طوى هذا الجدل إعلان رئيس الجمهورية ورئيس المؤتمر الوطني المشير عمر البشير بقوله في مؤتمر الشورى “نحن حركة إسلامية كاملة الدسم ولا نُخفي ذلك”، وبهذه الكلمات امتص الرئيس البشير الأزمة الداخلية وعبّر رسمياً عن قبول خيار عضوية الحركة، فيما وصف كثير من المراقبين قول الرئيس بأنه رسالة خارجية قوية ترفض أي إملاءات أو شروط في الحاضر أو المستقبل تتعلق بمصير الحركة الإسلامية، وعدّ البعض حديث الرئيس في هذا السياق برسالة لدول الجوار الإقليمي التي لم تخفِ قلقها المتزايد من مخاوف دعم الحركة الإسلامية في السودان لنشاط بعض الجماعات الإسلامية داخل تلك الدول.

عائدون للمشهد

من بين المفاجآت في مؤتمرات الحركة الولائية، ظهور بعض القيادات القديمة للواجهة وهي القيادات التي وصفت إعلامياً “بالحرس القديم” أو أولئك الذين غادروا العمل السياسي والتنفيذي، عقب عملية تغيير قيادي كبير في صفوف الحركة والمؤتمر الوطني، ومن بين تلك الوجوه أطل د. نافع علي نافع من منصة مؤتمر الحركة الإسلامية بالنيل الأبيض، واعتبر حديثه في ذلك المؤتمر بأنه ذكَّر كثيرين بأن هناك مؤتمرات ولائية تنظمها الحركة الإسلامية وكان لخطابه أثر كبير وسط قواعدها بعد أن وجد صدىً إعلامياً واسعاً، أما الحضور الثاني كان لنائب الرئيس الأسبق د. الحاج آدم يوسف من ولاية النيل الأزرق، فيما أطلَّ مساعد الرئيس السابق د. عوض الجاز من منصة ولاية البحر الأحمر، أما الأمين السابق للحركة علي عثمان فقد اختير بعناية لمخاطبة مؤتمر ولاية شمال كردفان، وقد أعاد حضوره وتوهجه الخطابي للحركة، وما قدَّمه من أفكار، بريقاً إعلاميّاً مؤثراً لمؤتمر شمال كردفان.

الخرطوم: عبد الباسط إدريس
صحيفة السوداني.


تعليق واحد